حول فكرة الاضراب السياسى العام


محمود محمد ياسين
2012 / 9 / 26 - 22:22     

تعقيب على د.عبد الله على ابراهيم حول فكرة الاضراب السياسى العام

ذكر الحكيم الاغريقى أيسوبوس (Aesop ) فى احدى حكاياته الخرافية ان الاسد قال للرجل” توجد كثير من التماثيل التى تصور رجالاً يذبحون اسوداً، ولكن لو كان فى استطاعة الاسود النحت لوُجدت مجموعة مختلفة من التماثيل.“ وأراد بها ان تدل على انه لكل مسالة وجهان. وكذلك فان الاضراب السياسى العام لثورة اكتوبر التى قام بها الشعب السودانى فى 1964، موضوع هذا المقال، له وجه آخر.

فى مقال له بعنوان ”2 يوليو 1961: ذكرى نصف قرن لميلاد فكرة الإضراب السياسي العام الأكتوبري“، وتزامناً مع المظاهرات التى حدثت إعتباراً من مساء السبت 16 يونيو 2012 فى المدن السودانية احتجاجا على التدهور السياسى والاقتصادى فى البلاد، تطرق د. عبد الله علي إبراهيم لدور ما اسماه الاتجاهات اليسارية فى تنفيذ خطة الاضراب السياسى التى وضعها الحزب الشيوعى للاطاحة بحكم عبود العسكرى. فتحت عنوان فرعى ” الاتجاهات اليسارية والإضراب السياسي العام“ كتب د. ابراهيم قائلاً:

” كان الحزب متحوطاً لإفساد الإضراب السياسي من الثوريين بقدر إفساده من الديكتاتوريين. وعليه تربص بالاتجاهات اليسارية في داخله التي جعلت تنفيذ الإضراب واجب الساعة لا عملية طويلة من المد والجزر. وكانت مديرية الحزب الشيوعي باالنيل الأزرق (مدني) بقيادة المرحوم يوسف عبد المجيد هي الأطول باعاً في تعاطي الإضراب السياسي العام كموضوع للتنفيذ الفوري المباشر. واجتمعت بهم سكرتارية الحزب لتراجعهم في ذلك الفهم الطاغي في أدبهم الجماهيري. ونشرت السكرتارية حصيلة اجتماعها في مجلة الشيوعي (117 بتاريخ 14-10-1963). وخلصت إلى أن رفاق مدني لا يأخذون في الاعتبار نضج الأزمة الثورية في تزكيتهم كل إضراب كدخول في الإضراب السياسي العام وأن كل صيحة به ستلبى. ورأت إن مثل تلك الاتجاهات اليسارية تلحق "أضراراً بليغة بقضية الإضراب السياسي". وقالت قيادة الحزب إن ميقات تنفيذ الإضراب العام رهين بقدرات الطبقات الاجتماعية وطاقاتها. وليس مهماً التوقيت ولكن المهم التجييش ليوم النزال. “

وفى فقرة اخرى من نفس المقال يمضى الكاتب قائلاً :
” ليس ميلاد فكرة الإضراب السياسي العام مما نحتفل به. فحتى الشيوعيون الذين تربت الفكرة في عزهم لم يجعلوها مأثرة للتفكر فيها. وهذا محزن لأن الفكرة وتنفيذها هما ترياق من روجوا لأكتوبر (والثورة) كفعل "عشوائي. وليس مهماً هنا أن معظمهم أراد أن يبخس الشيوعيين أشياءهم. اهم أن الثورة صارت لمن أرادها لقية أو ضربة حظ لا يسهر عند تكتيكها وتنظيم قواها بنظر إلى علم الثورة. فصارت كل مظاهرة إنتفاضة وكل مصرع شهيد أكتوبر أخرى. “

وردد د. عبد الله علي إبراهيم تقريباً نفس المعلومات (وغيرها) فى مقال اخر له بعنوان ” ربيع ثورة أكتوبر 1964: عبد الخالق محجوب مايسترو التكتيك“، وسنحاول فى مقال قادم التعرض بالتفصيل لبعض ما اورده الكاتب فى هذا المقال. نكتفى هنا بالتعليق على فكرة الاضراب السياسى العام من خلال نفى صحة ما نسبه للاستاذ يوسف عبد المجيد حيال هذه المسالة كما هو وارد فى المقتطفين اعلاه.

اليسارية التى نسبها د. عبد الله على ابراهيم للاستاذ يوسف عبد المجيد غير صحيحة وايرادها ياتى خدمة ومؤازرة لمن لهم مصلحة فى تحريف الصورة الحقيقية لطبيعة الصراع داخل الاجهزة العليا للحزب الشيوعى السودانى فى اوائل ستينات القرن الماض (واليسارية أو التطرف اليسارى يُعنى بها،اختصاراً، التيارات داخل الماركسية التى تجنح لمواقف تتطرف على يسارية الماركسية وتكليف الجماهير بمهام فوق طاقتها واستطاعتها)؛ وما ذكره الكاتب الكبير لا يتفق مع الحقائق العنيدة. فالى الحقائق ( التاريخية):

عندما كان الاستاذ يوسف عبد المجيد يمارس نشاطه السياسى، متفرغاً بالحزب الشيوعي، وسط المزراعين والعمال الزراعيين فى الجزيرة خلال فترة حكم عبود العسكرى، بدا يوضح دور العمال الزراعيين فى الانتاج وطبيعة الاستغلال الواقع عليهم وبالتالى مكانتهم بين فئات المزراعيين. واخذ يوسف يدعو الى ايلاء مسألة تنظيم العمال الزراعيين الاولوية فى عمل الحزب. والعمال الزراعيون لم يكن لهم تنظيم مستقل، وجرت اول وآخر محاولة لتنظيمهم فى 1954 وقف ضدها بعنف كل من ” الحكومة وادارة المشروع بكامل موظفيها والمزارعين الميسورين وملاك الاراضى المجاورة للمشروع؛ وقف كل هؤلاء بعنف شديد ضد محاولات العمال الزراعيين التى أخذت تشق طريقها من أجل تنظيم اتحاد العمال الزراعيين.“–– يوسف عبد المجيد،اجراء الريف، دار عزة –– وانبه القارى ان "اجراء الريف" كتب فى 1968.

دعا الاستاذ يوسف عبد المجيد الى ” استنهاض العمال الزراعيين وتنظيمهم تنظيما طبقيا مستقلا وتعبئتهم فى اتجاه مصالحهم الوطنية.“ ولكن هذا لم يعجب عبد الخالق محجوب وجماعته الذين رموا بثقلهم فى اتجاه تركيز العمل وسط كبار المزارعين؛ فمنذ البداية شرع الحزب فى ” تنظيم ...الميسورين من المزارعين واتجه نحوهم ولم يتجه نحو العمال الزراعيين. وأهمل العمل وسطهم....وكانوا يبررون ذلك بالخوف من حدوث اصطدام بين المزارعين والعمال الزراعيين ويظهرون العمال الزراعيين فى صورة الناس الغير مسموعى الكلمة ويصورون وضع المزارعين باعتباره أكثر سوءاً من العمال الزراعيين. ويصلون بذلك الى أن المزارعين لا يساهمون فى استغلال العمال الزراعيين.“–– اجراء الريف. وهكذا انطلق يوسف من الواقع المحدد الذى عاشه يوم بيوم لسنوات طوال جعلته يدرك من خلال الدراسه الدقيقة لهذا الواقع وباجراء التحليل الطبقى ان التناقض الرئيس فى مشروع الجزيرة هو بين كتلة المزارعين (بفئاتها المختلفة) مضافاً اليها العمال الزراعيين وبين الحكومات المركزية التابعة، ومضى وحدد ان اساس التحالف بين قوى الريف هم العمال الزراعيين ( يشكلون الاغلبية واساس الانتاج بالمشروع والاكثر ثورية لاعتمادهم على العمل الاجور) وفقراء المزارعين. كما لم يفته ان يوضح ان طبيعة التناقض بين العمال الزراعيين وفقراء المزارعين من جهة وبين كبار المزارعين ليس تناقضاً عدائياً. فهو يقول ” إن التناقض الاساسى فى الريف فى ظروف بلادنا الحالية هو على وجه التحديد بين كتلة المزارعين والعمال الزراعيين من جهة وبين الحكومات التى تتبع سياسة الاستمرار فى جعل بلادنا مورداً للمواد الخام وتربط تسويق محاصيلنا بالسوق الاستعمارية وتتبع سياسة اقتصادية وجمركية ومالية تهدف الى خراب البلاد وارتفاع فى اسعار الضروريات........وباختصار فان التناقض الاساسى هو بين الشعب من جهة وبين سياسات التبعية للاستعمار ومواقعه الاقتصادية فى بلادنا من شركات وتوكيلات وبنوك ومعونات وقروض وشبه اقطاع .....وهذا الفهم ضرورى وبصورة خاصة وضع المزارعين لان هؤلاء كلما ساءت حالتهم بفعل سياسات الحكومة ونهب الاستعمار وامتيازات البروقراطيين يحاولون تضييق الخناق أكثر واكثر على الاجراء باعتبار أن أجورهم هى سبب المصاعب التى تلم بهم. “–– اجراء الريف. اين اليسارية فى هذا الكلام الذى كُتب فى 1968 والذى استقيت نتائجه من الواقع ونادى كاتبه بوضعه كاساس لعمل الحزب؟ ثم متى واين دعا الاستاذ يوسف عبد المجيد ”للاضراب السياسي العام كموضوع للتنفيذ الفوري المباشر“؟

خلافا لما ذكره الكاتب فان المفارقة المدهشة فى مسألة الاضراب السياسى العام هو ان يوسف عبد المجيد لم يطالب بتنفيذه فوراً، بل اعترض عليه بصورتة الغير محترفة (amateurish) التى وضع بها! لانه وضع بلا محتوى مما حّد من افقه التاريخى. فقد وضع الحزب وسيلة الاضراب كهيكل فارغ جامد على ارضية مجردة خاوية من تحليل شامل للوضع الطبقى واتجاهات تطوره. كان الهدف الاطاحة بالحكومة والسلام، وليس اعتبار الاضراب وسيلة لها اهداف محددة لرفع الصراع الى مستوى سياسى واعى منظم يوجه ضرباته للاستغلال الخارجى وشبه الاقطاع........ وموضوع الاضراب السياسى بصورته تلك كان منسجماً مع توجه عبد الخالق محجوب الرافض لتصعيد الاحتجاجات المطلبية للعمال الزراعيين وفقراء المزراعين التى دعا لها الاستاذ يوسف عبد المجيد بشدة لرفع الوعى السياسى والطبقى لدى جماهير تلك الفئات. فالشئ الذى وقف عبد الخالق محجوب وجماعته ضده ليس مطالبة البعض بالتنفيذ الفورى للاضراب السياسى بل الاضرابات المطلبية السابق ذكرها لانه لم يكن يريد كشف الغطاء عن طبيعة الصراعات الطبقية فى الريف. ومعروف ان عبد الخالق محجوب كان يعارض اية محاولة لاجراء تحليل طبقي للمجتمع السوداني وهذا يعنى رفضه القيام بمهة الماركسى الاساسية وهى ادخال الوعى الطبقى فى المجتمع، والا كيف يكون تحليله للاحداث بمعزل عن الطبقة كاداة للتحليل بدون ادراك تركيبة الطبقات فى المجتمع ومتابعة التقلب فى خارطتها عبر الزمن فى ضوء تطورات الواقع.(1) وادراك طبيعة التركيبة الطبقية فى الواقع هو ما فعله يوسف عبد المجيد، عن طريق التحليل الملموس للواقع الملموس، فى مشروع الجزيرة كما ذكرنا سابقاً. أما عبد الخالق محجوب لم يحصر توجهه نحو النخبة فقط، بل توقف فى حدود العقلانية و (نظرية الحداثة القديمة)؛ وفى كلمات يوسف عبد المجيد ان جميع كتابات الحزب الشيوعى كانت ” موجهة إلى ما يسميهم الصادق المهدى وعبد الخالق محجوب بالمستنيرين، وجميع المحاولات تستهدف هؤلاء المتنورين. لقد اختفت جميع الكلمات الطبقية لتحل محلها الكلمات الخروتشوفية التى تخفى وتنكر وجود الطبقات والصراعات الطبقية خدمةً لمصالح الطبقات المستغلة ومحافظة على وجود هذا الاستغلال.“–– اجراء الريف.

ونشير هنا لما كتبه د.عبد الله على ابراهيم نفسه حول نقد يوسف عبد المجيد لقيادة الحزب من قضية العمال الزراعيين وانصرافها ” عن العمل بين العمال الزراعيين بمشروع الجزيرة الذى ياتى اكثرهم من العناصر الافريقية السوادنية أو الوافدة الذين هم ضعف المزراعين بالجزيرة......وبهذا طمس الحزب الشيوعى، فى راى يوسف، الصراع الطبقى خشية ترويع (أصحاب العباءات البيضاء) من المزارعين. فقد حارب هؤلاء المزارعون الاثرياء بوادر التنظيم النقابى للعمال الزراعيين فى الخمسينات.......وقد علم الشيوعيون خلال انقسام 1970 حكمة يوسف. فقد خرجت عليهم صفوة قيادة المزارعين، التى استثمروا فيها طوال إنشغالهم بريف الجزيرة، وانحازت لنظام مايو.....وجرت ملاسنات حامضة حول هذا الامر بين الاستاذ عبد الخالق محجوب وشيخ الامين عضو اللجنة المركوية للحزب وقائد حركة المزارعين.“ –– عبد الله على ابراهيم، أصيل الماركسية: النهضة والمقاومة فى ممارسة الحزب الشيوعى السودانى، مركز البحوث العربية والافريقية، القاهرة2007.

الالحاح على الدعوة المجردة لجعل الاضراب السياسى مأثرة للتفكير كقيمة مطلقة وطرحها بدون مضمون و محتوى فكري واجتماعي يعنى التفكير خارج التاريخ. وفى هذا الخصوص لا يفتأ د. عبدالله على ابراهيم يذكرنا دوما فى كتاباته برأيه الصائب بان ازمة السودان تقف وراءها هيمنة الرأسمالية المحلية التابعة التى يحول تمكنها من الحكم دون تقدم بلادنا الكفيل باخراجها من اسر التخلف. واذا كان الامر كذلك فهذا يعنى ان الحل يكون فى كسر التبعية وتحرير الإرادة الوطنية والسيطرة على ثروات البلاد، وهذا لن يتحقق، كما يدل الصراع فى عالم اليوم الذى تعيد فيه القوى العظمى اقتسام العالم، بشراسة، بعد ان بلغت ازمتها أوجها، الا بمعارك كثيرة تستوجب استخدام مختلف الاسلحة. فالسودان بلد زراعى مترامى الاطراف تعمه فوضى من المصالح المتضاربة اغلبية سكانه غير منظمة ذات وعى ضعيف ترزح فريسة لشتى انواع الاستغلال والتضليل السياسى، وصار الاسلوب السائد فيه لنيل المجتمعات المحلية مطالبها فى العيش الكريم هو العمل المسلح. لكل هذا يصبح التعويل على سلاح الاضراب السياسى فقط لنيل التحرر الكامل نوعا من الهزل. الاضراب العام (السياسى و/أو الاقتصادى) مثله مثل العمل المسلح والنضال البرلمانى وسيلة واسلوب لتحقيق استراتيجية معينة. فالاضراب العام ليس معادلاً للاستراتيجية السياسية، بل طبيعة الاخيرة تفرض هذا الشكل او ذاك من اساليب العمل.
——————————————
اما الوجه الآخر للاضراب العام وثورة اكتوبر يتمثل فى فشلها. يقول د. عبدالله على ابراهيم فى عدم الاهتمام بكتةبر مآثر ثورة اكتوبر ” ..أن الثورة صارت لمن أرادها لقية أو ضربة حظ لا يسهر عند تكتيكها وتنظيم قواها بنظر إلى علم الثورة........“ ، يقصد علم الثورة الذى علمتنا له اكتوبر. ولكن اين التكتيك وعلم الثورة فى تجييش قوى أكتوبر؟ الحديث عن ماثرة اكتوبر فى علم الثورة فيه (كثير من المبالغة)! فثورة أكتوبر (وهى بالمقاييس العلمية انتفاضة وليس ثورة) يتوجب التعلم منها كانتفاضة عظيمة ولكن سلباً، وأقصد بهذا ان نتعلم منها الاشياء (الاخطاء) التى يجب ان لا نكررها مرة اخرى. وفى مقدمة ما يجب تعلمه هو ضررورة التحديد الواضح للهدف المراد تحقيقه ومن ثم وضع الوسائل الكفيلة بانجازه بصورة منظمة وممنهجة بحيث لا تكون خبط عشواء.

كذلك اين علم الثورة فى اسلوب الاضراب العام لثورة اكتوبر الذى لم يوضع بمناى عن أى استراتيجة لتحقيق واجب رفع الوعى السياسي لجماهير الشعب فقط، بل طُرح ككابح للانفجارات الروتينبة للعمال والمزارعين ومن ثم تضييق افقها السياسى. قارن هذا بنظرة يوسف عبد المجيد التى تسامق علم الثورة فى ابهى معانيه عندما كتب حول الواجبات الاساسية لاستنهاض عمال الريف الاجراء فى ستينات القرن السابق قائلاً ” من المهم مراعاة جميع الشروط الضرورية واستكمالها من خلال عملية بناء التنظيم النقابى أو السياسى للعمال الزراعيين ..ومراعاة العلاقة بين الجانب الفكرى والوضع السياسى والنشاط العملى وتلخيص التجارب ووضعها ورفعها لمستوى النظرية، الاهتمام بعنصر الوعى والارتقاء به شرط ضرورى لا يمكن انكاره او اهماله او تغليب الجوانب الشكلية او التنظيمية عليه. إن فهم العلاقة بين عنصر الوعى وضرورة الاهتمام به والتنظيم يجنبنا اخطار الاوامر البيروقراطية ويخلق علاقة صحيحة بين قيادة التنظيم وقاعدته ويضمن اشتراك الجماهير الحماسى فى النضال من أجل تحرير نفسها بنفسها.“ –– اجراء الريف.

وعلى عكس ما يتصور د. عبد الله على ابراهيم فقد كانت انتفاضة اكتوبر مفاجئة للجميع بمن فيهم قيادة الحزب الشيوعى. وواحدة من اسباب فشلها هو ان قابل انفجارها العفوى المباغت اضراب عام اكثر عفوية لا هدف له غير اجبار حكم عبود العسكرى على الرحيل. وما كان اضراب 1964 الا نتاجاً تاريخياً للظروف الاجتماعية فى اللحظة التى حدث فيها نفذته الجماهير بادراكها الثورى الغريزى، وليس هناك ما يدعم ان نجاحه الكامل توقف على أى من الاحزاب الموجودة فى الساحة وقتذاك. وفى كل الاحوال كان الاضراب العام الخاوى من اى مضمون احد الاسباب التى عجّلت بهزيمة ثورة أكتوبر التى ابتلعها الطائفيون والرجعيون الآخرون لقمة سائغة.

وكلمة اخيرة: ثورة 1964 جزء من معارك متعددة سابقة وطويلة لاحقة هدفها تحرير الارادة الوطنية بتحطيم الراسمالية التابعة (الكمبرادور) وتحقيق الديمقراطية الحقة التى تمكن الشعب من السيطرة على مقدرات وثروات البلاد واخضاعها لرخائه وسعادته......وكلما ابتعد الزمن بالناس عن احداث ثورة 1964 ولم تعد الاشجار تمنعهم من رؤية الغابة صاروا أكثر وقاية من مزالق المعرفة الانطباعية الجزئية وبالتالى التمكن من التحليل السليم لاحداثها.

هامش:
1. ذكر التيجاني الطيب انه كان من بينهم فى الحزب الشيوعى منذ تاسيسه مَنْ يلح ” علي ضرورة صياغة تحليل طبقي للمجتمع السوداني ، فكان عبد الخالق يصر على أن هذا التحليل لن يتوفر الا بالمعرفة العميقة المباشرة للمجتمع ، والا تحولنا الي ناقلين للآخرين. وفي هذا الصدد كانت هناك محاولات لتصنيف المزارعين الي فقراء ومتوسطين وأغنياء وفق معطيات روسية أو مصرية، ولكنه عارض وظل يطالب لأن نعرف (علي الأرض) من هو المزارع الفقير حقيقة في مجال مشروع الجزيرة، وبنفس الطريقة رفض تنزيل المراحل الخمس لتطور البشرية على المجتمع السوداني.“ –– مجلة قضايا سودانية- العدد الرابع، ابريل 1994.