فائض القيمة الخاص بحسقيل قوجمان


فؤاد النمري
2012 / 12 / 20 - 14:00     

فائض القيمة الخاص بحسقيل قوجمان

قبل أن أدلف إلى الموضوع أسأل الرفيق حسقيل قوجمان فيما إذا كان قد قرأ قصة جاك لندن " أن تشعل ناراً " (To Build A Fire) وكيف أن الرجل فقد حياته متجمداً لأن عود الكبريت الأخير لديه لم يشعل النار ليتقى الموت بالإنجماد. عود كبريت وقيمته السوقية لا شيء تقريباً كانت قيمته الاستعمالية أغلى بكثير من قيمة حياة رجل ـ أسوق هذه القصة كي أقول للرفيق قوجمان أن "الأخ فؤاد" يميز بقوة ىبين القيمة التبادلية للسلعة وقيمتها الاستعمالية حتى أنه لا يضعهما موضع المقارنة كما يفعل الرفيق قوجمان. ومع ذلك أتفق مع الرفيق قوجمان على أن "الأخ فؤاد لم يفهم الموضوع أو لم يشأ أن يفهمه " وهذا صحيح في الحالتين، وعلة ذلك هو أن فهم قوجمان لفائض القيمة فهم خاطئ ويستحق جائزة من الرأسماليين لو أنهم ما زالوا على قيد الحياة.

قوجمان يقول أن الرأسمالي يشتري من العامل الفيمة الاستعمالية لقوى العمل لديه بكامل قيمتها، واستعمال هذه القوى ينتج ما يفوق حاجة العامل لتجديد قوى العمل في جسمه والفرق هو فائض القيمة ـ أليس ذلك ما تقول يا رفيق ؟ لن أتوقف هنا عند الخطأ الفظيع في أوّليات علم الإقتصاد وهو التعامل مع القيمة الاستعمالية كما لو أنها قيمة رأسمالية أو تبادلية، وهذا أمر غريب وشاذ، كما لا أتوقف عند ما يمكّن الرأسماليين من الإدعاء بعدالة تعاملهم مع العمال كونهم يشترون القيمة الاستعمالية لقوى العمل بكامل قيمتها، وأن تطور قوى العمل، وهم سبب تطورها، هو ما يجزيهم فائض القيمة. وعليه ليس للعمال حق في مثل هذه القيمة الفائضة. لم أتوقف عند كل هذا بالرغم من فائق أهميته الحاسمة في الموضوع لكنني أكتفي بالتوقف عند القيمة الرأسمالية للسلعة.

الرفيق قوجمان أكد أنه .. " لا يمكن في السوق بيع او شراء اية سلعة باكثر من قيمتها اي ساعات العمل المختزنة فيها " . إذاً كيف يفسر قوجمان إدعاءه بأن الرأسمالي اشترى 8 ساعات عمل بقيمة (س) وباعها بقيمة (س+ص)؟ تفسيره في تجاوز مثل هذا التناقض الفظ هو أنه اشترى القيمة الاستعمالية وباعها بقيمتها التبادلية ـ وهكذا على عينك يا تاجر !! من الحقائق الأولية في علم الإقتصاد هي أن قيمة السلعة تساوي قيمة العمل اللازم لإنتاج ذات السلعة. ولما كانت قوى العمل سلعة كسائر السلع فإن قيمة 8 ساعات عمل هي بالضبط عمل 8 ساعات لا أكثر ولا أقل. مثل هذه البدهية في علم الإقتصاد تنسف إدعاء قوجمان من أساسه وأن ناتج عمل 6 ساعات كفيل بإنتاج قيمة عمل 8 ساعات. فهل المرء لا يشتري الدجاجة إلا إذا تأكد من أن ثمة بيضة في بطنها !!
الرفيق قوجمان يدعي بأن الرأسمالي يشتري من العامل القيمة الاستعمالية لقواه وليس القيمة التبادلية وذلك من أجل أن يتناسى أو يهمل تحديد الكمية للسلعة موضوع الشراء وهي قوة العمل. مع بداية النظام الرأسمالي كان يوم العمل غير محدد فكان العمال في بريطانيا يعملون 12 أو 14 ساعة يومياً. ولدى تشكيل الأممية الثانية 1889 كان من جملة أهدافها تحقيق يوم عمل 8 ساعات فقط، وهو ما تحقق بعد نضال مرير من قبل الطبقة العاملة الأوروبية. اليوم يشتري الرأسمالي من العامل 8 ساعات عمل فقط ويقبض العامل عن كل ساعة إضافية أجراً مضاعفاً. ثم إن تحديد يوم العمل 8 ساعات هو أمر تعسفي وقهري تمارسه الدولة الرأسمالية، والطبقة العاملة الفرنسية تطالب اليوم بيوم عمل 7 ساعات.
ما نخلص إلية هو أن المعروض في سوق العمل ليست قوى العمل المطلقة في العامل بل قوى عمل محددة بعدد محدود من الساعات يدفع الرأسمالي أجراً أقل من قيمتها. ثمة ساعة أو أكثر يشتغلها العامل بأمر قهري من الدولة بموجب قانون العمل.
ما يضطر العامل لأن يبادل قوة عمل 8 ساعات لديه بأقل من قيمتها هو زيادة العرض في سوق العمل وأشار ماركس إلى أن الرأسماليين يعمدون إلى عدم توظيف كامل قوى العمل المعروضة من أجل أن يتحكموا بالقيمة التبادلية لقوة العمل ومبادلتها بأقل من قيمتها.

وأخيراً ننبه الرفيق قوجمان أن القيم الاستعمالية لا تعرض في السوق لأبعد من تحفيز المتسوق للشراء أي أن يكون للسلعة قيمة استعمالية نافعة للمتسوق.
وتؤثر القيمة الاستعمالية في النظام الرأسمالي في أنها تحد ةمن فوضى الإنتاج فيه.
ومن المفيد أن نشير إلى عدم تجانس القيمة الاستعمالية مع القيمة الرأسمالية للسلعة حيث في الحياة الشيوعية تسقط القيمة الرأسمالية للسلعة سقوطاً نهائياً بينما تبقى القيمة الاستعمالية هي الناظم الرئيس للإنتاج.

ما يجب ألا يفوتنا هنا هو أن بعض المتثاقفين الصغار وبحكم جهلهم في علم السياسة واعتباره هواية يمارسونها كما يمارسون الهوايات الأخرى، أخذوا يسخرون من البحث في فائض القيمة. فائض القيمة أيها الصغار هو الرحم الذي تتخلّق فيه علوم السياسة منذ القرن الثامن عشر على أقل تقدير. وعليه فإن استمتاعكم في الجهالة إنما هو عمل ليس من أعمال الإنسان.

www.fuadnimri.yolasite.com