أمريكا والعالم بعد تفكك المعسكر الاشتراكي


فلاح أمين الرهيمي
2012 / 11 / 17 - 11:05     

أمريكا والعالم بعد تفكك المعسكر الاشتراكي
إن الكاتب حينما يضع التوقعات المحتملة للأحداث، ينطلق من أن عناصر الفعل التي تمتلك البواعث القوية والقادرة على أن تسخر الأحداث والاتجاهات على نحو يجعلها توثق النوايا والقيم من خلال التحليل الذي يبني السيناريوهات المحتملة للأحداث من اتجاهات التطورات القائمة، ومن عناصر الفعل الاجتماعي المؤثرة على الساحة الدولية، وربط الوقائع السابقة مع تطور الأحداث الآتية التي تؤثر وتتحكم في مسيرة التاريخ، ثم استنتاج القوانين العامة التي تكون لها دور فعال في العملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الساحة العالمية.
إن كل الاحتمالات تشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل إلى عدم الاستقرار الاستراتيجي في مناطق معينة من المعمورة والهدف منه إعادة نشأته وتكوينه من جديد بما ينسجم ومصالحها في أمركة العالم، بالرغم من أن كل التوقعات القائلة عن التطور المطرد وعدم الاستقرار ليس أمراً محتوماً، إلا أن ذلك التناقض في التوقعات والاحتمالات يكمن في أن الولايات المتحدة الأمريكية التي وضعت لنفسها وضعاً جيداً على الساحة الدولية حالياً، كانت في السابق من أكثر الدول اهتماماً بالاستقرار والمحافظة على المسيرة في أطر نظام ثابت يحفظ لها توازنها واستقلالها عن الشعوب، إلا أنها بعد القضاء وإزالة عدوها الأيديولوجي اللدود (الاتحاد السوفيتي والنظام الاشتراكي) تسعى إلى خرق الاستقرار من أجل الوصول إلى أهدافها وغاياتها في أمركة العالم، بينما الضعفاء والخاسرون كانوا في السابق موضوعياً أصحاب المصلحة الكبرى في عدم الاستقرار وتغيير الحالة تغييراً نوعياً وكمياً وهم الآن الأقل استعداداً لفعل ذلك، إن الواقع يشير إلى أن دهاء الفعل التاريخي العالمي يكمن في دفع الولايات المتحدة الأمريكية نحو إنتاج تاريخ جديد .. تاريخ جديد (العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة) لم يكن بأي حال من الأحوال يتمنونه لأنفسهم في نهاية المطاف، ولكنهم هم أنفسهم سعوا إليه واستدعوه إلى الوجود.
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار نظامه الاشتراكي، انتهت الحرب الباردة وبدأت حرب عالمية جديدة، لأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكتفي بنصرها على عدوها اللدود وانهيار جدار برلين عام / 1989 بل واصلت هجومها على جميع الدول المستقلة من أجل تحقيق برنامجها وأمركة العالم، لقد كانت نهاية الحرب الباردة تعني الاستقرار في العالم، إلا أن الاستقرار لا يتلاءم ومصلحة الولايات المتحدة الأمريكية الذي يعني عدم تحقيق أهدافها وغاياتها في أمركة العالم فقامت بخرق غادر للشروط التي استسلم على أساسها الاتحاد السوفيتي وانهيار نظامه، فدخلت في المجال الذي كان يعتبر كياناً لدول النظام الاشتراكي بعد إلغاء حلف وارشو وإعلان منطقة أوكرانيا التي كانت جزء من الاتحاد السوفيتي وفي منطقة ما وراء القفقاس وآسيا الوسطى منطقة مصالح أمريكية، ثم الهجوم الصاعق على يوغسلافيا وجعلها دويلات ومقاطعات متناثرة، ومن أجل تبرير عدوانيتها وتوسعها جاءت أحداث الحادي عشر من أيلول (الهجوم على مركز التجارة العالمي) الذي أعطى المسوغ للولايات المتحدة الأمريكية لإعلان التعبئة العامة للحرب ضد الإرهاب، إن ذلك (أسامة بن لادن) الذي خلقت منه الولايات المتحدة الأمريكية عدواً فجعلت من عمله مبرراً لتعبئة شاملة وكاملة لكل الآلة الحربية للولايات المتحدة الأمريكية وحلف الأطلسي وزيادة النفقات العسكرية إلى ما يفوق الضعف، وإعادة تنظيم منظومة الدفاع الاستراتيجي، ومن ثم الخيار الصارم الذي طرح في وجه العالم كله حسب قاعدة ميكافيلي (من ليس معنا فهو ضدنا) وكان ذلك العمل المبرر المركزي لقيام الولايات المتحدة الأمريكية باحتلال أفغانستان والقضاء على حكم طالبان الذي كان يأوي ويحوي إسامة بن لادن، إلا أن الهدف الأساسي من هذه العملية هو الموقع الاستراتيجي لأفغانستان باعتبارها منطقة مجاورة إلى (منبع النفط الذي يمثل القوس النفطي الذي يمتد من العراق مروراً بالمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي وإيران وبحر قزوين أنظر كتاب أمركة العالم وليس عولمته لكاتب السطور).
والآن ننظر إلى كتاب (صدام الحضارات لهنغتون) وبداية تطبيقاته بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار نظامه الاشتراكي، لقد كانت الشعارات والدعايات الأمريكية السيكولوجية التي تطلقها إذاعة صوت أوربا الحرة المنطلقة من برلين الغربية وغيرها من وسائل الإعلام التي تشن ضد الحكم الشيوعي لم يكن الهدف الاستراتيجي من هذه الدعاية يقتصر على تحطيم معنويات تلك الشعوب المنضوية تحت الخيمة الشيوعية وسحق إرادته في الانتصار وتحقيق أهدافه الاشتراكية بل كان الهدف شق صفوف ذلك المعسكر فكانت الإغراءات التي تنشر سراً وعلانية موجهة إلى الأوربيين في المعسكر الاشتراكي المشاركين في معاهدة حلف وارشو بأوربا عن طريق تقديم الوعود لهم في حالة تمردهم وانفصالهم وقطيعتهم للإمبراطورية السوفيتية سوف يتم الاعتراف الأوربي الكامل بهم ومنحهم شتى الأفضليات والحقوق، وكان الهدف من هذا الاختراق شق الاتحاد السوفيتي نفسه بحجة تطبيق حق تقرير المصير القومي والديني مع الوعود لتلك الفئات القومية والدينية بدمجهم مع الشعوب الأوربية. وكانت النتيجة واضحة كما ظهرت للعيان بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار نظامه الاشتراكي حيث تحقق الانشقاق في داخل الأمم التي كانت سوفيتية وفي داخل روسيا عن طريق دعم الأقليات القومية والدينية على حساب القوميات والدينية الأخرى المحملة بعبء تاريخي ثقافي موروث لا يمكن إصلاحه.