مفهوم -حزب الطبقة العاملة و عموم الكادحين- – نقد ماركسي


رفيق الرامي
2012 / 11 / 18 - 14:00     


عقد حزب النهج الديمقراطي مؤتمره الثالث منتصف يوليو 2012. و كالعادة لم يكن الحدث فرصة نقاش سياسي و فكري بين مكونات صف اليسار الجذري، يسهم في تبلور رؤية مشتركة توحد ممارسة المنتسبين الى قضية تحرر الشغيلة. نأمل تدارك فرصة جزء من هذا النقاش الضروري بتناول مسالة أساسية متعلقة بطبيعة الاداة السياسية التي تستلزمها مهام النضال. فقد حافظت مشاريع أوراق المؤتمر على لبس ظل يكتنف في أدبيات المؤتمرين الأول و الثاني طبيعة الحزب الذي يسعى الرفاق في النهج الديمقراطي إلى بنائه. إنه التباس مفهوم "التنظيم السياسي للطبقة العاملة و عموم الكادحين"، و هو التباس قد تديمه الصيغة المصادق عليها من الوثائق، حيث ورد المفهوم في النقطة الخامسة من البيان المصادق عليه في المؤتمر.

--------------------------------------------------------------------------------

بعد أن نشأت الحركة الماركسية اللينينية رافعة لواء بناء حزب البروليتاريا الثوري، و واصلت مختلف مخلفات تفكك تلك الحركة، التي حافظت على منظور اشتراكي ثوري، الدعوة إلى بناء حزب الطبقة العاملة، شهدت نهاية تسعينيات القرن الماضي بروز مفهوم جديد، شق طريقه تدريجيا، و تكرس في أدبيات النهج الديمقراطي: انه مفهوم حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين.

و إن لم ُيزح هذا المفهوم الجديد بشكل نهائي مفهوم حزب الطبقة العاملة، فإنه باعث على التساؤل: ما الغاية من إضافة الكادحين في تعريف الحزب المفترض أنه أداة الثورة؟

برز هذا المفهوم أول ما برز، حسب بحثنا، في مقال للكاتب الأول للنهج الديمقراطي بعنوان "قراءة في تاريخ وحاضر اليسار الجديد" (عبد الله الحريف جريدة النهج الديمقراطي عدد 35- شهر غشت 1998). وما زاد لبس هذا المفهوم فكرة جرى التعبير عنها منذ صدور وثائق المؤتمر الأول لحزب النهج الديمقراطي (2004)، و لا زالت ُتستعاد، حيث أكدتها أوراق المؤتمر الثالث (2012)، عنينا الفكرة التالية:

" إننا نطرح مفهوم التنظيم السياسي المستقل، وليس الحزب لأننا لا نجزم منذ الآن في الشكل الذي قد يتخذه التعبير السياسي للطبقة العاملة وعموم الكادحين ( هل يتمثل في حزب واحد؟ أم في حزب يضم تيارات؟ أم في عدة أحزاب تجتمع في إطار جبهوي؟... ) ولأننا نعتبر أن كل الكادحين لهم مصلحة في بناء الاشتراكية وأنهم يشكلون السواد الأعظم من شعبنا" .

فهل يبني الثوريون حزب عمال بمعناه الماركسي، أي أداة استقلال البروليتاريا سياسيا، أم حزبا متعدد الطبقات يضم، إلى جانب العمال، طبقات شعبية أخرى من ضحايا الرأسمالية، كالتجار الصغار و فقراء الفلاحين و حتى المثقفين ؟ أما جبهة بين حزب العمال الثوري و القوى السياسية البرجوازية الصغيرة المناضلة فعلا فضرورة لا نقاش فيها. المفهوم ينطوي على لخبطة : التنظيم السياسي المستقل للطبقة العاملة و عموم الكادحين. فنعث المستقل يقصد به أصلا انفراد العمال بحزب خاص بهم. فكيف يكون مستقلا و هو حزب الكادحين أيضا ؟

فالكادحون منهم صغار الملاكين، كالفلاحين الصغار الذين يمثلون نسبة مهمة من سكان المغرب، و تجار التقسيط بالأحياء الشعبية، و الحرفيين من كل نوع (نجارة، حدادة، ...)، و باعة خدمات صغار(حلاقون، إصلاح السيارات، ...). وهؤلاء جميعا ينتمون لطبقة أخرى غير الطبقة العاملة، و يستغلون قوة العمل، ولا يتوقون إلى إلغاء الملكية البرجوازية بل إلى إنماء تلك الخاصة بهم.

إن مفهوم "حزب الطبقة العاملة و عموم الكادحين" مفهوم يعيد اليسار خمسين عاما و أكثر إلى الوراء، فهو عين مفهوم "حزب القوات الشعبية" الذي ميز يسار حزب الاستقلال عند نشوئه، أي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. و للتذكير به تكفي الإشارة إلى المقطع التالي من نص "الاختيار الثوري" للمهدي بنبركة [طبعة منشورات اليسار الديمقراطي ص 72]حيث يقول:

" لا غرو أن نكون عن جدارة حزب الجماهير الكادحة الحضرية و القروية الذي يتجسد فيه التحالف بين العمال و الفلاحين و المثقفين الثوريين. فنحن حزب الشعب المغربي باستثناء الطبقات المستغلة من إقطاعيين و برجوازيين طفيليين حلفاء الاستعمار الجديد و ركائزه".

ينبع مفهوم حزب الطبقة العاملة و عموم الكادحين من فهم خاص لطبيعة المهام التاريخية. إذ تكررت في وثائق مؤتمرات النهج الديمقراطي الثلاث، 2004 و 2008 و 2012، الصيغة التالية:

"حل التناقض الكوني بين الرأسمالية و الطبقة العاملة يمر الآن، في بلادنا كما في اغلب بلدان العالم الثالث، عبر حل التناقض الرئيسي بين الطبقات السائدة و الامبريالية من جهة وكل الطبقات و الفئات الشعبية من جهة أخرى. غير أن محرك هذا التناقض الرئيسي هو التناقض الأساسي بين الطبقة العاملة وعموم الكادحين من جهة و الطبقات السائدة و الامبريالية من جهة ثانية."

أي أن هذا التناقض الرئيسي يستتبع، بنظر الوثيقة، الحاجة إلى أداة سياسية مطابقة للطرف الثاني من التناقض. فالمهام ما دامت مهام تحرر و طني و بناء ديمقراطي فهي تعنى إلى جانب البروليتاريا جماهير شعبية أخرى اي مجموع الكادحين. و الحال أن وجود مهام و طنية و أخرى ديمقراطية يستوجب تحالف العمال و البرجوازية الصغيرة، و ليس حزبا يجمعهما.

هذا من أبجديات الماركسية الثورية، التي لا نجد نقضا لها سوى عند ستالين ، حيث يقول في مؤلفه "مسائل اللينينية": "إن على الشيوعيين أن ينتقلوا من سياسة الجبهة الوطنية الواحدة إلى سياسة الكتلة الثورية للعمال و البرجوازية الصغيرة . و تستطيع الكتلة أن تأخذ في مثل هذه البلدان شكل حزب وحيد، حزب عمالي و فلاحي على غرار الكومينتانغ".

نعم يدعم الماركسيون نضال البرجوازية الصغيرة، و يتحالفون معها، لكن دون أن ينسوا استقلال العمال الطبقي و مهامهم الخاصة. وقد أبانت التجربة التاريخية استحالة قيام حزب مزدوج، اي حزب طبقتين تمثلان خطين تاريخين متناقضين، خط البروليتاريا و خط البرجوازية الصغيرة.

العمال طبقة (بما فيهم أجراء الوظيفة العمومية) و البرجوازية الصغيرة (المالكون الصغار)، طبقة مغايرة، لكل منهما مصالحها الخاصة، و لا يصح مماثلة تلك المصالح بأي وجه كان. و لا مجال لانضمام البرجوازي الصغير الى حزب العمال إلا إذا تخلى عن وجهة نظر المالك لتبني وجهة نظر البروليتاري.

كتب لينين في العام 1906: "نصيحة أخيرة: ايها البروليتاريون، و أنصاف البروليتاريين في المدن و الأرياف، نظموا أنفسكم بشكل منفصل. و لا تثقوا بأي مالك صغير، مهما كان صغيرا، حتى لو كان "من العاملين"... إننا ندعم تماما الحركة الفلاحية، و لكن علينا أن نذكر بأنها حركة طبقة أخرى و ليست حركة الطبقة القادرة على انجاز، و التي ستنجز الانقلاب الثوري." أورده تروتسكي في "الاممية الشيوعية بعد لينين"، منشور في كتيب: "تقييم و آفاق الثورة الصينية" – دار الطليعة، 1975.

فضلا عن تجارب تاريخية عديدة، أبانت تجربة اليسار المغربي ما يمكن أن يكونه "حزب العمال و وعموم الكادحين"، أي حزب القوات الشعبية. فالاتحاد الوطني للقوات الشعبية كان بالفعل قوة متعددة الطبقات، مناضلة من أجل التحرر الوطني و الديمقراطية، صرفت فكرة بنائه، بصفته حزبا ثوريا، العديد من المثقفين المتأثرين بالماركسية، و الشباب ذوي النوايا الاشتراكية، عن مهمة بناء حزب العمال الاشتراكي الثوري. و انتهى حزب القوات الشعبية حزبا برجوازيا بطلاء اجتماعي، انجر إلى خدمة الاستبداد و الرأسمالية التابعة.