من اخطاء الرفيق فؤاد النمري: البرجوازية الوضيعة! 1-2


مالوم ابو رغيف
2013 / 2 / 2 - 23:40     

مع الاحترام والتقدير للمساهمات الفكرية والنظرية للرفيق فؤاد النمري في حقول المعرفة الماركسية المختلفة، الا اننا نجده بين الفينة والاخرى يقع في اخطاء ما كان له ان يقع فيها لو انه تريث قليلا وتعمق كثيرا في النظر الى النقاط التي يتناولها او يجعلها مادة لمواضيعه.
فمثلا موضوعة البرجوازية الوضيعة التي هي ليست من اختراع السيد النمري ولا من مبتكراته، لكنه قد استخدمها بابتذال واسع حتى شمل بها جميع من يمشي او يزحف على الارض او يطير بجناحين، لم يكن استخدام النمري لمصطلح البرجوازية الوضيعة موفقا، اذ خلا من اي مدلول سياسي او اقتصادي او اجتماعي، لقد اقتصر على المدلول الشتائمي التحقيري اللفظي. وكما يبدو ان السيد النمري استخدم المصطلح دون تمييز، حتى بدا وكان البرجوازية برمتها هي برجوازية وضعية، بل انه يتجاوز ذلك بكثير من الجراة ويعلن ان البرجوازية الوضيعة هي التي سيطرت على مقاليد السلطة في الاتحاد السوفيتي بعد وفاة ستالين.
Bourgeois servile
او البرجوازية الوضيعة ليست ابتكارا ماركسيا ولا لينينيا، انما هي تعبير فرنسي يشير الى العمل الخدمي الذي اختصت به شريحة من سكان المدن بينما ترفع عنه المنتمين الى الطبقات الاجتماعية الاخرى، لقد اعتبروا هذه الاعمال غير لائقة ومعيبة لهم ومحلا للازدراء والاحتقار، حتى المجتمعات الشرقية تحتقر هذه المهن، اذ انها تتعارض مع قيم وكرامة العشيرة والقبيلة، مثل عمل النزاحين والزبالين والكناسين والمنظفين وماسحي الاحذية وغسالي الصحون والخدم وغيرهم، هذه الاعمال تهبط بالوعي الى الحضيض وتمسح قيم الكرامة وتنهي الاعتزاز بالنفس عند الانسان.
بعد موجات اللجوء والهجرة من دول العالم الثالث الى الغرب، اصبح هذا النوع من الاعمال الخدمية يكاد ان يكون مقتصرا على العمال الاجانب في حين استنكف السكان الاصليون عن مزاولة اي نوع منه، وان وجد بعض المواطنين من غير الاجانب يمتهنون هذه المهن الوضيعة، فهم غالبا ما يكونون مرضى لعلل نفسية او من الجهلة غير المتعلمين.
البرجوازية الوضيعة وحثالة البروليتاريا
البرجوازية الوضيعة تختلف عن حثالة البروليتاريا، فالحثالة هي مجاميع العاهرات والقوادين واللصوص والنشالين والبلطجية والشقاوات وابناء الشوارع والمدمنين والمتسولين, هي موجودة في كل البلدان، المتطورة وغير المتطورة، هي حثالة لانها تقبع في درك المجتمع الاسفل دون ان يكون هناك املا للتسلق اوالصعود درجة اعلى في السلم الاجتماعي، كما انها تخلو من اي نظام اخلاقي او قيمي، هي ما يمكن تسميته بـ اخلاق سز وادب سز( سز تعني بالتركية انعدام)
صفة البرولتاريا الملحقة بهذه الحثالة ذلك انها مثل البرولتاريا لا تملك شيئا، لكنها بدلا من ان تبيع قوة عملها كما يفعل العامل، تبيع جسدها واخلاقها ولا تتورع عن ارتكاب الجرائم وما يشين من اجل حفنة من النقود كما شهدنا ذلك في مصر وتونس.
ومع ان البرجوازية الوضيعة وحثالة البروليتاريا مختلفتان من حيث التعريف الاجتماعي، لكنهما مشتركتان في صفة واحدة، هي ان كلتيهما، الوضيعة والحثالة، ليس لهما ميزات ثورية ولا صفات اخلاقية تؤهلهما لمؤازة الثورة الاجتماعية، بل على العكس، قد تشكلان خطرا على اي ثورة ويكونان قيودا تعيق التقدم.
البرجوازية الوضيعة والبرجوازية الصغيرة
البرجوازية الوضيعة هي ليست البرجوازية الصغيرة كما يتصور النمري في خلطه المتواصل للمفاهيم، البرجوازية الصغيرة طبقة ثورية بطبيعتها، اذ ان اغلب الثورات والانتفاضات في البلدان العربية هي ثورات وانتفاضات البرجوازية الصغيرة. كما ان عملها لا يستوجب الازدراء، بل على العكس، فاغلب الاعمال الابداعية الادبية والفنية والعلمية مرتبط بهذه الطبقة التي لا غنى عنها اطلاقا في اي مجتمع طبقي، صفة الصغرلا تدل على تقليل من الشان، انما تدل على موقعها الاقتصادي والاجتماعي مقارنة بالبرجوازية الكبيرة التي تتملك وتحتكر وسائل الانتاج. وعلى الرغم من ان شرائح من البرجوازية الصغيرة تمتلك بعض وسائل الانتاج ايضا، الا ان المالك غالبا ما يعمل جنبا الى جنب مع العمال الذين يشغلهم، كما ان الانتاج لا يكون فائضا بحيث يمكن له تغطية كل احتياجات الطلب، انما انتاج بكميات محدودة، وغالبا ما يكون مناطقيا وليس شاملا، ومثل ما توقع ماركس، لم يستطع الانتاج البرجوازي الصغير الصمود امام المنافسة الشرسة للشركات العملاقة، فاجبر على تصفية الكثير من اعماله، كما ان الحكومات قد ادركت ان دعمها المالي لهذه المشاريع لم يعد يجدي نفعا، فقللت من دعمها للمشاريع الصغيرة الى الحدود الدنيا وفسحت المجال للشركات الاجنبية ان تغزوا الاسواق ببضائعها وفق سياسة اطلق عليها سياسة الباب المفتوح.
المنافسة الرأسمالية قد تجاوزت حدود الوطن الواحد ودخلت بدون تأشيرة الى كل البلدان مما سبب افلاس الكثير من مشاريع البرجوازية الوطنية التي لا تقوى على المنافسة، اكان على صعيد الجودة والمتانة او على صعيد الاسعار او على صعيد التكنلوجيا الكبيرة. فلم يبق من المحلات الصغيرة التي يطلق عليها
Corner shop
او بالالمانية
Tanta Emma laden
او دكان الخالة ايما، الا ما ندر، لقد اغلقت ابوابها وفقدت شعبيتها وانتشرت سلسلة السوبرماركت بدلها. لكن بالطبع هناك بعض المحلات الصغيرة او المتوسطة المملوكة للاجانب لتوفير بعض السلع الخاصة للمواطنين الاجانب، مثل المحلات الهندية والصينية والتايلندية والتركية والعربية والفارسية وغيرها حيث لا توجد منافسة لها من قبل المحلات العملاقة بسبب التخصص.
هنا ينبغي الاشارة الى ان مصطلح البرجوازية لا يوجد له مرادف في اللغة العربية، فهو مصطلح دخيل على المجتمعات الشرقية معنى واخلاقا وسلوكا، لكنه، اي المصطلح، عرف طريقه الى التداول اللفظي من خلال شيوع الادبيات الماركسية دون ان يكون له واقعا اجتماعيا تاريخيا. فالشعوب العربية والاسلامية تطورت من العشيرة والقبيلة والطائفة وليس من المدن المسورة التي اشتقت كلمة برجوازية منها والتي فرضت نظاما اخلاقيا وسلوكيا خاص.
المجتمعات الشرقية، العربية والاسلامية لا تزال مرتبطة بالتشكيلات الاجتماعية التاريخية، العشيرة والقبيلة والطائفة، تستهلك اخلاقها وقيمها التي تتعارض مع اسلوب الحياة العصري فتسبب الازمات الاجتماعية والاخلاقية.