( 2 ) عشية المؤتمر الخامس لحزب الشعب الفلسطيني (الحزب الشيوعي الفلسطيني ) سابقا


طلعت الصفدي
2012 / 9 / 17 - 00:57     

عشية المؤتمر الخامس لحزب الشعب الفلسطيني
( الحزب الشيوعي الفلسطيني ) سابقا

(2)
الماركسية والمنهج المادي الجدلي

ليس مصادفة ،أن يتبنى حزب الشعب الفلسطيني ( الحزب الشيوعي الفلسطيني ) سابقا منذ عشرينات القرن الماضي الماركسية ،ومنهجها المادي الجدلي ،باعتبارهما الأداة الفاعلة والفعالة لفهم الواقع ،وصيرورة التغيير ،ومفتاح صياغة الاستراتيجية والتكتيك الثوريين للحزب ،وليس سرا أن أهتم الرعيل الأول وطليعيو الحزب بالتثقيف الحزبي والذاتي ،وفي الحلقات السرية ،واعتبار دراسة الماركسية واستيعابهما مادة اجبارية ،وتشجيع المعرفة والدراسة والبحث والتحصيل العلمي ،واستيعاب تجارب الشعوب الثورية الساعية للتحرر من الغزو الاجنبي وبناء المجتمع الاشتراكي. للأسف فقد تراجع التثقيف الحزبي والذاتي ،وفقدنا ادوات التحليل ،وتعطل تحصين الثوريين أمام دعاة المفاهيم البرجوازية والليبرالية والأصولية الاسلامية التي ترعرعت في غياب منظومة ثقافية ثورية ،للمحافظة على مصالح طبقاتها ،ولا تخدم مصالح الجماهير الشعبية من عمال وفلاحين ومثقفين ثوريين ،فالمبادئ الثورية هى مبادئ الانسان المتقدم الطليعي المحب لوطنه، وشعبه، المثقف الواعي لما يجري من حوله ،الانساني والمستعد للتضحية من أجلها.

فلمعرفة قوانين التطور في الطبيعة والمجتمع والتفكير البشري ،واكتشاف سر الصراعات الدائمة في المجتمع الطبقي ،ودور الأحزاب السياسية التي تسعى للوصول الى السلطة السياسية عن الطريق الوسائل السلمية او العنيفة أو الانقلابية ،فان الجماهير الشعبية بحاجة لحزب ماركسي ثوري يمتلك ادوات للتغيير،وفلسفة تعبر عن مصالحها تدلها على طريق الخلاص من الاحتلال القومي والطبقي ،من العبودية الانتاجية ،ووقف سرقة عرق وقوت العمال والكادحين ،وتعدهم بالخلاص من الظلم والقهر الى مجتمع انساني يؤمن بكرامة الانسان ،ويسعى لتوفير مقوماته الحضارية دون ارهاب وخوف . ان التاريخ البشري يؤكد ان كل مجتمع لم يكن سوى تاريخ نضال بين الطبقات ،وتناحر بينها ،لقد مرت البشرية بخمس تشكيلات اجتماعية اقتصادية بدءا من المشاعية الابتدائية مرورا بالعبودية فالإقطاعية فالرأسمالية نحو الاشتراكية ،وفي ظل المجتمع الطبقي تعمل الدولة على حماية مصالح طبقتها ،وإخضاع كل مؤسسات الدولة تحت سيطرتها ،والاستيلاء على مقدرات الدولة ،وتستخدم كل وسائل العنف والإرهاب ضد معارضيها الداخليين بلا رحمة او شفقة ،وبالحروب واحتلال اراضي الدول الاخرى خارجيا ،وتحتاج لتبرير سطوتها الى فريق من المنظرين والمستخدمين يروجون لمصالحها ومفاهيمها الفكرية ،وخلود بقائها في السلطة ،كحكومة ربانية ،وأى محاولة لتغيير الواقع فان عضلاتها وأنيابها المسمومة تبرز ضد كل المعارضين الذين يتوقون للتغيير وفي مقدمتهم الجماهير الشعبية من العمال والمثقفين الثوريين والتنويريين .

ان الجماهير المسحوقة ،تخوض النضال ،وتنتفض ضد جلاديها من أجل التغيير والتطور وحل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية ،تبحث عن أداة التغيير ،لا تؤمن بثبات القهر والاستبداد ،فجاءت الماركسية كمفتاح لحل مشاكل المجتمع ،ولتفسير الثورات الاجتماعية والطبقية ،وبأداة تحليلها العلمية المنهج المادي الجدلي . ولكن هل الماركسية وصفة جامدة وجاهزة تصلح لكل زمان ومكان؟ هل يكفي أن يقرأ الانسان كتب ماركس وانجلس ولينين حتى يصبح ماركسيا ؟ ان دراسة الماركسية تعني استيعاب الطريقة الماركسية ،وكيفية استخدامها في معالجة سائر القضايا والمشاكل التي تواجه المجتمع وكيفية الوصول الى أعماق الظواهر الاجتماعية ومعالجتها. ويشهد التاريخ أن حزب الشعب الفلسطيني ( الحزب الشيوعي الفلسطيني ) سابقا قد نجح في الاجابة على العديد من الاسئلة وطرح مواقف متقدمة منذ أكثر من ستين عاما لمعالجة القضية الوطنية والاجتماعية والاقتصادية ،أثبتت الحياة صحة تنبئه واستنتاجاته وصدق تحليلاته السياسية والطبقية والفكرية ...!!! ان الماركسية هى علم من أكثر العلوم حياة ،وهى نظام منسق من الاراء بصدد العالم المحيط بالإنسان وبصدد قوانين تطور هذا العالم وطرق معرفته ،وهى السلاح المجرب ،وأداة قوة في برامج الاحزاب الماركسية والقوى الثورية .

ان الماركسية ترتبط ارتباطا عضويا بالمنهج المادي الجدلي ،فعندما تضع الجماهير اهدافا محددة في أثناء نشاطها ،فإنها تبحث عن الأساليب الفعالة لتحقيق تلك الاهداف ،المنهج يعني الطريق الذي يوصلها الى الهدف ،والمنهج الجدلي هو المنهج الأكثر صحة لمعرفة الواقع والعمل على تغييره تغييرا ثوريا ،ولان الاشياء والظواهر في الطبيعة والمجتمع والتفكير البشري توجد موضوعيا ،وفي حركة دائمة ومترابطة تحكمها مجموعة من قوانين التطور والحركة ،كقانون تحول التغيرات الكمية الى تغيرات نوعية ،وقانون وحدة وصراع الاضداد ،وقانون نفي النفي ،والعلاقة القانونية لظواهر الواقع مثل السبب والنتيجة ،والضرورة والصدفة ،والإمكانية والواقع ،والخاص والعام ،كيف يمكن استخدام هذه القوانين والمقولات في التحليل الماركسي لظواهر المجتمع المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،وكيف تتحول لسلاح بتار بيد الحزب الثوري لمواجهة الظلم والاستبداد ،وكيف يمكن ان يستنبط الحزب حلولا لمشاكل الواقع التي تتعرض لها الجماهير ؟؟

على الرغم من اننا متهمون بتبعيتنا للاتحاد السوفيتي السابق ،وأنها اذا امطرت في موسكو نرفع مظلاتنا ،فقد تأثرنا بالبروستريكا ،وحاول البعض أن ينقلها الينا باعتبارها وسيلة لتطوير وإدارة حزبنا ولحمايته من الانزلاق والتراجع ،من تأثيرات الارتداد في الاتحاد السوفيتي وبلدان اوربا الشرقية ،وإعادة الروح الثورية للحزب ،وقد يكون استشرافا للمستقبل ،وقد تلقف البعض تلك المفاهيم حتى دون فهمها ،وراح ينظر لها وكأنها البلسم للجروح ،وفقد الحزب في احدى مؤتمراته العامة بوصلته الفكرية والطبقية التي كانت تميزه عن بعض التنظيمات التي تدعي الماركسية ،وتوهم البعض من أهمية بروز منابر ومواقف مختلفة بعيدة عن الهيئات التنظيمية وروح الانضباط ،وأحيانا مواقف سياسية متناقضة لا تعبر عن وحدة الارادة والعمل التي تميز هذا الحزب ،ولكن سرعان ما استعاد الحزب بوصلته الفكرية والطبقية ... هل نحن بحاجة الى محاكمة الماضي ؟على الرغم من التواصل الزمني بين الماضي والحاضر والمستقبل ،والتداخل بينهما كالتداخل ما بين النهار والليل ،ولا يمكن الفصل بينهما بسور صيني ؟؟؟ لماذا يتراجع دور الحزب السياسي والاجتماعي والثقافي ؟؟ لماذا ابتعد دور الحزب عن حياة الناس والجماهير وفي مقدمتهم العمال والمزارعين والمثقفين والشبيبة والمرأة والمهنيين والمهمشين من ابناء شعبنا ؟ هل ساهم تغيير اسم الحزب في زيادة قوتنا في الشارع ،وأقنعنا الجماهير بدورنا ؟ أين دورنا في القطاعات الاجتماعية التي تشكل بمجموعها المجتمع الفلسطيني كالعمال والمرأة والشبيبة والمهنيين ؟؟؟ هل أحسنا الاداء بعد اقرار بعض المفاهيم في النظام الداخلي لا تتلاءم مع تطورنا وفهمنا ؟؟ لقد حمل الرعيل الأول الهم الوطني والاجتماعي ،ونالهم من التعذيب والملاحقة في المعتقلات والسجون ما يكفي بلد بحاله ،واعترفت الجماهير بقيادتهم لها ،وكانوا الامناء والشجعان في المعارك المختلفة ،وبرزوا كمفكرين ثوريين ،وقيادات فكرية وسياسية ونقابية وطبقية ،وأبدعوا أشكالا من النضال والمقاومة ضد المحتلين بكافة الوانهم ،قبل ان تولد بعض القوى السياسية وكان سلاحهم الفكر الماركسي ،والمنهج المادي الجدلي ،والجماهير ،وخلقوا تراثا فكريا وكفاحيا نفتقد اليه اليوم ،هل لدينا اكتفاء ذاتيا من مثقفين ومبدعين في كافة مناحي الحياة في الاقتصاد والاجتماع والإعلام والتكنولوجيا واللغات ،وفي الادب والرواية والقصة والشعر والمسرح والفن ،ومحاضرين في الجامعات وقادة جماهيريين ونقابيين ومبدعين ... الخ هل نحن نمر بمرحلة ارتخاء للأعصاب والعضلات وفقدان لروح المبادرة ، بعد معارك نضالية شرسة مع الاحتلال والقوى الرجعية والاستسلامية معارك طبقية وفكرية وسياسية ،وما هي معالم الطريق التي يمتلكها حزب الشعب الفلسطيني ،وهل توفرت لدى قيادات الحزب وحدة الارادة ووحدة العمل ؟ نحن بحاجة الى اعادة النظر في العديد من المفاهيم التنظيمية التي تحاول تحويل الحزب الى ناد او مقهى او جمعية خيرية ؟؟؟!!!!

صحيح اننا اول حزب سياسي منذ 1919 ،وصحيح ان حزبنا امتلك رؤية صائبة في المنعطفات التاريخية الهامة ،وكان من الممكن لو ان القوى السياسية وجماهير شعبنا الفلسطيني أخذت برؤيته وتحليلاته أن تعفينا من جزء كبير من المأساة التي حلت بشعبنا ،ولكن لماذا لم نقنع الجماهير بعد ؟؟ وبعض القوى ليس لها سوى سنين معدودة لتحوز على ثقتها وتأييدها ؟؟ لماذا لا نراجع مسيرتنا الكفاحية والحزبية بشكل نقدي حتى نحوز على ثقة الجماهير وخصوصا اننا في خضم التحضيرات لانعقاد المؤتمر الخامس لحزب الشعب الفلسطيني ( الحزب الشيوعي الفلسطيني ) سابقا ،والانتخابات البلدية والقروية ،وكذلك الانتخابات الوطنية العامة ،فلا يمكن لنظرية ثورية أن تحقق الهدف دون تطبيق ثوري ،وقدرة على الدفاع عن مصالح الجماهير .

طلعت الصفدي غزة – فلسطين
الأثنين 17/9/2012
[email protected]