على هامش (الربيع ) الثائر


ليث الجادر
2012 / 10 / 28 - 13:10     

واحده من اهم واخطر الدلائل على اشتداد حالة الصراع الطبقي واقترابها من وضع الحسم هي ظاهرة الفوضى الفكريه التي تجتاح منظومة الثقافه البرجوازيه وميل قسم من هذه الطبقه للانتقال الى حركة التغيير والثوره .. لكن هذا الميل غالبا ما يبقى وتبعا للطبيعه الخاصه لهذه الفئه مقتصرا على الجانب السياسي مما يجعلها تكتفي من الناحيه الفكريه والدعايه لها بالشعارات الثوريه وبالاطروحات العموميه المجرده ..فهم مع الحركه كيفما كانت لكنهم عاجزين تماما لان يكونوا في كينونتها.. وهذا يحدث لان الثوره لا يستحق موعدها بدفعه زمنيه واحده ولا يمكن من ان تنزل كالصاعقه بل هي حركة سيروره دوؤبه ,. وزمن ملامح شكلها النهائي لا يمكن ادراكه وتحديده الا من خلال مقاييس الفكر الماركسي وتاريخيته الماديه التي يجب ان تستحضر دوما بملازمة استحضارالمنهج الديالكتيكي المادي الذي يمارس دور الرقيب على التقييمات وتشخيصات الحركه وفرز ما هو خاص عما هو عام .. لقد كان (الربيع العربي ) في كل الاحوال ربيعا سياسيا بائسا بعد ان غدرت وبصوره مبكره دوافعه الطبقيه وحرفت باسرع ما يمكن شروط تمكين وعيها ..ونجاح القوى التي قامت بهذا الغدر كان يعتمد بدرجه رئيسيه على اطروحات ونشاطات تلك الفئه البرجوازيه التي تسابقت بكل اتجاهاتها في تثوير الانتفاضات سياسيا والتوقف بها عند هذا الوصف وهذا يعني عمليا انهم لم يكونوا فقط محجمين للوعي الطبقي بل انهم ايضا كانوا معادين له ..ويندرج ضمن هذه الفئه الاغلبيه الغالبه من القوى المتمركسه وميزات هذه القوى انها تمثل الاتجاه الفوضوي (الانكاري) متقنع بالاطروحات الماركسيه في حالتها التجريديه المعممه .. فيصبح لديهم معنى الثوره هو الحركه من اجل الحركه وما دامت الجماهير تتحرك لاسقاط النظام فهذا يعني لديهم بان ساعة الثوره الاجتماعيه قد قامت . الا ان اللافت للانتباه هو ان بعض هؤلاء المتمركسين في وقت يطرحون مشروعهم على انه عوده الى منابع الماركسيه الاصيله ؟! فيدعون الى الغاء النقد والعمل المأجور فورا... والى اقامة سلطة المجالس العماليه فورا.. ويناصبون العداء للاتجاهات الشيوعيه التي تمرحل باطروحاتها بناء المجتمع الشيوعي .. نجد ان هؤلاء الغريبي الاطوار يسارعون ويسابقون الاخريين في حماستهم للانتفاضات التي تتاجج احداثها في ميدان يصر فيه المنتفضون على نفي اية صله لهم بالوعي الطبقي وتوجهاته ! والاغرب من كل هذا فان طائفه من هؤلاء المتمركسين وبعد ان انكشفت عورة نتائج الربيع العربي مازالت وباصرار مبتذل تؤكد على ان ما جرى في الربيع المنصرم هو حدث ثوري ومن ثم يجب اعادة كرته ..وواحد من مبررات وصفهم وتقييمهم لثورية الربيع هو تاكيدهم على ان حدثه قام على اساس مطلب الجماهير الملح لاصلاح النظام السياسي وتحقيق الحريه السياسيه باتجاه اقامة نظام ديمقراطي نيابي !..هكذا وبكل سذاجه يخلع هؤلاء المتمركسون مسوح الراديكاليه الماركسيه وينقلبوا راجعين الى مفهوم التمرحل .. فالديمقراطيه النيابيه وحسب رايهم هنا ستفسح الطريق لتطوير النضال الطبقي وتنفتح به على افاق النصر المبين ..اما كيف يحدث هذا ؟..فانهم هنا ينقسمون في الاجابه ,الاتجاه الاول الغالب عليهم يؤكد على ضرورة تحويل الديمقراطيه الى نظام يقدس الحريه الشخصيه والتي لا تعني لهم الا حرية الممارسه الغرائزيه والاشكال السلوكيه المرتبطه بها.. اما الاتجاه الثاني فيحاول من ان يحفظ لنفسه نوعا من التوازن النظري والذي لا يمكن من ان يتم هنا الا بتناول الاطروحات الفكريه الماركسيه بصيغ غايه في التجريد واكثرها تعميما ولفظيه ..فحينما يسال هؤلاء عن ماهو الحل لتجاوز حالة الهزيمه وسلبية نتائج الربيع المزعوم الثوريه ..يكتفون بالرد وهم مرغمين بوجوب تنظيم نضال الطبقه العامله والارتقاء بها الى المستوى الذي يؤهلها لانتزاع السلطه من البرجوازيه ..وكيف يتم هذا ؟ يجيبون بضرورة انخراط الطبقه العامله وسائر الطبقات المظطهده في نضال يومي يقوده حزبهم .. واي حزب هذا ؟ هو الحزب الشيوعيى العمالي .. وما هو منهج الحزب هذا وما هي اليته في تحقيق مشروعه ؟ الية الحزب هي مجمل النشاطات التي يقوم بها الحزب لتنظيم النضال اليومي للعمال ..!! وهكذا تاخذ صيغ دعايتهم للماركسيه مسار اللف والدوران لتكون حصيلة المتلقي منها هباب في يباب ..ان خطورة هذا النهج الذي يعتمد صيغة الجدل البيزنطي تكاد تكون معدومه او غير مؤثره على صعيد الواقع الا في حالات نادره وسبب هذا يكمن في حقيقة غياب الكيان التنظيمي وانحسار فعاليته الواقعيه .. لكن الخطوره المحتمله تكمن في المحاولات المستمره والمتواصله من قبل بعض الجهات الاعلاميه الليبراليه في ابراز والدفع باطروحات هذا الاتجاه وتسويقه على انه الحارس الامين للماركسيه وان لهذا الاتجاه كيان حزبي وتنظيمي فاعل ..وبما اننا على يقين بان هذا الحزب لا يستطيع اذا استوجب الامر منه من ان يعبء موقف عشرون شخص وربما اقل من هذا العدد في تظاهره او اي شكل من اشكال النضال على ارض الواقع وليس في فضاء الانترنيت الافتراضي .. فاننا نرى ان من واجبنا التصدي لمثل هذه المحاولات التي لابد وان تكون في نتيجتها محاوله لتضليل الراي وتحميقه , كما اننا نرى من المناسب هنا ان نلفت انتباه تلك المنابر الاعلاميه الى ان مثل هذه المحاولات تسيء مبكرا الى سمعتها ومصداقيتها ..وان كثيرا من العراقيين اللذين كانوا يتابعونها باتوا ينظرون اليها بعين الشك ويتعاملون معها بكثير من الريبه