سلطة المساومة الطائفية وازمة العراق الوطنية


لطفي حاتم
2013 / 1 / 15 - 21:40     

منذ الاحتلال الامريكي والعراق يعيش تطورات سياسية واجتماعية كثيرة منها ما متعلق ببناء شكل الدولة العراقية التي انتقلت من شكلها المركزي الى الشكل الفدرالي ومنها تغيير بنيتها السياسية التي انتقلت من الشكل الدكتاتوري الى الشكل البرلماني الديمقراطي ومنها تغيرات في تشكيلتها تمثلت بنهوض شرائح اجتماعية جديدة وازاحة قوى طبقية ساندة للنظام الاستبدادي البائد .
ان التوصيف المتفائل لتغيرات الدولة العراقية يواجه اشكالية كبيرة مضمونها يتلخص بـ : هل ساعدت التبدلات الحاصلة في منظومة العراق السياسية على نقل البلاد من الشرعية الانتخابية الى الشرعية الديمقراطية المتلازمة وتبادل السلطة السياسية ؟ .
الاجابة على تلك الاشكالية تشترط فحص كثرة من المتغيرات السياسية والاجتماعية وبهذا السياق نتوقف عند قضايا هامة اولها الديمقراطية السياسية والشرعية الانتخابية. وثانيها أطراف المساومة الطائفية والقوى الاجتماعية الناهضة وأخرها ازمة العراق الوطنية وافاق تطورها.
أولا : ـ الديمقراطية السياسية والشرعية الانتخابية
بات معروفا ان النظام الاستبدادي في العراق انتج نظاما سياسيا بوليساً اعاق بناء منظومة سياسية وطنية تعتمد الديمقراطية والمنافسة الحزبية الأمر الذي حول تشكيلة العراق الاجتماعية ومنظماتها المدنية الى ملحق لسياسته اللاوطنية المتلحفة بشعارات قومية .
ــ العقلية المغامرة للاحتلال الامريكي ادت الى تدمير مؤسسات الدولة العراقية وتفكيك تشكيلتها الوطنية وما احدثه ذلك من تراجع المجتمع السياسي ونهوض مؤسسات المجتمع الاهلي الامر الذي أضفى روحاً طائفية / قومية على بناء سلطة الدولة ومؤسساتها السيادية.
ـــ التوافق السياسي بين التيارات المتنفذة في العملية السياسية ادى الى اعتماد دستور للبلاد كرس توزعا طائفيا قوميا اصبح بمرور الوقت عرفا دستوريا سائدا لتوزيع المراكز السيادية في الدولة العراقية .
ـــ الشكل الفدرالي للدولة العراقية وعمومية النصوص القانونية الناظمة للعلاقة بين المركز والاقليم أدى الى اشكالات سياسية واقتصادية بين طرفي البناء الفدرالي هذا اذا اضفنا التطلعات القومية للاقليم ونسج علاقاته السياسية والاقتصادية مع الدول الاخرى بعيدا عن التشاور مع السلطات المركزية .
ــ ادى اعتماد الدستور المثقل بنصوصه القانونية الملتبسة الى اطلاق شرعية انتخابية تعتمد قوتها التصويتية على آايات الضبط الطائفي والقومي لأطراف نافذة في العملية السياسية .
ــ افرزت العملية الانتخابية توافقا طائفيا قوميا انعكس على بناء سلطات الدولة الرئيسية وما نتج عن ذلك من تعطيل بناء مؤسسات الدولة بروح وطنية وديمقراطية .
خلاصة القول ان النزاعات السياسية المتلحفة باردية طائفية قومية ساهمت في ادامة حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي ربما تهدد وحدة العراق السياسية والاجتماعية .
ثانيا : ـ المساومة الطائفية والشرائح الطبقية الناهضة
ـ ان استعراضنا لموضوعات ازمة العراق الوطنية تكتمل عند تعرضنا الى طبيعة الشرائح الاجتماعية الساندة للقوى السياسية المتنفذة في العملية السياسية والتي يمكن رصدها بالمحددات الآتية : ـ
ـــ انتج الاحتلال الامريكي للعراق حراكا اجتماعيا تمثل بانهيار القاعدة الاجتماعية الساندة للنظام الاستبدادي وظهور فئات طبقية جديدة منتفعة من السلطة والثروة الوطنية .
ــ تحاول القوى الاجتماعية الناهضة بناء قوتها الطبقية انطلاقا من غياب الرقابة الوطنية واستشراء حالة الفساد التي تعيشها الدولة الوطنية ، فضلا عن تلاحمها الطائفي / القومي مع الاحزاب السياسية المتسيدة في سلطات الدولة الاساسية .
ــ عمدت الشرائح الطبقية الجديدة وبسبب روحها الطائفية / القومية الى بناء علاقات تجارية مع دول الجوار المذهبية وبهذا المعنى فقد تغلفت المصالح الطبقية العراقية الناهضة باطر مذهبية اقليمية حيث شكلت دول الجوار امتدادا سياسيا اقتصاديا ساندا لتلك القوى في نزاعاتها الوطنية .
ــ ادت هامشية الانشطة الاقتصادية ــ تجارية ـ مالية ـ والروح الطائفية القومية لدى القوى الاجتماعية الناهضة الى غياب الروح الوطنية والعقل السياسي الناظم لصيانة ثروات العراق الوطنية .
ان الاشارة الى التحولات الطبقية في تشكيلة العراق الاجتماعية المستندة الى تلاحم السلطة والفساد المستشري رافقتها حزمة من القضايا الفكرية والسياسية نتعرض الى بعضها : ــ
ــ نشوء اصطفافات سياسية جديدة بين فصائل القوى السياسية المتنازعة على الساحة العراقية وبهذا المعنى يمكن مشاهدة تحالفات طائفية / قومية متحركة تحاول الحصول على مواقع قيادية في سلطة الدولة السياسية .
ـــ تستند التحالفات الطائفية /القومية الى قواعد اجتماعية عشائرية / طبقية وفصائل مسلحة علنية / سرية هذا اذا اضفنا تمتع الاقليم بقوة عسكرية نظامية وفصائل مسلحة قادرة على خوض مواجهة عسكرية مع المركز عند نشوء نزاعات وطنية .
ـــ شكل الطاقم القيادي لمؤسسات النظام السابق ورموزه الاساسية معارضة عسكرية وسياسية تتحرك وفقا لتطور حياة العراق السياسية وبهذا المسار يمكن التأكيد على تحالف رموز النظام السابق مع السلفية الجهادية استناداً الى تحول القاعدة الاجتماعية للنظام السابق من الفكر القومي الى الفكر الطائفي.
ـــ تستند القوى السياسية المتنازعة في الدولة العراقية الى عقلية اقصائية غير تشاركية فضلا عن روحها الانقلابية الهادفة الى استلام السلطة السياسية بهدف احتكارها .
ثالثا :ـ ازمة العراق الوطنية وافاق تطورها
بداية يمكن القول ان التوافق السياسي الذي اعقب الانتخابات البرلمانية لم يساهم في استقرار حياة العراق السياسية والاجتماعية وذلك لوجود كثرة من الاهداف الاستراتيجية المتعارضة لدى اطراف العملية السياسية وما نتج عنها من تعطيل اصدار القوانين الضرورية الضامنة لمعافاة الحياة السياسية /الاقتصادية /الاجتماعية لمواطني الدولة العراقية .
ان عدم فعالية المساومة الطائفية والقومية والشلل المتواصل في نشاط مؤسسات الدولة الاساسية الرئاسة ،البرلمان والحكومة ساهم في خلق الكثير من المظاهر السلبية في حياة البلاد السياسية منها : ـ
ــ انعدام الامن وتواصل العمليات الارهابية التكفيرية وما نتج عنها من ضحايا بشرية وخسائر مادية.
ـــ تحول بعض اطراف المحاصصة الطائفية الى اطراف سياسية معارضة رغم مشاركتها في ادارة السلطة السياسية وما نتج عن ذلك من ضعف السلطة التشريعية وعدم تمكنها من انجاز القوانين الوطنية الضامنة لمعافاة الدولة العراقية .
ـــ مطالبة بعض اطراف العملية السياسية الى انهاء ملفات وطنية / قومية شائكة لا يستطيع العقل السياسي النافذ حلها بعقلية ضامنة لمصالح العراق الوطنية / القومية .
ـــ العجز في ادارة شؤون الدولة العراقية ادى الى سيادة الروح الفردية لدى رئاسة الحكومة المركزية ومحاولة ايجاد حلول غير توافقية لملفات وطنية خلافية .
ـــ ان التعطيل المستمر لعمل حكومة المساومة الطائفية وعدم متابعة مصالح الناس الاساسية افضت الى مطالبة المواطن العراقي المستقل الى المطالبة بتلبية حقوقه السياسية والمعيشية المشروعة معلنا بذلك فشل حكومة المساومة الطائفية والقومية في ادارة شؤون البلاد السياسية .
ان توصيفنا للاوضاع السائدة يطرح حزمة من التساؤلات الساخنة منها هل ان البلد مقبل على صراعات طائفية / قومية ؟ ومنها هل تؤشر النزاعات المحتدمة الى انتهاء حقبة المساومة الطائفية / القومية وما يعنيه ذلك من ضرورة البحث عن منظومة سياسية جديدة لحكم البلاد ؟ ومنها هل ان العقل السياسي المتنفذ في ادارة السلطة السياسية قادر على صياغة رؤية وطنية للخروج من ازمته المستعصية .
لغرض التوصل الى بعض الاجابات المعللة فكريا وسياسيا لابد لنا من تحديد بعض الاشكالات الوطنية / الاقليمية المتحكمة في العقل السياسي العراقي السائد والمتمثلة في : ـ
أولا : ـــ اشكالات وطنية تتركز حول ( أ ) البقاء على دولة المساومة الطائفية / القومية او التحول نحو بناء دولة وطنية ديمقراطية . ( ب ) اعتماد فدرالية المحافظات اللامركزية او الشكل الفدرالي القومي في اطار وحدة العراق السياسية . ( ج) عتماد القوة التصويتية الطائفية القومية في تشكيل السلطة السياسية او قوة البرامج السياسية والقومية .
ثانيا : ـــ إشكالات إقليمية نابعة من التحالفات الاقليمية السياسية الراهنة التي تغطت بشعارات طائفية وما تشترطه من اصطفافات طائفية في التشكيلات الاجتماعية الوطنية.
ثالثاً : إشكالات دولية ناتجة عن تداخل المصالح الاقليمية / الوطنية مع المصالح الدولية أضفت على النزاعات الوطنية طابعا دوليا / اقليمياً وما نتج عن ذلك من تحجيم قدرة العقل السياسي الحاكم على انتاج رؤية وطنية مستمدة من روح الشراكة السياسية .
ان عبور الازمة السياسية لاطراف المساومة الطائفية / القومية نحو مصالح العراق الوطنية وعدم تعريض الدولة العراقية وشعبها الى مزيد من الخراب والدمار يمر حسب ما يراه الكثيرون عبر الرؤى التالية : ـ
ــ انهاءعملية المساومة الطائفية / القومية الحالية المتمثلة بالمشاركة في الحكم والمعارضة من داخله .
ــ نبذ الروح الانقلابية والمعارضة العسكرية واعادة بناء العقل السياسي على قاعدة المشاركة الديمقراطية في الحياة السياسية .
ــ أهمية البحث عن اسس جديدة للتوافق الوطني ترتكز على الفكر العلماني الديمقراطي المتمثل بالنشاط السلمي للاحزاب والحركات الاجتماعية عبر برامج وطنية اجتماعية سياسية .
ـــ تحديد أسس البناء الفدرالي للدولة العراقية بشكل يحدد صلاحيات الدولة المركزية والاقليم وعدم وضع التطلعات القومية شرطا مرحليا لاعاقة البناء الفدرالي للدولة العراقية .
ــ بناء الدولة العراقية وسلطتها السياسية على اساس المواطنة العراقية وعدم تجيير نتائج الشرعية الانتخابية لصالح مكونات طائفية محددة .