الثورة كائن هائل رائع بألف رأس


ميكائيل لووي
2012 / 12 / 10 - 08:45     

«الثورة كائن هائل رائع بألف رأس».




ميكائيل لووي عالم اجتماع ومناضل ماركسي متحدر من البرازيل، ألف كتبا عديدة حول ماركس، وتشي غيفارا، والرومانسية، والاشتراكية البيئية، والمسألة الوطنية و الدين أيضا (*).

لما سألنا ميكائيل لوي حول حدود الفكر الماركسي الرئيسة، وحول واقع أن عددا كبيرا من القطاعات الأكاديمية تعتبر الماركسية ضد التقدم، أكد أن الماركسية هي في المقام الأول فكر متحرك يسعى لتجاوز الحدود القائمة في أعمال ماركس وانجلز ذاتها.

أجرت هذه المقابلة غرازيلا وولفارت Graziela Wolfart ، ومارسيا جونجس Márcia Junges وثاميريس ماغالياس Thamiris Magalhães للنشر بالمجلة البرازيلية «IHU On line » ، وأعيد نشرها في الجريدة الأرجنتينية « El Correo » (موقع (Avanti4.be) )






ما هي مميزات الثورة في مؤلفات ماركس الشاب؟ وحول أية أوجه تغيرت نظريته في كتابته اللاحقة؟

في «أطروحات حول فيورباخ» (1854) – التي تمثل حسب انجلز التشكل العبقري لتصور جديد حول العالم–وفي كتاب «الايديولوجيا الألمانية» (1846)، صاغ ماركس نظرية جديدة يمكن تعريفها بما هي «نظرية الممارسة»، على حد تعبير غرامشي. متجاوزا على نحو جدلي مثالية الهيغلية الجديدة –التي ترى أن التغيرات في المجتمع تبدأ بالتغيرات في الوعي- والمادية المبتذلة –التي ترى أنه من اللازم أولا تغير «الظروف» المادية، أكد ماركس في الأطروحة الثالثة حول فيورباخ أنه في الممارسة الثورية يتطابق تغيير الظروف مع التغير الذاتي لوعي الأفراد.

وكما أوضح بـُعيد ذلك في كتاب «الايديولوجيا الألمانية»: لا ينبثق وعي شيوعي جماهيري إلا من الفعل والتجربة والنضال الثوري للجماهير ذاتها، والثورة ليست ضرورية لإطاحة الطبقات الحاكمة وحسب، ولكن أيضا كي تتحرر الطبقات المتمردة من الايدولوجيا السائدة.

وبعبارات أخرى، التحرر الحقيقي الوحيد هو التحرر الذاتي الثوري. ستشكل هذه الأطروحة خيطا أحمر يخترق أعماله برمتها، حتى لما ستصبح صيغها سياسية بشكل أكثر مباشرة وأقل فلسفية، على سبيل المثال في الديباجة المشهورة لأنظمة الأممية الأولى: «تحرر العمال سيكون من صنع العمال أنفسهم». ولكن الأمر صحيح أيضا بالنسبة لكتاب «البيان الشيوعي» أو كتاباته حول كومونة باريس، الخ.

كيف يمكن إدراك مفهوم «ديكتاتورية البروليتاريا» بوجه الديمقراطية المنبثقة من نظرية الثورة الشيوعية؟


كان تعبير «ديكتاتورية البروليتاريا» غير موفق إلى حد ما. لكن كما فسره الماركسي الأمريكي هال درابر Hal Draper بشكل واضح، كان ما قصد ماركس وانجلز توصيفه هو سلطة العمال الديمقراطية، مثل كومونة باريس، التي شهدت انتخابات ديمقراطية وتعدد الأحزاب وحرية الرأي، الخ. و ثمة في القرن العشرين من استعمل هذا التعبير ليبرر، باسم الشيوعية، سياسات مستبدة غير مطابقة لفكر ماركس.

ما الذي تغير في اليسار منذ الطبعة الأولى من كتابك «الثورة الشيوعية في أعمال ماركس الشاب؟»

كان عنوان الطبعة الأولى (لا عنوان أطروحة الدكتوراه): «نظرية الثورة لدى ماركس الشاب»، الصادرة عن دار النشر ماسبيرو في العام 1971. و مضى وقت طويل مذاك ، و دخلت الرؤية الستالينية لليسار التي هيمنت فترة مديدة من القرن العشرين، في أزمة، وانهارت عمليا في العالم برمته. ما يؤكد صحة أطروحة ماركس التي مفادها أن الثورة الحقيقية الوحيدة هي الثورة التي تتيح تحررا فعليا للمضطهَدين بفعل منهم أنفسهم.

تعتبرون أن اليسار، بمختلف تجاربه (الاتحاد السوفياتي، أوروبا الشرقية، أمريكا اللاتينية، أوروبا، البرازيل...) قد فهم ماركس بشكل خاطئ. لماذا؟

أثناء سنوات الاتحاد السوفياتي الأولى، كان هناك دون شك فهم خاطئ للماركسية، وقراءة متسلطة لبعض النصوص. لكن بدءا من الستالينية، و من منتصف سنوات 1920، لم يعد الأمر مجرد فهم خاطئ بل بإيديولوجية دولة، تزعم أنها ماركسية -لينينية، هدفها تبرير السلطة الشمولية للبيروقراطية وسياساتها الانتهازية.

مع الأسف، اقتدت الأحزاب الشيوعية بأوروبا، وأمريكا اللاتينية والبرازيل طيلة سنوات عديدة بهذا التوجه الستاليني. ولكن بدءا من العام 1968، وبوجه خاص العام 1968 (اجتياح تشيكوسلوفاكيا من قبل الاتحاد السوفياتي)، بدأ شيوعيون كُثر يضعون تلك الايدولوجيا موضع سؤال. وبأمريكا اللاتينية، كانت الثورة الكوبية هي التي أثارت أزمة عميقة في الحركة الشيوعية.

هل ما تزال نظرية تروتسكي حول الثورة الدائمة مفهوما ملائما للتفكير في اليسار اليوم؟

نظرية تروتسكي حول الثورة الدائمة ، و التي صاغها في سياق أمريكا اللاتينية خوسيه كارلوس مارياتيغي José Carlos Mariátegui عام 1928 ، هي الوحيدة التي تأخذ بعين الاعتبار دينامية ثورات القرن العشرين، الثورة الروسية عام 1917، والثورات الصينية، واليوغسلافية والفيتنامية والكوبية. ففي كل هذه البلدان، تحولت ثورة ديمقراطية زراعية و/أو معادية للاستعمار في إطار سيرورة غير متقطعة –دائمة- إلى ثورة اشتراكية. ومع الأسف، فشلت كل هذه السيرورات نتيجة انحطاط بيروقراطي،مع استثناء جزئي في كوبا.

ليس الأمر محتما، بل نتاج ظروف تاريخية. والمسألة التي لا تزال راهنية اليوم هي الرؤية الإستراتجية لمفهوم الثورة الدائمة: إما أن تكون ثورات بلدان أطراف النظام ثورات اشتراكية وديمقراطية وزراعية ومعادية للامبريالية في آن واحد، أو تكون «صور مشوهة لثورة» على حد تعبير تشي غيفارا. بعد قول هذا، لا يمكن اعتبار نظرية تروتسكي نظرية جامدة معصومة، فقد كان تتوقع دورا قائدا للطبقة العاملة في تلك الثورات، كما حدث في حالة روسيا عام 1917.

كيف يمكن التوفيق بين العمل النضالي الاشتراكي و السوريالية؟ كيف يتلاقى هاذان التياران و كيف يتكاملان بنظر التروتسكية؟

السوريالية حركة رومانسية ثورية، حركة افتتان بالعالم مع نزعة تمرد جلية، ومن ثمة متناغمة مع العمل النضالي الاشتراكي. شعراء سورياليون كُـثر، مثل بنيامين بيريه Benjamin Péret ، الذي عاش سنوات عديدة بالبرازيل، و ناضل في سنوات 1936-1937 في صفوف المناهضين للفاشية أثناء الحرب الأهلية الإسبانية – ما انفكوا يناضلون.

في العام 1938، سافر مؤسس السوريالية، أندريه بروتون، إلى المكسيك للقاء ليون تروتسكي الذي كان منفيا في كيوأكان. كتب الإثنان وثيقة بعنوان "من أجل فن ثوري مستقل"، من أجل فن متحرر من كل رقابة حزب او دولة على النشاط الشعري الفني المستقل. و بُعيد ذلك تأسست الفيدرالية الدولية للفن الثوري المستقل – FIARI - التي شارك فيها سورياليون و تروتسكيون و آخرون.

لكن السوريالية لم ترتبط بالتروتسكية وحدها، بل كانت لها صلات باللاسلطوية anarchisme ، لا سيما في سنوات 1950 و مست كوبا الثورية في سنوات 1960. و يتجه تعاطفها نحو كل حركة ثورية حقيقية/

ما تحديات تحرر البروليتاريا الذاتي في مجتمع "مسحور" بالاستهلاك و بعمل يغذي هذه الآلية الرأسمالية؟

يمارس الافتتان بالاستهلاك و صنمية السلعة تأثيرا كبيرا على السكان. لكن في لحظات حاسمة يكف الافتتان و يبطل سحر الرأسمالية الأسود عندما يرد البروليتاريون و الشباب والمضطهدون على النظام . و تاريخ أمريكا اللاتينية في العقود الأخير مثال جيد عن ذلك.

الفيلسوف " رأس" الثورة و البروليتاريا "قلبها". إلي أي مدى لا تزال فكرة ماركس هذه تلهم اليسار في عصرنا ؟

هذه الفكرة من النوع الهيغلي الجديد، دافع عنها ماركس في بدايات العام 1844. لكن ُبعيدها بقليل، بتأثير من انتفاضة العمال النساجين في سيليزيا بألمانيا في يونيو 1844، اكتشف أن البروليتاريا " فيلسوف" أيضا و أن انتفاضها ها بغير حاجة إلى انتظار الهيغيليين الجدد. لا زلنا نجد اليوم لدى اليسار هذه الرؤية المثالية الهيغيلية الجديدة ، التي تجعل من المثقف ، أو الطليعة، أو الحزب، " رأس" الثورة. و الحال أن الثورة كائن هائل له ألف رأس.

مادا تعني حركة الساخطين و الربيع العربي؟ هل الأمر نفـَسُ سياسة جديدة؟

كان الربيع العربي انتفاضة رائعة للشباب العرب ضد أنظمة مستبدة دموية أكل الدهر عليها وشرب. مع الأسف سرقت انتصارات الثوريين من قبل القوى الاسلاموية المحافظة، و نأمل أن يكون هذا مؤقتا.

أما حركة الساخطين، فهي سياق آخر، سياق أزمة الرأسمالية بأوربا و الولايات المتحدة الأمريكية مع عواقب مأساوية على السكان، منها البطالة و انخفاض الاجور و المعاشات، وفقد السكن،الخ. تقدم شباب هذه الحركة بجملة مطالب مناوئة لليبرالية، و ديمقراطية و و من اجل المساواة ، و معادية للرأسمالية في الغالب. القاسم المشترك هو السخط، وهو شعور اساسي كنقطة انطلاق لا غنى لكل نضال عنها، وكذا لكل تغيير اجتماعي. بلا سخط، لا يمكن تحقيق أي شيء كبير و لا جذري.

ما هي الحدود الرئيسة للفكر الماركسي؟ لماذا تعتبرها قطاعات أكاديمية عديدة متعارضة مع التقدم؟

الماركسية فكر متحرك يسعى إلى تجاوز حدوده القائمة في عمل ماركس و إنجلز ذاته: مثل ذلك، التناول الناقص للمسألة البيئية. بعض القطاعات الأكاديمية تخلط الماركسية مع كاريكاتورها المتعارض مع التقدم، أي الأيديولوجيا المسماة "الاشتراكية القائمة فعلا". و بعض آخر يتماهى مع الأيديولوجيا السائدة، مدعيا أن التطور الرأسمالي يمثل " التقدم" و أن الماركسية "قديمة" لأنها تعارض تقدم توسع السوق و تراكم الرأسمال.

أظن أن جان بول سارتر كان محقا حين قال إن الماركسية هي الأفق الفكري لعصرنا، و إن محاولات " تجاوزها" ، من قبيل ما بعد الحداثة و ما بعد الماركسية، الخ تنتهي إلى تراجعات سياسية و ثقافية. وكما كانت روزا لوكسمبورغ و لوكاتش و غرامشي يقولون، عندما تلغي الإنسانية الرأسمالية يمكن استبدال الماركسية بأشكال فكر جديدة

تعريب المناضل-ة