تكوينُ برجوازيةٍ هجينة


عبدالله خليفة
2013 / 1 / 18 - 08:08     

الحالمون بالإخاء والحرية والمساواة، وهي شعاراتُ الثورةِ الفرنسية المنقولة للثورات العربية، يعيشون في الوهم الاجتماعي.
لم تحقق الثورةُ الفرنسية ذلك إلا في نظام رأسمالي يقدم مساواةً قانونية فقط.
في عالم تشكل منذ القرن السادس عشر الميلادي غربياً فعالمياً يجري تكوين الطبقات الرأسمالية الحاكمة حسب طبيعة النظم وتطوراتها.
الإدارةُ العليا: المؤسساتُ السياسيةُ والبرلمانية والاقتصادية والثقافية للطبقاتِ التي تملك.
العمل في المصانع والخدمات وإنتاج العلوم والثقافة هي للعاملين باليد والذهن.
ثنائيةٌ استمرتْ ملايين السنين ولا تتغير بشعارات ودخان سياسي وديني مرحلي.
ولهذا فإنه يجري في كلِ ثورةٍ خلط الأوراق وصنع الأحلام بالمساواة المطلقة واختفاء مواقع من يملكون ومن يعلمون.
ليست الثورةُ الفرنسية في هذا استثناءً. والثورةُ الروسية بلغتْ من هذه المساواة والأحلام الخيالية حداً هائلاً لم يسبق إليه أحد.
لكن حقائقَ الحياة الاقتصادية والاجتماعية هي غير ذلك، وتطرح القوى الصاعدةُ هذه الأحلامَ لحاجتِها لمن يعملون ولتضحياتِهم في الميادين والشوارع وفي المعامل، ثم حين تستوي أوضاع السلطات يكون الكلامُ شيئاً آخر.
الطبقاتُ المالكة ونصفُ الغنية والفئاتُ الطموحة التي تأمل عبر التغييرات السياسية الوصول للسلطات ولمواقع متقدمة في صنع القرار وإعادة تشكيل المؤسسات الاقتصادية لصالحها تصلُ بالشعارات إلى مدى هائل وتجعل القوى العاملة تتصور أن العالم وصل إلى القيامة وتكوين الجنان على الأرض، وكلها من أجل أن تضحي هذه القوى العاملة، وتُدخلُ في رؤوسِها مفاهيمَ ضبابيةً مثل أن كل البشر متساوون، وأن الثروة للجميع، وأن الثورة الراهنة ستحل كافة المشكلات.
لكن النظر الموضوعي يقول إن هذه أوهام، وان كل ثورة هي صراع بين المالكين، وان على الطبقات العاملة المنتجة أن تكون حذرة، وان تجعل تضحياتها وأنشطتها لتطوير أحوالها، وأن ترى الواقع الحقيقي للصراعات السياسية.
فما يجري في الثورات العربية هو صراعٌ بين أشكال من الرأسماليات داخلية وخارجية.
الرأسمالياتُ الحاكمة العامة في مواجهةِ رأسمالياتٍ خاصة، وأجنحةٌ من الرأسماليات العامة تتصارع مع بعضها بعضا ومع قوى رأسمالية ريفية محافظة تريدُ تغييرَ الخريطة الاقتصادية المدنية لصالحها بشكل كبير وربما كلي.
الصراعُ الوهمي يجري في دوائر الأفكار والأيديولوجيات، بالقول إن هؤلاء إسلاميون وأولئك علمانيون، وأن المعركةَ هي من أجل الفضيلة والخير والحق، وأن العلمانيين يريدون تخريبَ الدين، وهؤلاء يردون بأن الإسلاميين متخلفون رجعيون يهدمون الدولةَ العصرية.
فعلينا بالفرز والتحليل، فهؤلاء الدينيون القرويون يهجمون من أجل توسيعِ أملاكِهم والسيطرة على الشركات العامة مستخدمين جمهورهم الريفي والمتدينين في المدن، وأولئك التحديثيون المدنيون يصدونهم سواء كانوا أكثر تطرفاً أي أعضاء الأحزاب (الاشتراكية) المنهارة البيروقراطية، أم المتعاونين معهم من موظفين وأرباب عملٍ دخلوا معهم في أعمال مشتركة، أو أناسا مناضلين يدافعون عن القطاع العام والمبادئ التحديثية وعدم استغلال الدين في الصراع على الثروة الوطنية.
القوى المالكة والقريبة من الغنى سوف تتقارب بعد ذلك، والشعاراتُ المتألقةُ عن الدين والمبادئ الخالدة سوف تتبدل، وأصحابُ المصالحِ من هذه الفئات المختلفة المتصادمة على الدرب السريع لتكوين الرأسمالية الوطنية الجديدة، ستبعدُ الضحايا والمشاركين من الطبقات العاملة، وستدخلُ في صفقاتِ الطبقة الجديدة التي ستغدو قدمٌ لها في القرية وقدمٌ لها في المدينة، قدمٌ في التراث وقدم في الحداثة، وقدمٌ في المُلكية العامة وقدم في المُلكية الخاصة، وقدم في الدستور وقدم في السيطرة الشمولية.
فيما الطبقاتُ العاملة التي حطمَ بعضُها الأملاكَ العامة وأدى توقفه عن العمل ومشاركته في المظاهرات المليونية لضعف الاقتصاد، ستدفعُ كلُها خسائرَ المرحلة الجديدة من ارتفاعِ الأسعار وهبوط قيمة النقد الوطني والقيمِ المادية لتكون فئتين مختلفتين للطبقة الجديدة هما الدينية والتحديثية، المشاركتين في الأجهزة والوزارات وإدارة المؤسسات الاقتصادية، سواءً في حكومة مشتركة أم في حكومات مختلفة متصارعة بحسب الانتخابات والرؤى البرامجية.
لكن التاريخَ الاجتماعي هو نفسهُ فرزٌ مستمرٌ بين من يملكون ومن يعلمون. بين من يصعدون ويتحدثون ومن يضحون ويدفعون الضرائب السياسية.