اليسارُ والطائفيةُ (2-2)


عبدالله خليفة
2013 / 1 / 23 - 07:29     

كان دخولُ القوى التحديثية في الطائفية السياسية نتاجَ تحللٍ طويل للمفاهيم التي لم تعدْ قادرةً على فهم التحولات في الأنظمة المختلفة في المنطقة وفي الشرق عامة.
كان وهمُ الاشتراكية ووهمُ مقاومة الاستكبار وصدأ أدوات التحليل للماركسية الشمولية الشرقية وأدلجة ولاية الفقيه بشكلٍ فاشي كلها تتلاقى في اضطرابٍ فكري سياسي.
كان تغيير البحرين ديمقراطياً يتطلب تحويل رأسمالية الدولة الشمولية لرأسمالية حرة، أي قدرة البرلمان المنتخب على جعل القطاع العام شعبياً ديمقراطياً، والقيام بسلسلةٍ من الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
لكن هذا يتعارض مع هيمنة رأسماليات الدول في المنطقة حيث هي النمطُ السائد سواء في السعودية وإيران والعراق أو غيرها.
الدخول في الرأسمالية الحرة يتطلبُ سنوات طويلة في مجموع هذه الدول وفي المنطقة عامة، وبطبيعة الحال فإن هذا التصور لا يخطرُ على بالِ الجماعات السياسية البحرينية وخاصة العائشة على أفكار اليسار القديم.
إن هذا الانتقال للرأسمالية الحرة، هو عملياتٌ تاريخية اجتماعية سياسية معقدة، تكشف تفاوت التطور العالمي بين شرقنا والغرب، وفي منطقتنا فإن الانتقالَ لذلك يتطلب تضافر عمليات التحول الاقتصادية السياسية في هذه البلدان معاً أو بشكلٍ متضافر متقارب، وهي بلدانٌ تأخر فيها هذا التطور، وتعيشُ أوضاعاً شبه بدوية وقروية.
لهذا فإن العمليات السياسية الديمقراطية تحتاج للتدرج والمواكبة بين هذه البلدان، والقفزات المغامرة أو التصميمات الشكلية المفروضة من الخارج لا تؤدي سوى لعرقلة التطور الديمقراطي الحقيقي.
والبحرين تعيشُ في مواجهة مع جار شرس يستغل بعض القوى الأهلية لخلق مسار موال له، ومن هنا يغدو التطور التدريجي فيها مهماً، مع العمل للدفاع عن مختلف الطبقات الشعبية وتطوير ظروفها وتحويل رأسمالية الدولة لرأسماليةٍ وطنية ديمقراطية. وتحولها لحرةٍ يستلزمُ تحولات أكثر تطوراً في الحياة السياسية والاجتماعية على الصعيدين الداخلي والمناطقي.
ولهذا فإن هذا المسارَ المفترض الموضوعي المستند لخبرة التطور العالمية، لا يمكن أن يُفهم من قبل قوى تكلستْ فكرياً، فتغدو لها المغامرة وإعادة إنتاج النموذج الإيراني أو السوفيتي أو الصيني أو العراقي هو الطريق الصائب.
نماذجُ رأسمالياتِ الدول الإيرانية والسوفيتية والصينية والعراقية، تعطينا الآن هيمنة نموذجَ ولاية الفقيه السائد المسيطر وذيوله من التنظيمات الأخرى ذات التجارب اليسارية والقومية السابقة التي تسايره وترفض نقده وتجاوزه.
تماهتْ هنا لدى هذه المجموعات الفوارقُ بعد التحلل الفكري الطويل، وتوحدت في هيمنةِ الشمولية الكبيرة الطائفية ذات الجمهور الريفي الذي يريد فرض نموذجه السياسي.
فقدت الرأسماليات الحكومية العسكرية السابقة الذكر تبايناتها الكبيرة وغدت نسخة متشابهة حيث القوى تتحد في عمليات مضادة للديمقراطية والعلمانية ويجري الصراع حول الطوائف.
ولهذا فإن الجماعات المنشقة عن هذه الهيمنات المختلفة من الطائفة السنية في البحرين، استشعرت الخطرَ من هذه المغامرة على النظام العام وعلى مكانة طائفتها، ولما لم يكن ثمة حوارات ديمقراطية وقراءات طويلة مسبقة للواقع وللتاريخ الفكري لهذه الجماعات ومرجعياتها، وهيمنة طرف على آخر، فالأسهل هو الانشقاق والتفتيت.
بطبيعة الحال فإن الجماعة المحورية المخططة للمغامرة استغلتْ الغبشَ السياسي في المنطقة وخلطت الأوراق، ولكن هذه الأعمال كلها أضعفت قوى الحداثة والديمقراطية عامة.
الفئات المنشقة ساهمت في إضعاف قوى التحديث ولم تصبر لتغيير البُنى السياسية من الداخل، فتحولت هي الأخرى لكيانات طائفية سياسية منشقة، وكانت تعيش نفس التصورات الشمولية ولم تساهم في التحويل الديمقراطي.
ومن دون تعاون القوى الوسطى والعمال الديمقراطية الوطنية يصعب تجاوز مأزق الانشقاق الطائفي ولكن هذا يتطلب نقدها وتجاوزها للشعارات والتنظيمات الطائفية وتعاونها معاً من أجل حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للجمهور، وتغيير طريقة عيشه ومطالبه في تغيير الأجور والبحرنة ومراقبة المال العام وغيرها من قضايا محورية.