عظمة الرأسمالية: نقض مفهوم العولمة


عذري مازغ
2013 / 1 / 7 - 01:31     

في الكتابات الحداثية الجديدة ومنها العربية بالتحديد، يمكن تعريف العولمة من خلال وضع علامة تعجب كبيرة، لياتي بعد ذلك دور الثرثرة الحداثية، ويمكن بعد ذلك أن تكون العولمة هي كل شيء وتكون في الوقت ذاته لاشيء، اي أن تكون ببساطة كبيرة إديولوجية فكر الحداثة الجديدة، أي انها شكل جديد من الهيمنة العالمية الجديدة، إلا أن هذا الشكل الجديد في الخطاب اللبرالي الجديد، في إيديولوجية الحداثة الجديدة، يأخذ شكل مختلفا عما هي تمثله العولمة، فهي بحق توحي بعلاقات دولية جديدة، تخترق الحدود القومية، تخترق خرافة الجماريك، تدافع عن حقوق الإنسان، تدين الديكتاتوريات، تفعل اي شيء يجعلها حرة نزيهة نزاهة الأعراس في الديموقراطيات الغربية. فهي إذا تعولم الديموقراطية، تعولم منظومتها الحقوقية، تعولم تقاليد واعراف حكمها، تتصدى لكل عائق في سبيل أن يصبح العالم حرا، أن تصبح العلاقات الدولية متحررة من نزعتها القومية والوطنية، أن يصبح لهذه العلاقات شكل جديد يتلاءم مع سيرورة التطور الرأسمالي، هذا بالتحديد هو الوجه الإيديولوجي للعولمة الذي فيه يمكن للمرإ أن يثرثر ما شاء من القيم في العدالة والحرية والديموقراطية، أن يصبح إنسانا خلاقا، أن يصبح إنسانا حالما بكل ما ينقصه، أن يصبح عالميا. لكن يبقى الأمر الحقيقي مثارا للجدل، لماذا هذه القيم الجميلة أصبح لها فجأة هذه الضرورة القصوى في أن تكون عالمية بعد أن كانت مفخرة قومية، ثم قطبية؟
ببساطة لأن نظام الدولة القومية والوطنية حيث سادت هذه القيم الرأسمالية قد استلهم كل مايجعله مهيمنا، لقد هيمن بالمطلق في الحدود القومية بشكل تضخم حجمه، أصبح غير مطاق في حدوده القومية، في الوطن الواحد بشكل احتاج، لتجديد دمائه، أن يكون قطبيا، أن تكون له قواسم مشتركة تجمعه مع غيره في الوطن القطبي، إنه الذكاء الفطري للهيمنة، عوض الإقتتال حول مناطق النفوذ يجب الإلتحام حولها: نوع جديد من الإشتراكية الفوقية، تقاسم المهام، تقاسم المصالح، تقاسم الأرباح، تحالفات في آخر المطاف، الم تكن روسا لوكسامبورغ الشهيدة، المسكينة على أية حال، صادقة في إلمامها القوي حول نوع خاص من الإشتراكية؟ أقصد الإشتراكية الرأسمالية، الشكل التاريخي لظهور ما نسميه حاليا بالشركات المتعددة الجنسية، هذه الجينة أو (الجنية باللغة المغربية)، ألم تكن اللبنة الأساسية لظهور فكر الحداثة الجديد: العولمة بخط عريض. يمكن لي الآن بألق ناصع أن أدلو بدلوي: العولمة هي عولمة الهيمنة، وبشكل تحفظي لا يضر ولا يؤلم أحدا تماما كما تبتغيه إيديولوجية الحداثة، هي عولمة الرأسمال: الإمبريالية؟ لا، الشكل الآخر منها: عولمة الشركات المتعددة الجنسية.
تعني العولمة ببساطة قحة: الشركات المتعددة الجنسية ويمكن إضافة جملة مفيدة جدا، تعني هيمنة هذه الشركات، وبما أنها تتوحد في الشراكة، بمعنى لها طابع اشتراكي فوقي، شراكة رأسماليين فهي تعني في العولمة عولمة هيمنتها وهذا طبعا وجهها التاريخي المتميز، بمعنى أنها تشكل وجها من تطور الإمبريالية. وبخلاصة، العولمة هي الإمبريالية في شكل تميزها التاريخي الذي هو انتفاء الطابع القومي والقطبي للرأسمال.
لا شك أن المرأ سيلاحظ في الطابع الإشتراكي، التشاركي بلغة توهيمية رائعة، للشركات الرأسمالية انها لا تخضع لديكتاتورية الطبقة العاملة، لكنها مع ذلك هي تخضع لديكتاتورية خاصة أو بالأحرى تخضع لنظام ديموقراطي مبني على نسبية الأسهم في شركة عالميةمعينة، وهذا الأمر يوحي بعملية حسابية بسيطة أن مواطنا في الصومال او مالي، بفاقة الإرادة الحرة، يمكنه أن يكون مساهما لو توفر له حظ التفوق على جوعه. يمكن مع هذا الميل الحقيقي في الإرادة الحرة، مع تحقق الظروف الملائمة، أن يكون برجوازي من العالم الثالث، رأسماليا بامتياز بالإنتماء فقط لشركة متعددة الجنسيات ويمكنه أيضا أن يكون مواطنا عالميا حرا.
ومع ذلك لا يجب أن نغفل الجانب الإيديولوجي في العملية، أي هذا الجانب الذي يظهر لنا بأن الأمور متاحة للغاية، من حيث هي تنبذ الطابع القومي للدولة، تتخطى الحدود لتكون حدودا رقمية نسبية في عملية التشارك حيث الحرية سلعة ثمينة جدا، حيث القدرة في التحرك ليست متاحة كما استنشاق الهواء، بل هي القدرة على التعايش في المستويات حيث الأرقام القيمية هي من يحددها، إذ لا يمكن لمواطن إفريقي مهما كان مستواه الإجتماعي مثلا، أن يعيش في دولة القطب غير القومي كالولايات المتحدة مثلا بنفس درجة عيشه في بلاده القومي، وطبعا يمكن أن نلامس بعض الحدود الإستثنائية في الكرم، يمكن لعجوز يهش في برميل بترول أن يستضيف اميرة متعطشة للجنس، شيء من البلية، شيء من الترف، شيء من القيم الجديدة، أقصد شيء من العولمة، وحين يتحقق للمرأ شيء من مثل هذا الترف، يبدوا دليلا فوق العادة: لقد تحققت العولمة. في "حياة رجنسي"، فندق الفخامة بالرباط، حقق رفيق لي من الطبقة العاملة مبتغاه في الإرادة الحرة، مارس الجنس مع مومس بمحض إرادته بسرير من أسرة "حياة ريجنسي" كلفه شهرا من عمله، وكان يكفيه فخرا أن يدلي لنا بكل قوته الجبارة، بكل قوة إرادته الحرة، أن يعلن أنه فعل شيئا مختلفا، نام ليلة في "حياة ريجنسي"، عاش إنسانا عالميا ليلة من حياته، وطبعا يمكنه بألق كبير أن يعلن بمحض إرادته الحرة أيضا: فليأتي الطوفان من بعدي. لقد كان صديقي هذا إنسانا فوق العادة: حقق إرادته.
هل العولمة تحقق فعلا الشخصية العالمية لجميع البشر؟
لقد برهنت بما يدع شكا للجدل هذا الأمر، يمكن لعامل بسيط أن ينام ليلة بحياة ريجنسي دون اية مشاكل تعرقل إرادته الحرة، يمكن أيضا لعامل بسيط إذا توفرت لديه الإرادة الحرة ان يكون مساهما في شركة عالمية، أن يصوم أشهرا لتحقيق إرادته، وهذه حوافز جيدة تتيحها العولمة، لكن لا يمكن أن نميز العولمة على أنها ليست هيمنة كما هي الإمبريالية. يمكن تمييز شكل هيمنتها وهذا ما اريد تحقيقه، إن نمط جديد يمكن تحديده أنه مخالف للهيمنة بأشكالها التاريخية المتعددة هو شيء آخر غير الهيمنة، والعولمة بكل هذا الجهد الفكري الحداثي الذي راكمته في أن تعني شيئا آخر مخالف للهيمنة، هو جهد باطل رغم الطاقة المستنفذة في تحقيقه، إن العولمة بكل تداعياتها على مستوى الحريات الفردية، على مستوى الحقوق الوضعية، على مستوى الحوافز الإقتصادية، هي ببساطة، في شكل آلياتها المحددة، ليست سوى هذا الشكل المتجدد من تمدد الرأسمال، هي هذا الشكل من اختراق الحدود القومية والقطبية، شكل عالمي آخر للهيمنة. ليست الشكل الإستعماري المباشر، ليست الإمبريالية في شكلها العسكري، لكنها هي الإمبريالية في شكلها الإقتصادي الذي في وجه منه لم تنتهي بعد مهمة حركة التحرر الوطني، كان لزاما أن تكون مهمة التحرر العالمي، كان لزاما لحركة التحرر الوطني كنقيض تاريخي للهيمنة الرأسمالية الكولونيالية في جزء منها، كنقيض تاريخي للرأسمالية الوطنية في البلدان الراسمالية نفسها، كان لزاما عليها أن تخوض معركة التحرر العالمي بالتوحيد. لقد لعبت أدوار الدولة الوطنية وبعدها الكيانات القطبية دورا اساسيا في تغييب الوعي الطبقي العالمي، لقد كان حدس ماركس عالميا حين أثار شعار: “ ياعمال العالم اتحدوا"في البيان الشيوعي، والحقيقة الموضوعية أنه لم يكن حدسا بقدر ما كان نتيجة موضوعية لتحليلاته في نقض الإقتصاد الرأسمالي التي سنتابعها في قراءة متأنية لموضوعاته في الأجزاء الأخيرة لكتاب الرأس مال، سأعود إلى ماركس هذه المرة لإثبات صرامته العلمية برغم أن الفكر الحداثي تجاوزها وهميا.
يتبع