ستالين وسياسة إرهاب الدولة


طريف سردست
2012 / 10 / 9 - 16:49     

ستالين وسياسة ارهاب الدولة
نحى ستالين نحو استعمال الترهيب والتطهير الجماعي منذ محاولة الاغتيال الفاشلة ضد لينين، كما استخدمها لتصفية الاجنحة الحزبية المنافسة له على قيادة الحزب، كما رأينا سابقا، ثم حولها الى سياسة دولة، في الداخل والخارج.

لايجب ان نعتقد ان الارهاب، الذي مورس من قبل ستالين، نتيجة شخصية ستالين، التي تشكلت تحت تأثير عوامل المجتمعات البطرياركية الشرقية وحدها، بدون جذور في فكر الثورة الروسية. في الواقع يتحمل لينين المسؤولية الاولى في استخدام الثورة البلشفية للارهاب الجماعي على نطاق واسع، وشرعنته، إنطلاقا من مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، بدء من إعدام القيصر وعائلته، نساء واطفالا، بأمر من لينين شخصياً، 17 يوليو 1918. ثم بعد محاولة اغتيال لينين الفاشلة، وبالترابط مع ان محاولة الاغتيال استهدفت ايضا رئيس التشيكا المحلي ( البوليس الثوري) استنتج لينين ان هناك عملية ارهاب مضاد للثورة، يستوجب الرد عليه بإرهاب ثوري مضاد وواسع وقاسي، بدون اية رحمة. أصدر لينين، 4-5 ديسمبر من عام 1918، ديكريت، يقول فيه:" جميع الثوريين اليمينيين، المعروفين لمجالس السوفيتات المحلية، يجب أعتقالهم على الفور. من الضروري إعتقال أكبر كمية ممكنة من البرجوازيين والضباط . في حال صدور أي شكل من أشكال عدم الاذعان يجب على الفور تنفيذ أعدامات جماعية.... بدون ذرة من التردد، بدون ذرة من الشك يتوجب تنفيذ الارهاب الجماعي". Paavolainen, Jaakko, Röd och vit terror (1986)

وفي تلغراف أرسله لينين، بالعلاقة مع الحدث ذاته اعلاه، كتب يقول:" من الضروري، سراً وبصورة مستعجلة، البدء بسياسة الارهاب". وقبل ذلك كان لينين قد أرسل تلغراف مستعجل، للبدء بإرهاب جماعي في نيجني نوفاغورد، يحث على ممارسة الارهاب الجماعي لقمع انتفاضة السكان المدنيين هناك (2). يقول لينين:" ايها الرفاق. ان انتفاضة الكولاك في مقاطعاتكم الخمسة يجب تحطيمها بدون اي انتظار. يجب ان نجعل منهم مثالا. اشنقوهم، ( وانا اعني اشنقوهم علنا لنجعلهم عبرة- القوسين والتأكيد للينين) على الاقل عشرة كولاك. الاوباش الغنية، ومصاصي الدماء، انشروا اسمائهم، وصادروا ثرواتهم غنيمة، افعلوا كل هذه الاشياء، بحيث لمسافة أميال حولهم، الناس ستستوعب الدرس. قولوا لهم اننا سنقتل الكولاك المتعطشين للدم وسنستمر بفعل هذا. بالمناسبة، استخدم اكثر الناس صرامة ( نصيحة لينين للشخص الذي أرسل اليه الرسالة)" التوقيع لينين. http://en.wikipedia.org/wiki/Red_Terror

هذا المحتوى يجعلني اعتقد ان لينين، لربما كان متأثر بالاستراتيجيات التي قدمها الاسلام، النظري والعملي، على الاخص، وجزئيا، في الاية التي تقول:" (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) محمد .

في سبتمبر من عام 1936 قام ستالين بتعيين نيكولاي جيزوف Nikolai Yezhov رئيسا على لجنة قوميساريي الشعب للامن الداخلي، NKVD, للقضايا الدولية، مخلفاً سلفه البولوني Genrikh Yagoda, الذي جرى أعدامه، لاحقا، في 15 آذار من عام 1938 بتهمة التواطوء مع تروتسكي. وقد تم إعتقاله الى جانب الرفاق ليف كامنييف وغريغوري زينوفيف، بنتيجة تلفيق قضية كيروف. كان التخلص من ياغودا لامفر منه لكونه على إطلاع على تفاصيل تلفيق القضايا، وعلى الاخص لفشله في الحصول على مايرضي ستالين من البراهين ضد نيكولاي بوخارين.

نيكولاي جيزوف، قام على الفور بتقديم براهين الاحلاص والطاعة لسيده الجديد، معتقلاً جميع الاعضاء المتقدمين ممن صدر عنهم اعتراضات على سياسة ستالين، في جميع انحاء الاتحاد السوفيتي. كانت الشرطة السرية تحطم مقاومة المعتقلين من خلال تحقيقات مضنية، تنتهي بهم الى الاعتراف بما يطلب منهم الاعتراف به. كان من ضمن الاساليب إعتقال اعضاء من عوائل المتهمين وأعدامهم إذا لم يوافق المتهمين على الاعتراف. التحقيقات تستمر لبضعة ايام ، ليلا نهارا، ومع الوقت ينهك المعتقلين ويتبلبل تفكيرهم حتى يصلوا الى اللحظة التي يوقعوا فيها على إعترافاتهم الجاهزة.

عام 1936 جرى اعتقال الرفاق نيوكلاي بوخارين، اليكسي روكوف، غنريك جاغودا (الرئيس السابق للتشيكا)، نيكولاي كريستنسكي وخريستيان راكوفسكي. جميعهم اتهموا بالمشاركة في مؤامرة تروتسكي ضد ستالين. بعد محاكمة صورية، واحدة في سلسلة محاكمات مشهورة تحت اسم " محاكمات موسكو"، حكم عليهم بالاعدام واعدموا جميعاً.
تروتسكي الذي كان قد غادر البلاد هاربا من ستالين ، في البداية الى تركيا ثم فرنسا والنرويج وفي النهاية طلب اللجوء في المكسيك، بعيدا قدر الامكان عن ارهاب ستالين. غير ان ستالين أرسل اليه عميل ليقتله هناك، إذ ان أذرع الرفيق طويلة. المحاولة الاولى، جرت في 24 مايس من عام 1940، ولكنها فشلت. غير ان المحاولة الثانية نجحت، إذ ان القتلة تمكنوا من بناء صداقة مع تروتسكي سمحت لهم بالدخول اليه بحرية. وقد قتل تروتسكي بضربة فأس في 20 اغسطس من عام 1940. كان القاتل Ramon Mercader وحكم عليه بالسجن 20 عاما. غير انه حصل على لقب بطل الاتحاد السوفيتي، بعد إطلاق سراحه وانتقل للعيش في الاتحاد السوفيتي. كان تروتسكي قد وصف اللجنة المركزية في ظل إدارة ستالين انها "ديكتاتورية فوق البروليتاريا" وان الدولة السوفيتية هي " رأسمالية دولة" و " بونابرتية". كان لينين قد استخدم مصطلح " رأسمالية الدولة" في معرض دفاعه عن خطة النيب. آشار تروتسكي الى ان " البونابرتية في ايام لينين كانت محتملة، في ايام ستالين كانت أمر واقع".

بعد الانتهاء من المعارضين وتروتسكي، قرر ستالين ان الاوان قد حان لتنظيف الجيش الاحمر من معارضيه. بعض المؤرخين يعتقدون ان ستالين كان صادقا عندما أدعى انه يملك مايثبت ان الجيش يخطط لانقلاب عسكري في ذلك الوقت. ليوبولد تريبير، Leopold Trepper, رئيس حلقة المخابرات السوفيتية في المانيا ، يعتقد ان الاثباتات جرى تلفيقها من قبل عملاء مزدوجين يعملون لصالح هتلر وستالين على السواء. نظرية تريبير ان :" قادة دائرة مكافحة التجسس النازية، حصلوا على افضليات من الاهتياج الجنوني لستالين، من خلال تسريب معلومات تدفع ستالين الى إعدام كبار قادة جيشه".

في يونيو من عام 1937 وجهت الاتهامات الى ميخائيل توتشاتيفسكي وسبعة من كبار قادة الجيش الاحمر بالتواطوء مع الالمان. الجميع حوكموا واعدموا. وفي النهاية وصل مجموع الاعدامات بين اعضاء الجيش الاحمر الى 30 الف شخص. ذلك تضمن 50% من كافة الضباط، وهو الامر الذي يستند عليه ناقدي ستالين في تحميله مسؤولية هزيمة الجيش الاحمر، أمام النازيين، في بداية الحرب العالمية الثانية..

المرحلة الاخيرة من الارهاب الستاليني كان تنظيف دائرة قوميساريات الامن الداخلي. كان ستالين يريد ان اولئك الذين يعلمون الكثير من عمليات الابادة الجماعية ايضا يجب اعدامهم. أعلن ستالين على الشعب ان ان " عناصر فاشية" سيطرت على أجهزة الامن، مما أدى الى إعدام مئات من الابرياء. كان ستالين قد بدأ بالشك في رئيس شرطته السرية غنريغ ياغودا، ليقوم بفصله من مناصبه وإعتقاله، وعلى الاغلب جرى إعدامه عام 1938. في نفس الوقت قام ستالين بتعيين لافرينتي بيريه كرئيس لدائرة قوميساريات الامن الداخلي واعطيت له مهمة إكتشاف المسؤول عن سيطرة العناصر الفاشية المُدعاة. بعد التحقيقات نظم بيريه إعدامات لجميع قادة دائرة قوميسياريات الامن الداخلي..

محاكمة الواحد والعشرين، كانت اخر محاكمات التطهير الكبيرة، وقد جرت في موسكو آذار من عام 1938. من الناحية الرسمية كانت محاكمة " للجناح التروتسكي اليميني"، وهي المحاكمة الثالثة والاخيرة في سلسلة مايسمى " بمحاكمات موسكو". التهمة الرئيسية كانت " الانحراف اليميني" ومعاداة منهج ستالين. وقد وجهت لهم اتهامات " معاداة الوطن، الخيانة العظمى، التجسس، محاولة الهروب، الارهاب، تخريب مقدرات الجيش السوفيتي، تشجيع قوى اجنبية على اجتياح الاتحاد السوفيتي" إضافة الى إتهامات اخرى.
كان المحاكمين الرفاق:
1- نيكولاي بوخارين، منظر ماركسي، عضو في الاممية الماركسية وعضو في المكتب السياسي.
2- اليكسي ريكوف، فلاح سابق، عضو في المكتب السياسي.
3- نيكولاي كريستينسكي، فلاح الاصل، عضو المكتب السياسي، سفير الاتحاد السوفيتي في المانيا
4- كريستيان راكوفسكي، فلاح الاصل، سفير الاتحاد السوفيتي في فرنسا وبريطانيا.
5- هنريك ياخودا، فلاح الاصل، عضو قوميساريات الشعب للامن الداخلي.
6- اركادي روزينغولتز، قوميسار الشعب للتجارة الخارجية
7- فلاديمير ايفانوف، قوميسار الشعب لصناعة الاخشاب.
8- ميكائيل تشيرنوف، قوميسار الشعب للزراعة
9- جريغوري كرينكو ، قوميسار الشعب للمالية.
10- اسحاق زيلينسكي، سكرتير اللجنة المركزية
11- Sergei Bessonov
12- احمد اكراموف، قائد اوزبيكي
13- فايزولله اكراموف، قائد اوزبيكي
14- فاسيلي شارونكوفيتش، السكرتير الاول لبيلاروس ( روسيا البيضاء).
15- Prokopy Zubarev
16- بافيل بولانوف، ضابط في اللجنة الشعبية للامن الداخلي.
17- ليف ليفين، طبيب الكرملين
18- ديمتري بلنتيف، طبيب الكرملين.
19- ايغناتي كازاكوف، طبيب الكرملين،
20- Venyamin Maximov-Dikovsky
21-Pyotr Kryuchkov

جميع المتهمين حكموا بالاعدام ونفذ الحكم فيهم عدا ثلاثة، حكم عليهم بالسجن لفترات 25، 20، 15 سنة.

شاع سوء صيت قوميساريي الامن الداخلي، حتى انتشرت النكات الساخرة عن اساليبهم. احدى هذه النكات ، الشائعة بين المواطنين السوفيتيين، ان ستالين يخابر بيريه يخبره فيه انه فقد غليونه، طالبا البحث عنه. بعد ساعة يعاود ستالين مخابرة بيريه يعلمه انه عثر على غليونه. بيريه يجيب: آسف سيدي، لقد تأخرت، حتى الان اعترف ثلاثة بمسؤوليتهم عن فقدان الغليون.

أحدى أكبر جرائم ستالين كانت في معرض محاربته للدين. لم يكتفي بإرسال رجال الدين الى معسكرات العمل القسرية وإغلاق عدد كبير من الكاتدرائيات والكنائس والاديرة والجوامع، بل قام بحرق وتدمير الكثير من الايقونات والمعابد ذات قيمة تاريخية لاتعوض، بما يذكر بجريمة طالبان في تفجير تمثال بوذا التاريخي. حسب المؤرخ السوفيتي كوزنيتسوف }A. Kuznietsov artikel i månadstidningen Moskva (1/1990){ آشار الى ان التقديرات انه مابين 20-30 مليون ايقونة جرى تخريبها في الفترة مابين 1917 وحتى 1953. كما ان المعابد والكنائس التي بقيت سليمة حتى اليوم، ولسخرية القدر، هي التي جرى استخدامها كمراكز لإدارة عمليات تخريب المعابد او التي تحولت الى متاحف الالحاد. أحد اشهر الكاتدرائيات التاريخية هي كاتدرائية المخلص والتي جرى الانتهاء من بناءها عام 1883، واستمر بنائها 45 عاما. وقد جرى بنائها على شرف الانتصار على حملة نابليون عام 1812. كانت اكبر كاتدرائية في العالم ومزينة بثروة ليس لها نظير. من الذهب 422 كغ وبقية المعادن 176 طن. 1931 أعلن ستالين على صفحة جريدة برافدا ان الكاتدرائية ستهدم ليبنى على انقاضها القصر السوفيتي. في 5 ديسمبر جرى تفجيرها، بعد ان سرقت لجنة الامن الداخلي كافة ثرواتها. حتى اليوم لم يبنى " القصر السوفيتي"، وتذكرني هذه الاعمال بأعمال السلفيين الجهاديين الذين يحطمون الاضرحة والاثار التاريخية ومقدسات الاخرين، لاسباب عقائدية.

فيلم وثائقي عن جرائم ستالين http://www.youtube.com/watch?v=QF_fOHjWJMo

الحلقة القادمة: ستالين والتحالف مع هتلر