الطبيعة الديمغرافية للشعب الأمريكي


فلاح أمين الرهيمي
2012 / 12 / 6 - 00:00     

يعتبر شعب الولايات المتحدة الأمريكية ذا طبيعة ديمغرافية وسيكولوجية تختلف عن نشأة وتكوين شعوب العالم قاطبة. كان أولئك البشر من المهاجرين الأوربيين الذين أموا أمريكا وأصبحوا الآن شعب الولايات المتحدة الأمريكية (العظمى ..!!) في القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر وحتى في القرن العشرين، رجالاً ونساءً من المنبوذين والمستضعفين وقطاع الطرق والقتلة والمجرمين، ممن لا يرغب بهم المجتمع أن ينتسبوا إليه، فرحلوا عن ديارهم طوعاً أو قسراً كما أن قسماً منهم نزحوا من ديارهم لأنهم كانوا ضحايا الحرب والمجاعة والاضطهاد الديني وجور الكنيسة والظلم الاقتصادي والإجحاف الناجم من التمييز العنصري ونظام الرق والعبودية.
لقد هاجروا مخلفين وراءهم تلك الأوضاع والأساليب المأساوية، والبعض الآخر من المغامرين والباحثين عن الجاه والثروة، فوجدوا في أمريكا أنفسهم ملاكين حقيقيين للأراضي الواسعة وحرية السكن والتصرف والعمل والبحث عن الثروات، فأصبح غير مقيد ولا ملزم في العمل أو الإقامة في قرية معينة، أو دفع الأتاوات والعمل بالسخرة لملاّك الأراضي الزراعية، وهذا يعني أن المواطن الأمريكي قد تجاوز جميع المراحل المتعاقبة في التاريخ (المشاعية البدائية ونظام الرق والعبودية والإقطاع) ويعني أيضاً أن الشعب الأمريكي نشأ وترعرع في جو ليبرالي تطور إلى النظام الرأسمالي الذي أصبح منتمياً له ويمنحه التأييد فارتضاه لنفسه نظاماً حياتياً، وهنا لابد من الإشارة إلى أن في بعض أقطار أمريكا الشمالية يعني مفهوم الليبرالية حرية الفرد من الدولة وحقه بامتلاك السلاح والدفاع عن نفسه، وحرية العمل دون مراعاة البيئة، وفي مناطق أخرى من أقطار أمريكا الشمالية تعني الليبرالية نوعاً من حكومة الرفاهة الاجتماعية أي نوعاً من الاشتراكية، إن ذلك يدل دلالة واضحة أن هذا المفهوم في الحرية هو من عمل ونتاج المهاجرين الأوربيين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لأن دول أمريكا الشمالية كان يسودها نظام المشاعية البدائية وقسم آخر كان يسودها نظام الرق والعبودية والإقطاع وعند احتكاك هذه الشعوب مع المهاجرين الأوربيين إلى الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق التعامل التجاري وغيره فكسبوا وتعلموا منهم الحرية الفردية للإنسان في جميع مجالات الحياة السائدة بين المهاجرين، أما المجتمعات التي كانت تطبق عملية الرفاه الاجتماعي بين أبنائها فهي المجتمعات التي كانت تعيش في مرحلة المشاعية البدائية التي ذكرنا نبذة منها خلال فصول الكتاب لقد ذكر المفكر (كريغور) شعب الولايات المتحدة الأمريكية بما يأتي (لقد كانوا قبلاً مغمورين في أوطانهم لا ذكر لهم في السجلات المدنية إلا في قوائم الشحاذين والفقراء المساكين وقطاع الطرق والقتلة والمجرمين، فإذا بهم هنا ينعمون برتبة (المواطنين) فيمتلكوا الأراضي ويبحثون عن الثروات في باطن الأرض وحازوا على لقب الرجل الحر واستمتعوا بخصائص وبسائر متطلبات الإنسان، وفي مثل هذا الجو المشبع بالحرية والذي تفصل فيه الحقوق والالتزامات تنجح وتزدهر، وهي انعكاس لتلك الظروف ذاتها التي أصبحت مؤاتية في الولايات المتحدة الأمريكية لنشأة الرأسمالية ونموها).
إن الفكر يعتبر انعكاساً للواقع الموضوعي الذي يعيشه المجتمع في مرحلة معينة من التاريخ وهذا يعني أن الدولة هي نتاج تلك البيئة وذلك المجتمع الذي نشأ وترعرع فيه المجتمع الأمريكي (الحرية الليبرالية) وإن أية سلطة في العالم تمسكها قوتان :
الأولى القوة العسكرية، والثانية القوة الاقتصادية، وهاتان ميزتان تتمتع بهما الولايات المتحدة الأمريكية بامتياز وذلك للأسباب التالية :
1) كانت أراضيها ومصانعها وبنيتها التحتية وكل ما يشمل تقدمها وتطورها بعيدةً عن ساحات الحروب التي دمرت وهدمت كل حضارات وتقدم وتطور الدول التي جرت على ساحتها الحربين العالميتين الأولى والثانية.
2) المساحة الواسعة وما تخزنه أراضيها من معادن وخيرات لا زالت في بداية استثمارها واستغلالها مما يجعلها ذات قوة اقتصادية فعالة.
3) التقدم العلمي والتطور التكنولوجي الهائل في كافة مجالات الحياة.
4) طبيعة الشعب الأمريكي الذي نشأ وترعرع وتربى في أحضان (الحرية الليبرالية).
5) إقامة وبناء (دولة الرفاه الاجتماعي) وهي خدعة ترقيدية وتخديرية للجياع والمحرومين والمضطهدين والمشتغلين عن طريق تخصيص رواتب للبطالة والعاجزين عن العمل والجياع والمحرومين بناء دور للعجزة والمسنين ورعايتهم كما توفر الدولة مجانية التعليم والعلاج للمرضى وسن قوانين لحمايتهم ورعايتهم، إن دولة الولايات المتحدة الأمريكية تعتنق الفكر الاقتصادي الليبرالي أي أن الدولة لا تمتلك المصانع أو المؤسسات الخدمية والشركات العملاقة للنفط والغاز والسيارات والطائرات والأسلحة بأنواعها والأدوية وغيرها وإنما يمتلكها الأفراد أي القطاع الخاص أي الخصخصة التي تعتبر أحد أركان العولمة المتوحشة ما عدا مؤسسات دولة الرفاه التي هي كما قلنا خدعة ترقيدية وتخديرية وتقوم على ما يأتي (إن الرأسمالي يعتبر الربح الذي يتكون منه تراكم رأس المال هو الهدف الأساسي في عمل وجشع وأنانية الرأسمالي، إلاّ أن الخوف من قيام الجياع والمستّغلين والمضطهدين والمحرومين بثورة عارمة تكتسح الرأسماليين ونظامهم الجشع فإنهم يتنازلون عن قسم من أرباحهم يقدموه إلى الدولة من أجل تشييد مؤسسات لهم ودفع رواتب للعاطلين عن العمل وهذا يعني تخفيف الضغط من جوع وحرمان ومرض عن تلك الطبقات المسحوقة والرفاه عنهم).
6) إن الدولة في النظام الرأسمالي لا تمتلك مؤسسات إنتاجية تدر عليها بالمال وإنما تحصل على المال من خلال الضرائب على المؤسسات المختلفة التي يمتلكها الرأسماليون فالدولة آلة مسخرة لخدمة رأس المال، هو الذي يمول الماكنة الحربية حينما تتعرض المصالح الاقتصادية الذي يمثل رأس المال ويعرضه للخطر وهذا يعني بدءاً من رئيس الجمهورية والبرلمان والقضاة والوزراء ورئيس الوزراء حتى أصغر موظف في دولة النظام الرأسمالي هم موظفون يعملون في خدمة رأس المال.
والآن نعود إلى هذه الدولة (الولايات المتحدة الأمريكية) التي سقطت من رحم الشر والاغتصاب والعدوان ونشأت وترعرعت وتجسدت في أحضانه وأخذت تغرزه في كل مكان وزمان في كل أنحاء المعمورة بحيث أصبحت فيه القطب الأوحد سياسياً والآن تسعى لتستحوذ عليه اقتصادياً وثقافياً وفكرياً حسب ما بشر فيه كتابا (نهاية التاريخ والإنسان الأخير) للكاتب فوكاياما والكتاب الآخر (صدام الحضارات) لهنغتون، إن هذه الدولة الشريرة التي كرست وجسدت لمشاريعها الجهنمية والمدمرة للإنسان والطبيعة العلم والعلماء وجندتهم في مؤسسات العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة من أجل أن تجثم بكابوسها المدمر على صدور الشعوب فأصبحت مسؤولة عن كل طفل يصرخ ألماً من الجوع وعن كل دمعة من أم فقدت ابنها وأرملة فقدت زوجها، وأصبحت تمتلك من وسائل الحرب والدمار ما كنا نسمعه ونقرأه في كتب الخيال حيث تناقلت وسائل الإعلام عن قيام مجموعة من جنود الكومندوز الأمريكان بالنزول في مكان ما في كوريا الشمالية للتحري عن أحد الأنفاق التي لا تستطيع الأقمار الصناعية اكتشافها والذي تجرى فيه تصنيع وتطوير بعض أنواع الأسلحة، فكانت هذه المجموعة من الجنود ترتدي ملابس لا تستطيع الجنود والحرس الكوري الشمالي من معرفتهم واكتشافهم، أي يرتدون (طاقية الإخفاء)، هذا ما كنا نشاهده في الأفلام السينمائية أيام زمان.
والآن هذه الدولة الشريرة تدعو إلى الديمقراطية والاستقرار وهي التي تعمل ضده فتخلق الفوضى البناءة وتكيل بمكيالين ضد حقوق الإنسان والديمقراطية كما نشاهد ذلك ونلمسه في تصرفات وسلوك إسرائيل المجرمة ضد الشعب الفلسطيني، وكيف أن إسرائيل استغلت حراك الربيع العربي الذي من المحتمل أن يكون الإخطبوط المخابراتي الأمريكي أحد محركيه فاستغلت إسرائيل ذلك الحراك المشبوه واتجاه الأنظار والأفكار نحوه فزرعت القدس الشرقية والضفة الغربية بمئات المستوطنات الإسرائيلية الصهيونية.