-ماذا يعني ان تكون اليوم يساريا ؟ -


رشيد غويلب
2012 / 10 / 31 - 22:59     

ترجمة: رشيد غويلب
نشر موقع "شيوعيون" التابع للحزب الشيوعي الالماني عرضا و ترجمة لمقالة البروفسور الكوبي "داريو ماشادو" ، استاذ الفلسفة في جامعة هافانا وعضو هيئة تحرير مجلة "كوبا الاشتراكية"، الموسومة "ماذا يعني ان تكون اليوم يساريا" ولحيوية ما احتوته المقالة المطولة من افكار في ما يلي ترجمة للعرض المذكور:
يتناول "ماشادو" سؤال، ماذا يعني ان تكون اليوم يساريا؟ ويميز الكاتب بين من يقف الى جانب اليسار وبين من يكون يساريا فهو يقول"ان تعريفا لليسار بمعنى ان تكون يساريا يجب ان يعكس خصائص مثل مناهضة الرأسمالية، العلمية، الشخصية الجامعة، اخلاقي ، ثوري، نشط ،مبدع وأممي." وينطلق الكاتب من " ان الانسانية تواجه اليوم مشاكل جدية تهدد وجودها، والمهمة الملحة هي اليوم ايقاف السير نحو الهاوية، ولهذا فان كل الايادي قليلة جدا. و لا تلغي هذه المهمة العديد من الأسئلة التي تدور باستمرار حولها: هل هناك اختلاف أساسي بين منطق الليبرالية الجديدة والمنطق العام للرأسمالية؟ هل ينهي الفشل الواضح اليوم لليبرالية الجديدة الامبريالية – وأي تطور ايجابي تنتظره البشرية من الرأسمالية بدون الليبرالية الجديدة؟ اذا كانت هذه مشكلة الرأسمالية الأساسية، فما هي المهام التكتيكية المطلوبة من اليسار؟"
ويعد تجاوز التعصب والانغلاق واحداً من التحديات الكبرى التي تواجه اليسار: " كان التعصب واحداً من أكبر أخطاء اليسار في القرن الماضي، عندما رأى في ذاته "الطليعة"، مفترضا ان المرء اما ان يكون معه او ضده. و كان هذا الموقف منتشرا جدا بين يسار القرن العشرين في جميع انحاء العالم، وكان دائما مناسبة للانشقاق، وضياع الوقت، وهدر الطاقات في الكثير من المناقشات العقيمة وغير الشفافة، وشكل عقبة امام التعلم لتحديد المشاكل الحقيقية. ان رفض الحجج الجديدة المتداولة بين اوساط الكثير من المجموعات اليسارية، لأنه لا يتفق مع الدوغما السائدة، اعاق معرفة دوافع تلك المجاميع التي كانت تريد كذلك مساحة لها في النضال ضد الرأسمالية. ان اليساريين الذين عدوا أنفسهم مصدر التغييرات الثورية، لم يقبلوا التغيير في داخلهم. وهذه الرؤية العقائدية المتعصبة حالت دون معرفة الآخر كما هو في الواقع، أي حفارو قبور الرأسمالية الجدد، الذين انبثقوا من الرأسمالية نفسها وتناقضاتها غير المحلولة...
ان هذا التعصب والانغلاق غير قادر على ايصال المعرفة العميقة بالواقع- والناس يستطيعون التعامل بدونه. ان السياسة لتقوية القوى التقدمية يجب ان تطور جماعيا، وبمشاركة اكبر قدر ممكن من المناهج والمصالح، و بروحية ضم هذه القوى دون إجبار، ودون هرمية، والاعتراف بان لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة، وإننا جميعا قادرون ويجب ان نتعلم من بعضنا البعض."
وفي المقالة يطالب الكاتب اليسار بوضع رؤية علمية عن العالم: " واحدة من الصراعات الرئيسية في المواجهة مع الرأسمالية اليوم هو الحاجة إلى استعادة الرؤية العلمية التي تساعد على إلقاء الضوء على التفاعلات في العمليات الاجتماعية المعاصرة ... عندما لا يجد المرء تفسيرا علميا للواقع الذي مر ذكره، وعندما لا يقوم المرء بدراسة العمليات التي ادت الى الازمة الحضارية الحالية ( التي تؤثر اليوم على وعي وكذلك سلوك الناس)، عندما لا يفهم المرء البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الحالية، التي اوصلت اليوم الرأسمالية المتأخرة الى نمط ومستوى من الهيمنة، سوف لن يكون المرء قادرا على تجميع ارادة الكثيرين، او خلق الوعي لدى الناس." وفي هذا ينطلق الكاتب من ان الماركسية هي "المنطلق الافضل" لنقد الرأسمالية. ويضيف: "... ولكن رؤية ماركس كانت شاملة ، وهنا ليس بالإمكان ان تختار بعض الجوانب وفق تقديرك ومصالحك."
وبالنسبة لماشادو يعني هذا ايضا، " وضع التثقيف في المقدمة، والذي يشمل كل الثوريين. وهو تثقيف يجب ان يكون مبدعا في ذاته ، وفي جميع جوانبه، في محتواه وفي الشكل الذي يتم فيه. و للأسف يكون التثقيف السياسي في كثير من الأحيان تكرارا للبديهيات، وبلغة قديمة، وكأن شيئا لم يتغير في العالم.ويمثل هذا تحديا لليسار في ان يكون خلاقا مرة أخرى، وهو بحاجة لمعرفة نفسه أكثر وتعزيز وعيه على اساس الالتقاء اليومي لروح النضال الثوري مع الحياة اليومية للمجتمع. ولهذا ليس لديه خيار آخر سوى مغادرة متاهة أساطيره ، و اخطائه والعقلية السابقة، و شباكه الثابتة. ان الابداع يعني دائما القطيعة مع أخطاء الماضي، ولكنه يعني الاستمرارية أيضا."
ويؤكد الكاتب أيضا على" ان وحدة الفكر والممارسة هي العنصر ألأساسي في العلم". ولهذا يجب ان يكون" الفكر اليساري المناهض للرأسمالية مصحوبا بالنشاط. ان يسارا يفكر فقط ويحدد المواقف والحجج، ولا يمارس عمليا الفعل السياسي، ولا يتجشم المخاطر ، ويلاحظ فقط المشاكل ومشاهدها، سيكون في الواقع متضررا جراء فقدانه للفهم العملي، وما عدا ذلك سيكون ضئيل او معدوماً الفائدة للمجتمع، وفي الغالب يؤدي الى نتائج عكسية. وليس مفيدا تسويد الصفحات وتضييع الوقت، وصنع الثورة على الورق، او بإلقاء الخطب والكلمات. ان الربط بين الفعل والتفكير يمثل مبدأ وجود اليسار كقوة للتغيير."
وبالنسبة لماشادو تتضمن وحدة الفكر والممارسة أيضا وحدة الممارسة والسلوك: " يجب ان يتوافق دائما تعامل اليسار مع ما يفكر به وما يقوله. ان سلوكية الاقناع تتجسد فقط بالممارسة السياسية. ... وهذا يعني ان بناء عالم جديد يبدأ فينا ، في الحركة الثورية، وفي تعامل اي فرد في هذه الحركة، في بناء نوع جديد من العلاقات داخل الحركة نفسها، والذي يتضمن ممارسة جديدة، سلوكاً مختلفاً يعكس الأخلاقيات الجديدة . “