ستالين وتصفية رفاق الحزب


طريف سردست
2012 / 10 / 7 - 13:13     

ستالين وتصفية رفاق الحزب
في عام 1925 عزز ستالين سيطرته على اجهزة الحزب بحيث سمحت له بالتعرض لتروتسكي وعزله من مناصبه الحكومية. بعض اتباع تروتسكي عرضوا عليه القيام بإنقلاب عسكري. كان تروتكس قوميسار الحرب، ولذلك كانت لديه القدرات على القيام بالانقلاب. غير ان تروتسكي رفض العرض وترك منصبه.

مع غياب تروتسكي لم تعد هناك حاجة لدى ستالين للتشارك بالسلطة مع ليف كامينيف وجريغوري زينوفيف. والان بدأ ستالين بالتهجم على فكرة تروتسكي بضرورة الثورة العالمية. كان يركز على ان من اولويات الثورة الروسية هي حماية الثورة الاشتراكية وتطورها في روسيا، إذ ان لينين قد اشار الى إمكانية انتصار الثورة الاشتراكية في دولة واحدة. هذا الامر وضع كامينيف وزينوفيف في وضع محرج. لقد كانوا على الدوام من اتباع الثورة العالمية، على اساس أنه إذا لم يمكن تصدير الثورة الى العالم فإن النظام السوفيتي يصبح في خطر، وسيبقى محاصرا من النظام الرأسمالي حتى يسقط. غير انهم لم يملكوا الرغبة للدفاع عن قناعاتهم السابقة لكي لاتصب في صالح تروتسكي الذي وقفوا ضده فترة طويلة وكانوا من اسباب ابعاده.

عندما تأكد ستالين ان كامينيف وزينوفيف ليست لديهم الرغبة للتعاون مع تروتسكي ضده، بدأ بالدعم العلني للسياسة الاقتصادية التي يرفعها الخط اليميني في المكتب السياسي من امثال بوخارين، تومسكي، ريكوف. Nikolay Bukharin, Mikhail Tomsky and Alexei Rykov. الرفاق كامينيف وزينوفيف فهموا اخيرا الى ماذا يسعى ستالين واضطروا الى بلع كبريائهم والتحالف مع تروتسكي ضد ستالين، عام 1926.

في النهاية، عندما بدأ كامينيف وزينوفيف بنقد خطط وسياسات ستالين، أدعى الاخير انهم يهدمون وحدة الحزب، ونجح في إخراجهم من اللجنة المركزية. كان الخوف من حدوث انقسام الحزب شديد بين الشيوعيين. لقد كانوا على قناعة راسخة انه في حال حدوث انشقاق، سيستغل الغرب ذلك على الفور لاجتياح بلاد السوفيتات.

بضغط من اللجنة المركزية وافق كامينيف وزينوفيف على توقيع تعهد بعدم خلق اضطرابات سياسية في الحزب من خلال خطاباتهم السياسية التي ينتقدون فيها السياسة الرسمية. ليو تروتسكي رفض التوقيع على التعهد فجرى نفيه الى اقاصي كازاخستان.

التصنيع والارهاب
عام 1927 أشار مستشاري ستالين الى ان الزراعة تحتاج الى تحديث، وذلك يتطلب 250 الف تراكتور. وبتزايد عدد التراكتورات سيحتاج الامر الى تطوير حقول النفط لتزويد التراكتورات بالوقود. إضافة الى ذلك يحتاج الى بناء محطات كهرباء لتزويد المزارع بالكهرباء.

منذ انتصار ثورة اكتوبر كانت نجاحات الصناعة بطيئة للغاية. فقط في عام 1927 وصلت مستويات الانتاج الصناعي الى مستوياتها قبل الحرب العالمية الاولى. لذلك قرر ستالين استغلال سيطرته التامة لتحديث الصناعة.
الخطة الخمسية الاولى وضعت في التطبيق عام 1928. كانت تهدف الى تطوير صناعة التعدين والمكائن والمعدات ورفع طاقة النقل وانتاج الكهرباء. وضع ستالين اهداف عالية لنمو الانتاج. لقد طالب برفع انتاج الفحم 111% ، ورفع انتاج الحديد وصناعاته بنسبة 200% ورفع انتاج الكهرباء بنسبة 335%. كان يبرر هذه الارقام أنه إذا لم نتمكن من تحقيق التصنيع السريع ، فإن الاتحاد السوفيتي لن يتمكن من الدفاع عن نفسه ضد اجتياح الغرب الرأسمالي.

في كل معمل كانت هناك لائحة كبيرة معلقة يشار فيها الى الحصة الواجب انتاجها من قبل كل عامل. الذي يفشل في الوصول الى المعدل المخطط يتعرض للنقد والتعنيف العلني. بعض العاملين لم يستطيعوا الصمود امام هذه الضغوطات وزادت ايام تعرضهم للمرض. بدوره، أدى ذلك الى زيادة تعرضهم لاجراءات تأديبية. وكانت الادارة تشرف على توثيق جدوال التأخر والغياب وسوء السلوك، من قبل العمال. إذا تجاوزت ايام الغياب المستوى الغالب يتهم العامل بمحاولة تخريب الخطة الاقتصادية الخمسية، وإذا ثبتت التهمة يمكن رميه بالرصاص أو يرسل الى معسكرات العمل الاجباري.

مع زيادة تحديث الصناعة اقترح ستالين زيادة أجور بعض انواع المهن من اجل حثهم على زيادة الانتاج. معارضيه اليساريين انتقدوه مدعين ان ذلك سيعني خيانة للاشتراكية وسيؤدي الى خلق نظام طبقي جديد في الاتحاد السوفيتي. غير ان ستالين فرض وجهة نظره، وفي الثلاثينات زادت الفروق في الاجور، بين العمال والعمال المهنيين.

في صيف عام 1932 كان ستالين على وعي ان معارضة سياسته في ازدياد. بعض اعضاء الحزب توجهوا بالانتقاد العلني الى ستالين وطالبوا بإعادة الاعتبار لتروتسكي. عند مناقشة المسألة في المكتب السياسي طالب ستالين بإعتقال الناقدين وإعدامهم. سيرجي كيروف، الذي بقي مواليا لستالين حتى تلك اللحظة، وقف ناقدا لسياسة ستالين. عند التصويت، غالبية اعضاء المكتب السياسي ايد كيروف ضد ستالين.

في ربيع عام 1934 طرح كيروف خطوط سياسة جديدة سعيا نحو التقارب وتخفيف التوتر الاجتماعي. لقد اشار الى ان من الواجب اطلاق سراح جميع السجناء من الذين عارضوا سياسة التحول الى التعاونيات الزراعية الاجبارية وتصنيع المجتمع. ومن جديد صوت المكتب السياسي لصالح أقتراح كيروف وبقي ستالين في طرف الخاسرين.

بعد سنوات من ابعاد المعارضين وتعيين المؤيدين في المناصب الحزبية، وجد ستالين انه لازال غير قادر على الوثوق بالدعم التام من الناس الذي عينهم في المناصب. كان ستالين قلقا على الخصوص من رغبة كيروف بمناقشة ستالين علنا بما يؤدي الى اهتزاز صورة ستالين امام الناس والحزب.

إغتيال كيروف وأعدام المنافسين
وكما هي العادة، ذهب ستالين وكيروف الى الاستراحة سوية ذلك الصيف. ستالين، الذي كان يتعامل مع كيروف وكأنه ابنه، أستغل هذه الفرصة لاقناعه بالبقاء على ولائه لقيادته. اقترح ستالين على كيروف ان ينتقل من لينينغراد الى موسكو. كان ستالين يأمل ان يكون كيروف في مكان قريب ليبقى تحت مراقبته. غير ان كيروف رفض العرض، ومع رفضه فهم ستالين انه فقد قدرته على التحكم بربيبه.

وكما هي العادة يعمل الحظ الى جانب ستالين فيقتل منافسيه في مصادفات غريبة. في ديسمبر من عام 1934 أغتيل كيروف على يد احد اعضاء الحزب الشيوعي الشبان ليونيد نيكولاييف. ستالين قام شخصيا بالسفر مباشرة الى لينينغراد ( مكان الجريمة) صاحبا معه كل اعضاء المكتب السياسي. وفي مكان الجريمة قام ستالين بالتحقيق بنفسه مع نيكولاييف، ليدعي فيما بعد، ان نيكولاييف عضو في مؤامرة كبيرة، ضد الدولة السوفيتية، يقودها تروتسكي. ترتب على هذا الاتهام اعتقال ليف كامنييف، غريغوري زينوفييف، وخمسة عشر عضو اخر من اعضاء الحزب الشيوعي. عمليا قام ستالين بإستغلال الحادث للتخلص من جميع معارضيه في قيادة الحزب. لاتوجد اية وثائق رسمية عن مجرى استنطاق ليونيد نيكولاييف، غير انه في وثائق قوميساريات الامن الداخي نجد ، عن نيكولاييف، النص التالي يقول:" لقد وعدني ستالين بالحفاظ على حياتي إذا كشفت كل المتعاونين معي، اي هراء هذا. من يمكنه الوثوق بديكتاتور. ليس لدي متعاونين". Низовский А.Ю., Непомнящий Н.Н. 100 великих тайн. - М.: Вече, 2000, с. 475 - 476.

بعد أغتيال كيروف بما توافق مع مصلحة ستالين، سرت إشاعات على ان ستالين يقف خلف عملية الاغتيال. بعد المؤتمر العشرين، وبأوامر من خروتشوف ، جرى تشكيل لجنة خاصة، على رأسها Н. М. Шверником وبمشاركة البلشفية القديمة اولغا شاتونفسكي Ольги Шатуновской , للتحقيق في ظروف اغتيال كيروف. بعد التحقيق مع اكثر من ثلاثة الاف شخص ، وحسب الرسالة التي قدمتها شاتونفسكي، إعتمادا على شهادات خروشوفا، ميكويانا، وياكوفولوفا Н. Хрущёва, А. Микояна и А. Яковлева, عُثرت على دلائل موثقة ، تسمح بالقول ان ستالين وقوميساريات الشعب للامن الداخلي هم الذين نظموا عملية الاغتيال. هذا ماذكره خروتشوف في مذكراته. إضافة الى ذلك اشارت شاتونفسكي الى أن هناك شكوك في إدعاء ستالين أنه ضبط وثائق تدين الرفاق الذين أعدمهم. (المصدر:
http://www.peoples.ru/state/king/russia/stalin/index1.html
الفقرة 1930)

في عام 1990 ، في عهد غورباتشوف، جرى إعادة التحقيق في عملية الاغتيال من قبل المدعي العام للاتحاد السوفيتي. هذه المرة كان الاستنتاج أنه :" لاتوجد معطيات عن مشاركة ستالين او قوميساريات الشعب للامن الداخلي في عملية اغتيال كيروف". غير أن غالبية المؤرخين، اليوم، يعتقدون ان عملية الاغتيال جرت بتخطيط مباشر من ستالين، في حين ان الاقلية تعتقد انها عملية فردية معزولة. غير ان الجميع متفقين على انه لاتوجد اية علاقة للاغتيال بأعضاء الحزب، السبعة عشر، الذي قام ستالين بإعتقالهم وتصفيتهم، مستغلاً عملية اغتيال، تشير اليه اكثر مما تشير الى خصومه.

الحلقة القادمة: ستالين وسياسة ارهاب الدولة