الصراع بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية


فلاح أمين الرهيمي
2012 / 11 / 16 - 12:07     

الصراع بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية
بدأ الصراع بين الاتحاد السوفيتي باعتباره يمثل قوى الاشتراكية العالمية والولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها تمثل قوى الرأسمالية العالمية بعد ثورة أكتوبر عام 1917 في روسيا، وكانت ثورة أكتوبر عام/ 1917 الذي قادها فلاديمير لينين واضحة المعالم والأهداف من خلال منفذيها وشعارها الذي يمثل الطبقة المسحوقة في المجتمع (المطرقة والمنجل) الذي يشير إلى العمال والفلاحين. وما أن انتهت الحرب العالمية الأولى عام/ 1918 وتم إقصاء الرئيس الأمريكية ولسن الذي كان داعياً للسلام العالمي وتحقيق العدالة في العلاقات الدولية ودعم تنظيم دولي لمنع إشعال الحروب في العالم، إلا أن المواجهة المباشرة بين الدولتين التي بدأت عام/ 1922 تأجلت بسبب تأثيرات وأحداث برزت على الساحة الدولية وأهمها تأثيرات سياسة العزلة التي وضعها الرئيس الأمريكي جورج واشنطن واستمرت في عهد مونرو التي كانت تقوم على قاعدة (أمريكا للأمريكيين) وتأثيرات الأزمة العالمية عام/ 1929 التي نشبت في الولايات المتحدة الأمريكية وامتد لهيبها إلى العالم وقيام النظام الفاشي في إيطاليا بقيادة موسيليني عام/ 1922 وصعود النازيين إلى السلطة في ألمانيا بقيادة هتلر عام/ 1933، فكانت هذه الأحداث وخطورتها أهم من الخطر الشيوعي الفكري الذي لا زال في البيضة حسب وصف تشرشل وزير المستعمرات البريطاني، وعادت فكرة العداء للاتحاد السوفيتي والهجوم عليه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربا الغربية أثناء الحرب العالمية الثانية عام/ 1939 وذلك بسبب المعاهدة السرية بين ستالين وهتلر التي عقدت عشية الحرب والتي تنص على عدم الاعتداء بين الدولتين، إلا أن الهجوم الأمريكي الأوربي على الاتحاد السوفيتي ألغي أيضاً بسبب اجتياح القوات الألمانية الهتلرية لأراضي الاتحاد السوفيتي في 22 حزيران/ 1941، إلا أن الانتصار الكاسح الذي حققه الجيش الأحمر السوفيتي على الجيش النازي الهتلري ودخوله إلى برلين ورفع العلم السوفيتي على مجلس النواب الألماني (الرايخشناخ) وما تمخضت عنها الحرب من نصر للنظام الاشتراكي في أوربا الشرقية كل ذلك استفز المعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبدأ الصراع والمواجهة والتلويح إلى الخطر الشيوعي بعد وفاة الرئيس الأمريكي روزفلت الذي كان يميل إلى السلم والتعاون الدولي بعد الحرب العالمية المدمرة وأصبح ترومان رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية الذي انتهج سياسة القبضة الحديدية ضد الاتحاد السوفيتي، واستمرت العلاقات السوفيتية – الأمريكية تسير وفق التصعيد والتدهور، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تدفع بشكل استفزازي إلى تعميق السلوك والتصرفات العدوانية ضد الاتحاد السوفيتي مستفيدة من تفوقها العسكري والاقتصادي من أجل تحقيق غاياتها وأهدافها بحجة الوقوف بوجه المد الشيوعي الذي نما وتصاعد بعد الحرب العالمية الثانية، فأخذت الولايات المتحدة الأمريكية مبادرة اقتصادية لعزل الاتحاد السوفيتي عن أوربا وعن باقي دول العالم وحمايته من نمو ونشاط الفكر الشيوعي حيث أعلن وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية مارشال في 5 حزيران عام / 1947 مشروعه الذي أطلق عليه اسمه (مشروع مارشال) لدعم الدول الأوربية التي دمرتها الحرب العالمية الثانية والدول الأخرى التي تأثرت بتلك الحرب وكذلك مشروع النقطة الرابعة الذي أعلنه الرئيس الأمريكي ترومان عام / 1949 والموجه إلى بلدان الشرق الأوسط كالعراق والأردن وإيران وتركيا وسوريا ولبنان عن طريق تقديم العون والمساعدات الفنية الزراعية والاقتصادية لتلك الدول وكان هدف الولايات المتحدة الأمريكية من ذلك هو التدخل في شؤونها الداخلية عن طريق الخبراء والفنيين التابعين لوكالة المخابرات الأمريكية وفرض الشروط عليها في سياستها الداخلية والخارجية بحجة الوقوف ضد المد الشيوعي ولم تكتفي الولايات المتحدة بالمشاريع الاقتصادية وإنما اتجهت إلى المشاريع العسكرية فأنشأت الأحلاف العسكرية وشيدت القواعد العسكرية التي أحاطت بها الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي إضافة إلى توجيه وسائل الإعلام المسموعة التي تبث الأفكار الأيديولوجية المعادية للفكر الشيوعي من خلال ستة إذاعات كانت تذيع من برلين الغربية محرضة شعوب الدول الاشتراكية ضد نظام الحكم الشيوعي والثورة عليه، وكانت تلك الإذاعات التي أطلق عليها (صوت أوربا الحرة) تذيع الأخبار والتحريضات لمدة أربع وعشرين ساعة في اليوم، وقد استغلت الولايات المتحدة الأمريكية ظاهرة الأممية والعلمانية التي يعتنقها ويؤمن بها الفكر الشيوعي فجندت الفكر الأيديولوجي الديني والقومي ضد الأممية والعلمانية، فساندت وساعدت تلك الأفكار وخلقت قادة لها ودعمتهم بكافة الوسائل المادية والمعنوية لتنفيذ مهمتها في محاربة الشيوعية، وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار نظامه الاشتراكي انتهت الحرب الباردة التي كانت قائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي والأحلاف العسكرية تفككت وانتهى دور ومفعول القواعد الحربية ولم يبق سوى انتشار واتساع الفكر الديني والقومي الذي استعملا في الحرب ضد الشيوعية لأنهما يرتبطان بمشاعر وإحساس العمق الإنساني للإنسان من حيث التقاليد والعادات وطبيعتهما التي تبقى مغروسة في العمق الإنساني لأن الطبيعة البشرية تكون متأثرة بالعادات والتقاليد مما يجعلها أن لا تستجيب بسهولة وسرعة للتغيير عند الانتقال من مرحلة إلى أخرى لأن الآثار الاجتماعية الماضية من التراكم الفكري من الحياة الاجتماعية السابقة لا يمكن محوها بسرعة، لأن زمن الحوادث والوقائع هو زمن اجتماعي وتمثل حياة البشر التي تبقى مغروزة في عقولهم الباطنية، وحينما يحدث التغيير والتجديد في مرحلة معينة من الزمن فإن ذلك يحدث في الحياة الاقتصادية والمعاشية بصورة أسرع من التحولات الفكرية التي ترتبط بالتقاليد والعادات الاجتماعية وإن التغيير في هذه الظاهرة يحتاج إلى فترة زمنية أطول حتى يستطيع الإنسان التطبع والانسجام مع الواقع الجديد. وهذه الظاهرة نلاحظها ونلمسها عندما تفرض الظروف على عائلة متأثرة وقضت فترة طويلة تعيش على تقاليد وعادات وطقوس دينية أو قومية معينة وحينما تنتقل من محيطها القديم إلى محيط مجتمع يختلف معها من حيث التقاليد والعادات والطقوس الدينية والقومية فإن تلك العائلة تبقى محافظة على تلك الطقوس وتمارسها بنفسها في وقتها وموعدها إذا كانت دينية أو قومية، بعكس الظروف الاقتصادية فإن الإنسان حتى إذا تغير محيطه الاجتماعي فإن ذلك يظهر عليه بالتناسق والانسجام مع المجتمع الذي يعيش معه بالرغم من اختلافه الديني والقومي عنه فمثلاً موظف أو أي إنسان يكسب مورداً في الشهر ألف دينار ثم يرتفع هذا المورد إلى عشرة آلاف دينار يلاحظ التبدل والتغيير يحدث بسرعة على تلك العائلة أو ذلك الإنسان من حيث الغذاء والملبس والسكن. بعكس الطقوس والعادات والتقاليد القومية والدينية.