خربشات على جدار الليبراليين الجدد في مجتمعاتنا


وليد يوسف عطو
2012 / 10 / 19 - 17:00     

الليبراليون الجدد يمثلون الحامل السياسي والاقتصادي والفكري والثقافي لليبرالية الغربية المعولمة وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية في الترويج لسياسات العولمة الغربية ومفاهيمها والترويج لافكار الليبراليين الجدد في الغرب الاوربي والامريكي.ويتم استخدام الليبراليون الجدد في مجتمعاتنا من خلال ارتباطهم بالدعم والتمويل المباشر من قبل المؤسسات الثقافية الغربية او بصورة غير مباشرة بتاييد كتاباتهم وتسليط الضوء عليهم . وسواء اكان هناك ارتباطا بين الليبراليين الجدد في مجتمعاتنا وبين مراكز العولمة الثقافية والسياسية او لم يكن , فالنتيجة واحدة في الحالتين ,وهي التبشير بالمشروع الامريكي المعولم في اقامة (شرق اوسط جديد ),يقوم على هدم مفهوم الدولة القومية القائم على فكرة العروبة والاسلام ,والذي كان سائدا ,والقيام باعادة تقسيم المنطقة الى دويلات قائمة على اساس هويات فرعية ,عرقية , طائفية واثنية يتم من خلال ذلك تفكيك الدولة والنسيج الاجتماعي ويتم على اثر ذلك نهب ثرواتنا من قبل الغرب والعمل على جعل مجتمعاتنا سوقا حرة استهلاكية للبضاعة الغربية
ماهي سمات خارطة الطريق لليبراليين الجدد في مجتمعاتنا ؟
يكتب كنعان مكية مؤلف كتاب ( جمهورية الخوف )وهو المشارك في برنامج (تحرير )او (غزو ) العراق قائلا :
على المثقف كي يحدث قطيعة مع تاريخ علاقته بهويته اولا ,وبعلاقة هذه الهوية بالاخر الغرب ثانيا ,تحطيم ذلك النسق الثقافي الكامل الذي تكون منذ مرحلة النهضة .اي مرحلة التعرف الى الاخر الممتدة من منتصف القرن الثامن عشر حتى منتصف القرن العشرين ,وذلك ابان حصول تلك الدول ( الناهضة ) على استقلالها
يقول الكاتب محمد غازي الاخرس في كتابه ( خريف المثقف في العراق ): ( ان مايعد (فاجرا ) و ( خائنا ) بالنسبة لذلك النظام الذي تكونت الهوية حسب الياته ,لن يعود كذلك طالما حطم النسق وتم الانعتاق من اساره . وهكذا وجدنا العراقيون بعدالغزو الامريكي واحتلال العراق في عام 2003 يقاتل بعضهم بعضا ,ويكره بعضهم بعضا .لقد تحولت ( العمالة ) و ( الخيانة )الى (صداقة )و ( تحرير ) .
وهكذا تم تدمير المقدسات الثقافية التي كانت سائدة واخلت الطريق لليبرالية الجديدة للعمل .
اول شروط الليبراليين الجدد في مجتمعاتنا العربية هو التطبيع السياسي والاقتصادي والثقافي مع اسرائيل , وليكن بعد ذلك الطوفان .
قال احدهم من هؤلاء الليبراليين الجدد : على الساسة العراقيين اطاعة الاميركان في كل مايعملونه نقطة بنقطة وخطوة بخطوة .
هكذا وصلت العلاقة مع الغرب الاوربي والامريكي من حالة عداء مستدامة ,الى علاقة ذيلية , علاقة الخادم بسيده . يكتب محمد غازي الاخرس قائلا :( يمثل مكية ظاهرة زائلة . لكنه عرض لاشياء عدة في ان . انه يمثل المثقف الذي يخدم السلطة من غيرتردد . وكلما كانت السلطة اعظم ,كلما اصبحت شكوكه اقل )
وهكذا تجد الليبراليون الجدد في بلداننا ينبهرون بانجازات الغرب , ولايفرقون بين الانجازات العلمية وبين سياسات تلك الدول تجاه شعوبنا . وبذلك اصبح هؤلاء المثقفين حاضنة للمشروع الثقافي والسياسي والاقتصادي الغربي المعولم .
انهم كهنة وقساوسة الارساليات التبشيرية المسيحية الذين ترسلهم حكوماتهم الغربية للتهيئة لغزو بلداننا .
في كتابه الثاني (القسوة والصمت )هاجم مكية المثقفين العرب الذين اتهمهم بالانتهازية واللااخلاقية لانهم اما اشادوا بانظمة عربية مختلفة او لزموا الصمت على الانتهاكات التي تقترفها الحكومات المختلفة ضد شعوبها .لم يقل مكية شيئا بالطبع عن تاريخ صمته هو بالذات واشتراكه في الجريمة كاحد المستفيدين من سخاء النظام ). هكذا هم الليبراليون الجدد من العرب .انتقدوا الاخرين ولكنهم لزموا الصمت تجاه انفسهم وتعاونهم مع البعث الاسدي والصدامي .وهم الذين كانوا يلبسون الزيتوني ويشاركون في تمجيد (القائدالضرورة ) و ( الحزب القائد ) من خلال كتاباتهم وتنظيراتهم واشعارهم . وهم اليوم يعلنون برائتهم من سيدهم بعد ان تحولوا الى موالاة السيد الامريكي الاعظم الساكن في البيت الابيض ليروجوا للجنة الليبرالية !!!.
في مقابلة كنعان مكية مع صحيفة الغارديان البريطانية يقرر مكية ان ( اسرائيل بنيت على انقاض 400 قرية فلسطينية ,ولكن هناك ثلاثة او اربعة الاف قرية دمرها النظام العراقي ... اذا كنت تعيش في العراق لن تكون فلسطين سؤالك المركزي ) .
وهكذا ووفق هذا السياق والقياس الارسطي تصبح اسرائيل اكثر ديمقراطية وليبرالية وعدالة اجتماعية من نظام صدام حسين بسبب تدميرها لقرى فلسطينية اقل مما دمره صدام من قرى عراقية .ولهذا تجد بعض الليبراليون الجدد يستميتون في الدفاع عن اسرائيل وعن ( ديمقراطيتها ) وانجازاتها ويستاسدون علينا .وتجدهم علقميين اكثر من ابن العلقمي الذي يقال انه سلم مفاتيح بغداد الى المغول . هؤلاء الكتاب الليبراليون يستخدمون مفهوم ( القتل الرمزي ) في محاربة خصومهم الفكريين . والقتل الرمزي يعني ترسيخ فكرة قتل الاخر عن طريق الاشارة سواء كانت لغوية ام غير لغوية , كان يعمد شخص الى تقطيع اوصال دمية تمثل شخصا حقيقيا .في محاكمة صدام حسين , مورست عملية (القتل الرمزي )من قبل الرئيس المخلوع نفسه , حين داب خلال اولى جلسات محاكمته على اتخاذ وضعيات معينة تحاول ايصال رسائل واشارات تتضافر مدلولاتها لتادية معنى (القتل الرمزي ) لاعضاء المحكمة . من ذلك توجيه اصابع يديه نحو القاضي بهيئة تشبه اطلاق نار رمزي على القاضي . وكذلك استخدامه القلم الذي بدا مثل سيف .
هكذا هم الليبراليون الجدد الذين نعرفهم .يستخدمون اسلوب الكروبات والشلل لتطويق الكتابات المضادة لهم وقتلها رمزيا عن طريق ارسال اعداد كبيرة من التعليقات المستهزئة بكاتب المقال والهجوم عليه ومحاولة تلويث سمعته واخلاقه على طريقة البعث الفاشي في محاولة رمزية لقتل الاخر المخالف لهم ومع ذلك يتحدثون عن انفسهم بانهم ديمقراطيون وليبراليون , عجبي !!!
وهم دائما يكررون نفس العبارات حين يتهمون الماركسيون والشيوعيون والقوميون العروبيون باستخدام (الشتائم ) و (التخوين ) و ( العمالة ) و ( الصهينة ). وهي محاولة نفسية برد هذه الكلمات الى اصحابها , وبالتالي محاولة قتلهم رمزيا باعادتها اليهم ..ودائما يرددون هل من مزيد ؟ .وعندما يسكت المخالفون لهم يقول الليبراليون الجدد: اين المؤدلجون ؟ .
ان هؤلاء الليبراليين الجدد لايستطيعون العيش الا من خلال الضد النوعي الذي يجب ان يكون موجودا دائما ليهاجموه .يمثل الليبراليون الجدد من خلال هجومهم ذوات طفيلية تعمل على تصغير وتحقير الشيوعيين والماركسيين واليساريين والقوميين العروبيين . هم لايستطيعون الكتابة بدون الضد – النوعي المشابه لهم في الجنسية والوطن والمخالف لهم في المعتقد السياسي والثقافي .
حاولت الليبرالية الجديدة بناء رؤية سياسية اعتمادا على ركيزتين , اولاهما ,اعلان براءتها من نظام الدولة القومية المتخم بالعنف والصراعات السياسية .وثانيهما استعارة شعارات العولمة الراسمالية المتمثلة في الديمقراطية وحقوق الانسان ,بهدف اضفاء شرعية وطنية ودولية على حركتها السياسية .هؤلاء الليبراليون الجدد يدعون الى حقوق الانسان ولكنهم يساندون اسرائيل في سياساتها العنصرية . وينكرون وجود سياسات عنصريةاسرائيلية بالاساس !. يقولون ان لاوجود للصهيونية الا في مخيلة اليساريين .وعندهم (اي الليبراليون الجدد )تتحول الصهيونية الى ( وطنية ) و ( قومية ) . يتشكل الوسط الاجتماعي لليبراليين الجدد من البرجوازية الصغيرة وخاصة شرائحها العاملة في الوسط الاعلامي والسياسي وفئات التكنوقراط المندمجة في الشركات الوطنية والفعاليات الاقتصادية الخدمية الخارجية .
افضت عولمة راس المال الى انسلاخ التيار الليبرالي في البلاد العربية عن قاعدته الاجتماعية التاريخية المتمثلة بالبرجوازية الوطنية وانحيازها الى القوى الاقتصادية الطفيلية الجديدة , المتحالفة مع الاحتكارات الدولية . ان ارتباط هؤلاء الليبراليون براس المال المعولم يجد تعبيره في فك الارتباط بين المسالة الوطنية والديمقراطية من خلال تغييب المصالح الوطنية وتطور قواها الطبقية . يتميز الليبراليون الجدد بتبشيرهم بسلبية الشعوب العربية – الاسلاية وكسلهم واميتهم , وجينات تخلفهم الاقتصادي والثقافي الموجودة فيهم .
لخص الكاتب الفلسطيني جوزيف مسعد في ظاهرة بروز كنعان مكية وفؤاد عجمي الى الانتفاضات السياسيةوالثقافية التي هزت اميركا في عقد الستينات والسبعينات حيث لجا الخطاب العنصري الاميركي المهيمن الى استقطاب نمط من المفكرين ليشكلوا مضادا نوعيا لجهة انتمائهم الى ثقافات اخرى مثل العربية والافريقية .ان وظيفة هذا المضاد النوعي تكمن في القيام بمهمات كانت ملقاة على عاتق الاميركيين انفسهم . بمعنى ان مقولة الاسلام دين ذو طبيعة عنفية ستكون اكثر اقناعا فيما لو انطلقت من مثقف مسلم من ان تنطلق من برنار لويس (جوزيف مسعد – صحيفة الحياة اللندنية عدد يوم 3 – 12 – 2002
يدعو الليبراليون الجدد الى الغاء تاريخ الحركات والاحزاب الوطنية وكفاحها الوطني الهادف الى التحرر والحياةالكريمة .ومحاكمتها للماضي بروح تفتقر الى الشروط الموضوعية الهادفة الى بناء مستقبل تتلاقح فيه انجازات حركات التحرر الوطني مع تنشيط الكفاح الى بناء الدولة الوطنية .
ان تيار الليبراليون الجدد في البلاد العربية جاء كردة فعل على اخفاقات الحركات الوطنية والانظمة القومية التي تحولت الى مؤسسات قمعية .
كتب عبد الحميد حاج خضر وهو باحث في الفقه السياسي الاسلامي المعاصر بالمانيا في مقالة بعنوان ( الليبرالية الجديدة رجس من عمل الشيطان ):
( الليبراليون الجدد يصبون جام غضبهم على بائس فقير في مدينة الصدر ببغداد ,لانه لم يستكن للذبح والنهب والسلب المنظم باجهزةالكومبيوتر . لقد اصبح الفقر سبة وشتيمة وسببا لامتهان كرامة الانسان عندهم .الليبراليون الجدد طابور من انصاف المثقفين ,ولو حملوا القاب علمية باهرة . الم يقل فقهاء المعرفة (شهادة بلا علم خير من علم بلا شهادة ) ؟ . لقد غرهم ان يعرفوا بعض الرطانة بالانكليزية وعاشوا على فتات الثقافة السادية , واستحوذ عليهم شيطان المال والانانية .يتباهى الليبراليون الجدد بانهم ضد الاستبداد , ولكن الكثير منهم , وحتى عهد قريب , كانوا من سدنة واقلام المستبد , ( بل كانوا من كتاب التقارير من بعثيين وناصريين وباقي القوميين والتعبير لكاتب المقال ) , اما اليوم فالاستبداد والطغيان عندهم نوعان :استبداد عروبي اسلامي يجب اجتثاثه وسحقه , واستبداد امريكي صهيوني يجب تسويقه وتذوقه ,بكل موبقاته التي يحملها المشروع الامريكي المعولم .
يرى هؤلاء الليبراليون ان من واجباتهم اخراس الاصوات التي تدعو الى الفضائل ومكارم الاخلاق ,والنيل من مصداقيتها , ووصمها بالارهاب والتعصب , ومعاداة الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان .يظن الليبراليون انهم يعيدون اكتشاف العجلة عندما يرددون كالببغاوات ادعاءات اسيادهم الصهاينة عن تخلف العقلية العربية وعجزها الجيني عن استيعاب الجديد .
لقد ظن هؤلاء ان المهمة التي اوكلت اليهم سهلة يسيرة لاتحتاج الا الى سلاطة لسان . كانت الطامة الكبرى بالنسبة لليبراليين الجدد ان السواد الاعظم من الامة تنبذهم ,وزاد الطين بلة ان الجالية العربية الاسلامية التي تعيش على ضفتي الاطلسي تزدريهم وتمقتهم .ان الملايين من العرب والمسلمين الذين جاؤا الى الغرب الاميركي او الاوربي لكسب العيش ,كانوا يبيعون خبرتهم ومعارفهم وقواهم في سوق العمل ,ولكن لم يبيعوا ضمائرهم في سوق النخاسة والعمالة .ان الليبراليين الجدد لم يعرفوا حياة الشقاء والكد في عنابر المعامل , وفي انفاق المناجم , وفي جمع القماهة من الشوارع ) .
يحرص الليبراليون الجدد على تكرار نسبية الحقيقة والمقصود ضمنا الحقيقة الماركسية والقوانين الاجتماعية. ولكن المشكلة ليست هنا , بل في سعيهم لتمييع الحدود الفاصلة بين الفكر السائد ونقيضه .حيث يذهب بعضهم الى حد التساؤل حول معنى اليسار واليمين في عالمنا المعاصر.وحول جدوى الصراع الطبقي , ووجوده اصلا . وحول الفائدة من خوض الصراع الايديولوجي ضد الراسمالية المعاصرة , وحول انتفاء او نهاية فائض القيمة باعتباره فائضا اسطوريا كامنا في عقلية الماركسيين والشيوعيين وليس فائض حماقة متغلغل في عقلية الليبراليين الجدد في البلاد العربية . كل ذلك ليس طرحا ساذجا , خاصة عندما يطرحه ماركسيون سابقون ,فهو الطريق الانسب لتسهيل انتقالهم من ضفة الى ضفة اخرى معاكسة .وذلك عبر تقصير المسافة بينهما , حيث يذهب البعض منهم الى غض النظر عن مشاريع الاطلسي الاحتلالية من البلقان مرورا بافغانستان والعراق ,بل والى حد اعتبارها شرطا من شروط تقدمها . ولايتردد هؤلاء الليبراليون من تشبيه دور الاطلسي بالدور السوفييتي . كما لايخفي اعضاء التيار الليبرالي الجدد نظرتهم السلبية لعادات المنطقة وثقافتها وطموحها .وهم يكشفون شعورهم بالدونية تجاه اسيادهم في الغرب الاوربي والامريكي , فتراهم متحمسين لتبني افكارهم ومشاريعهم ,حتى لو كانت تستهدف حقوقنا ومصالحنا . وهم اي الليبراليون الجدد تراهم شديدي الحماس للتعاون مع القوى الانفصالية في المنطقة بحجة الدفاع عن حقوق الاقليات وحقوق الانسان وحق تقرير المصير .
في الختام يبقى الليبراليون الجدد في منطقتنا يمثلون ماقامت به الارساليات التبشيرية الكنسية والتي مهدت الطريق امام الغزو الاستعماري الغربي لمنطقتنا .
على المودة نلتقيكم ...
المصادر
1 – (الليبراليون الجدد –جدل فكري ) تاليف شاكر النابلسي – ط1 – محفوظة لدار الجمل في كولونيا بالمانيا – بغداد – 2005 2 – (خريف المثقف في العراق 1990 – 2008 )تاليف محمد غازي الاخرس – الناشر التنوير للطباعة والنشر والتوزيع – 2001-بيروت – لبنان