السمات الفكرية المشتركة بين العصر الاقطاعي في اوروبا وبين الحالة العربية الراهنة......................


غازي الصوراني
2012 / 10 / 12 - 21:24     

في العصر الاقطاعي الذي عاشته اوروبا في الفترة من القرن الرابع الميلادي حتى القرن السابع عشر، هيمنت الايديولوجية الدينية على الحياة الفكرية ، حيث تحولت الفلسفة الى خادمة للاهوت عبر طابعها الرجعي التصوفي وكان مبررها ان الحكمة والمعرفة تتم فقط عبر الوجد الصوفي ورفض التجربة او طريق العقل ، لقد انحطت الفلسفة والأخلاق في هذا العصر الى درك التصوف والسحر والاساطير .ابرز فلاسفة هذا العصر : افلوطين (205-270م) الذي قال ان التطور يبدأ بالالهي الذي لا يمكن الاحاطة به ويجب الايمان به ، ثم اوغسطين(354-430م) الذي تأثر بالافلاطونية الجديدة (التي وضع اسسها افلاطون) واعتنق المسيحية فيما بعد ، من اقواله "الانسان يملك الحرية ولكن كل ما يفعله بارادة مسبقة من الله" الحياة الدنيوية سقوط وانفصال عن الازلي واتصال بالناقص الجزئي" " اننا نعرف الله لا بالتفكير بل بالاعراض عن التفكير" ، وبسبب هذه المواقف تحولت الفلسفة الى "علم" جنوني بالغيب وامتزاج الايمان بالسحر، حيث سادت بالاكراه أخلاق الاستستلام للواقع أو الطبقة الحاكمة وللغيب في آن واحد .
بعد ذلك ظهرت الفلسفة السكولائية (المدرسيةscholasticism) خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر ، وهي فلسفة تأثرت بالافلاطونية المحدثة، ومثَّلت التيار الرئيسي في فلسفة المجتمع الاقطاعي ، كان السكولائيون أعضاء مؤثرين في الرهبنة المسيحية وكانوا اعضاء في محاكم التفتيش ، من اهم مفكري هذا التيار توما الاكويني (1225-1274م) الذي خاض صراعا حادا ضد فلسفة "ابن رشد" (1126 – 1198 م) ومنهجه العقلاني...من اقوال الاكويني "ان الايمان والعقل يشكلان وحدة منسجمة ولا يختلفان بعكس ابن رشد" ، وفي حالة وجود التناقض فان المخطىء هو العقل لا الايمان او الفلسفة لا اللاهوت ، وان الحاكم يجب ان يخضع للسلطة الروحية التي يقف على رأسها المسيح في السماء والكنيسة على الأرض " لقد كانت "التوماوية" بمثابة المرتكز الفكري للكنيسة الكاثوليكية المهيمنة على عقول الناس في ذلك العصر.
مجابهة السكولائية: بدأت المجابهة عبر عدد من المفكرين كان من أبرزهم العالم الفيلسوف روجر بيكون (1214-1294م. )؛ الذي أعلن أن "الوصول إلى الحقيقة يتطلب إزالة العوائق التي تعترض المعرفة " وأهم هذه العوائق عند بيكون: رواسب الجهل وقوة العادة والتبجيل المفرط لمفكري الماضي، وأن أفكارنا الصحيحة يجب أن تثبت بالتجربة " .
إن المغزى الذي ندعو إلى استخلاصه من هذا الاستعراض لبعض جوانب الفلسفة عموماً وفي العصر الإقطاعي على وجه الخصوص يكمن في امكانية توفير بعض المقومات الفكرية اللازمة لعقد المقارنة الموضوعية لبعض أوجه السمات الفكرية والثقافية والاجتماعية والأخلاقية المتردية في وطننا العربي التي تتقاطع أو تتشابه في جوهرها أو في نتائجها مع المقومات الفلسفية والفكرية والاجتماعية التي عرفتها أوروبا في العصر الإقطاعي ، الذي تميزت فلسفته بأنها:-
1. تبرير قهر واستغلال الفلاحين والفقراء باسم الدين .
2. تكريس مصالح الطبقة الارستقراطية بقوة البطش والارهاب .
3. لم تتطلع إلى البحث عن الحقيقة، فقد كان هم معظم المفكرين في هذه المرحلة إثبات صحة العقائد الدينية لتثبيت مصالح ملوك أوروبا والكنيسة ورموز الإقطاع .
إن الفكر الإقطاعي لم يهتم ببحث المسائل المطروحة بل زجَ في إطار النتيجة المسلم بها، وكان لابد للفلسفة القائمة على مثل هذه الأسس أن تسير في درب الانحطاط في ظروف بدأ فيها يتعزز العلم ليتحول إلى ميدان بحث مستقل نسبياً، وهذا ما حدث عندما بدأ أسلوب الإنتاج الجديد يتشكل في أحشاء المجتمع الإقطاعي مفسحاً الطريق لعصر النهضة والتنوير والديمقراطية بعد أن تم كسر هيمنة الكنيسة على عقول الناس....وهنا تتبدى حاجة الشعوب والمجتمعات العربية للتنوير والمعرفة العقلانية وفق منطلقات ورؤية يسارية تنبثق من اتون الصراع الطبقي ضد قوى الاستغلال والرجعية والتخلف من ناحية ومن اتون الصراع التحرري الوطني والقومي ضد الوجود الصهيوني الامبريالي من ناحية ثانية.
التنوير :
إن الغاية من وراء تناول مفهوم التنوير ، تتحدد في حاجة احزاب وقوى اليسار إلى تعميق الوضوح المعرفي العلماني الديمقراطي الثوري، لهذا المفهوم ، بما يحقق اسهامنا في مجابهة مظاهر التخلف الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، بكل ابعادها المادية والفكرية، التي تنتشر اليوم في بلادنا بصورة غير مسبوقة، عبر مشهد الإسلام السياسي، الذي وجد فيه التحالف الإمبريالي الصهيوني فرصة لتكريس احتجاز تطور مجتمعاتنا العر
بية عبر تراث ماضوي وعلاقات اقتصادية متخلفة تتطابق عبر تبعيتها مع النظام الرأسمالي العالمي.
وهنا بالضبط تتجلى مهمة احزاب اليسار في إطار نضالها التحرري الديمقراطي من أجل استبدال وتجاوز المنطق الموروث وسلبياته المعرفية ، بمنطق العقل والمعرفة العلمانية ، والتنوير، من خلال وعي رفاقنا ، أن الوصول إلى الحقيقة يتطلب إزالة العوائق التي تعترض التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، متسلحين بمفاهيم التنوير والحداثة والعلمانية والديمقراطية وفق محددات ، الهوية الفكرية الماركسية المتجددة المتطورة ومنهجها المادي الجدلي.

العرب وتحديات التنوير والاستنارة والعقلانية والثورة :

يبدو ان انظمة الاستبداد العربية عموما وانظمة البترودولار الرجعية العميلة خصوصا ، الى جانب ضعف تأثير وهشاشة القوى اليسارية ..مهد الطريق الى انتشار وفوز حركات الاسلام السياسي عبر استغلال بساطة وعي الجماهير وعفويتها ...الامر الذي ادى الى تعزيز وتعميق اوضاع التخلف الاجتماعي في كل البلدان العربية ،وتزايد الهيمنة الامبريالية والصهيونية والكومبرادورية على مقدرات شعوبنا، بحيث يمكن القول بأن هناك نوع من الكسل والتعب الحضاري الذي يهيمن اليوم على الإرادة العربية ويجعلها تنام على أوساخها تهرب من تحديات التنوير والاستنارة والعقلانية والثورة وكل قيم ومفاهيم الحقبة الحديثة، وهذا يفسر تمسكها بنوع ساذج من الدين، هذا التمسك يريحها ويسوغ لها هذا الكسل. لذلك علينا أن نفسر هذا الكسل وهذه الهروبية من الواقع. وبالتأكيد فهي مرتبطة، بسيادة الدولة الريعية المسنودة نفطياً، لكن علينا أن نجري مزيداً من الدراسات التاريخية والاجتماعية/الطبقية والسيكولوجية لامتنا وشعوبنا.انطلاقا من ادراكنا أن أكبر تجسيد للأفكار التي يرتعب العرب الرجعيين، وكل قوى وتيارات اليمين من مجابهتها هو فكر ماركس الثوري الديمقراطي التغييري في اطار الصراع الطبقي وتحقيق الثورة الاشتراكية.