ما أثر الصناعات الحربية على الأزمة الرأسمالية العالمية؟


أنور نجم الدين
2012 / 9 / 8 - 18:50     

إذا تفحصنا تموجات الصناعة ودخولها الأزمات في العقود الأخيرة، فعلينا في نفس الوقت، النظر إلى أهم صناعة من صناعات الرأسمالية، وهي الصناعة الحربية في العالم. فبينما الدوائر المختلفة للصناعات، تدخل مرحلة الركود هنا وهناك، تتوسع سوق الصناعات الحربية في نفس الوقت، الأمر الذي سيؤثر تأثيرًا إيجابيًا على مجرى الأمور بالنسبة للرأسمالية العالمية إلى أجل غير مسمى. فالازدهار في هذه الصناعة الرأسمالية المتميزة يعني -دون شك- حماية الاقتصاد العالمي من الانهيار السريع.

إن الاختلال الناتج من انعدام الطمأنينة في تأمين أسواق لتصدير المنتجات الصناعية وتموجات أسعار المواد الأولية، قد سببا التموجات والركود في التجارة والصناعة في كافة المعمورة. وسوف تتراكم الفوائض في المنتجات في مختزنات التجار في كل مكان. ولا تزال الصناعة على العموم تواصل سيرها المختل باستثناء الصناعات الحربية. فالطلب الكبير لمنتجات هذه الصناعة المدمرة في الأسواق العالمية -وهي تحسب بين أكبر الصناعات في العالم الرأسمالي- قد يزيد الازدهار في هذه الأعمال التجارية في العالم المعاصر، الأمر الذي قد يؤمن الارتفاع في المعدل العام للربح رغم ميله الانخفاضي في الدوائر الإنتاجية الأخرى. وفي حين يزحف وباء الأزمة نحو كل الصناعات الأخرى فإن بين أيدينا أمثلة واضحة على تطور الصناعة الحربية في الدول الرأسمالية باستثناء بعضها التي بدأت بالاختلال مثل فرنسا، وهي بداية زمن تصاعد المزاحمة في هذا المجال أيضًا.
وهكذا، فلا يزال التطور في تسويق المنتجات الحربية، عامل آخر من العوامل التي تحمي الرأسمالية من الجمود الصناعي العالمي، رغم أن هذه الحالة لم تخلِّف أي أثر إيجابي على ما يحدث من تفاقم التناقضات الداخلية للإنتاج، بل يسبب التأخير في الانفجارات العنيفة على المستوى الأممي. فرغم الاختلال في التوازن التجاري والاقتصاد الأمريكي المزعزع، فتعد صناعة الأسلحة وتصديرها، من أهم المنتجات الصناعية المضمونة لحد اليوم، فتوصلت الولايات المتحدة الأمريكية في تصدير الأسلحة والرادارات المراقبة وخدمات الأسلحة وأجور الخبراء إلى رقم قياسي، إذ بلغ مبيعاتها الإجمالية من 21.4 مليار دولار عام 2010 إلى 66.3 مليار دولار عام 2011، حسب New York Times وهي صحيفة يومية أمريكية. وتأتي روسيا في المرتبة الثانية في مبيعات الأسلحة، حيث انها وصلت إلى 4.8 مليار دولار. والسبب هو إيجاد توتر في الخليج الفارسي، مما دفع الإمارات إلى شراء الأسلحة الأمريكية بقيمة 3.49 مليار دولار، والسعودية بقيمة 33.4 مليار دولار. أما بلغت الحصة الإجمالية في هذه التجارة المتميزة في الدول الصناعية النامية 71.5 مليار دولار، 56.3 منها دفعت لأمريكا. وهكذا، فحققت هذه الشركات زيادة عجيبة في أرباحها (14.8 مليار دولار، أي بمعدل 8%) بالمقارنة مع عام 2008.
أما الشركات البريطانية فحققت 33.4 مليار دولار، ومبيعات المجموعة الأوروبية وصلت إلى 16 مليار دولار، والمجموعة الإيطالية إلى 13.3 مليار دولار. وعدا ذلك، فهناك 33 شركة أوروبية تنتمي إلى ألمانيا وفنلندة والنرويج والسويد وإسبانيا وفرنسا وسويسرا، حققت أرباحًا هائلة. كما وحققت شركات آسيا والشرق الأوسط، ومن ضمنها إسرائيل والكويت وتركيا 24 مليار دولار. وإن صادرات الصين من الأسلحة المقاتلة المتقدمة، تهدد التوازن العسكري في آسيا وافريقيا والشرق الأوسط كما في دعم كوريا الشمالية حتى في برنامجها النووية (1).
وهكذا، فهذا الانتعاش في الصناعات الحربية، سيكون فريدًا من نوعه بعد نهاية ما تسمى الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي السابق. واليوم هو يوم التحضير لقوى التدمير، فالصناعات الرأسمالية الأخرى مثل الألكترونيات، والكيمياويات، والسيارات، تتقلص تحت ضغط المزاحمة العالمية، بينما تجارة الصناعات الحربية، تتقدم شيئًا فشيئًا في العالم أجمع، فالوطن وانتعاش الاقتصاد الوطني ثم الأمن القومي، يتوقف الآن على تطوير صناعات تدمير العالم، تدمير الفوائض الإنتاجية والأيدي العاملة، تدمير البشرية على العموم، فما تطوير الصناعة بالنسبة للرأسمالية ان لم تكن وسيلة لتطوير الأسلحة في زمن السلم، لغرض استخدامها في زمن الحروب؟ فالعالم يواجه فترات خطيرة بعد كل تقدم زمني في الاقتصاد العالمي، فكل تطور رأسمالي، لا بد أن يجلب الوباء في الأخير، وهذه هي الطبيعة الرجعية لحياة الطبقات المسيطرة في التاريخ البشري، فالطبقة المسيطرة لا ترى في التطور سوى وجودها الخاصة وثباتها المستمرة. لذلك، فنعيش في عصر يحتاج شركات الإنتاج والخدمات العسكرية، ومقاولي الأسلحة المدمرة، واللاعبين القادرين على مواصلة بيع الأسلحة.
وهكذا، فرغم تقدم الأزمة الاقتصادية العالمية، فما زال هناك حافز للتوازن في الاقتصاد العالمي بسبب التوازن في الصناعة الحربية التي تتقدم من جديد نحو مقدمة المسرح، وهي ما تزال بعيدة عن الركود، فالحروب والتوتر الأخير في أفغانستان والعراق وايران، وتشجيع النزاع الايراني - الاسرائيلي، لم تكن سوى وسيلة لاتساع أسواق بضائع رأسمالية من نمط خاص.
فحين يرتفع مستوى الفقر والبطالة والمجاعة في العالم، فالإنفاق العسكري، يرتفع إلى أعلى مستوى، وهو على الأرجح، آخر وسيلة للنجاة من مأزق الأزمات، فقدر مؤخرًا الأمين العام للأمم المتحدة الارتفاع في الإنفاق العسكري بترليونات دولار، وهو يزيد يومًا بعد يوم. وحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (Stockholm International Peace Research Institute - SIPRI)، فإن الإنفاق العسكري العالمي في الدبابات زاد بنسبة 45% من حيث القيمة، وظلت الأسلحة ترتفع كل سنة من السنوات 10 الأخيرة، خاصة في أمريكا ومنذ الحرب العالمية الثانية (2). ومن المنفقين الكبار في الأسلحة في العالم، يمكن ذكر: أمريكا (607 مليار دولار)، والصين، (85 مليار دولار)، وفرنسا (65.7 مليار دولار)، وبريطانيا (65.3 مليار دولار)، وروسيا (58.6 مليار دولار)، وألمانيا (46.8 مليار دولار) واليابان (46.3 مليار دولار)، وإيطاليا (40.6 مليار دولار)، والسعودية (38.2 مليار دولار)، والهند (30 مليار دولار). ولكي لا ننسى أوروبا الشرقية، فقد وصلت الزيادة في القيمة الحقيقية للإنفاق العسكري في 10 السنوات الأخيرة إلى 174% بالمقارنة مع العام الماضي، وشمال افريقيا إلى 94%. والغريب هو أن كل الحكومات تتحدث عن العجز في الميزانية وتشجيع سياسات التقشف وتقليل أبسط الخدمات الاجتماعية في كل مكان، يعني قطع وسيلة حياة الفقراء لأجل تطوير وسائل مدمرة للحياة (3).

وهكذا، فحين يبدأ الفائض الإنتاجي-ولابد أن يبدأ الفائض في هذه الصناعة المتميزة أيضًا، صناعة التدمير- فآنذاك، تتوصل مغامرات الرأسماليين قمتها، فلا تزال الأمم المتحدة، بمستطاعها حل بعض المسائل المتعلقة بالوضع الراهن بصورة أخوية بين الرأسماليين فيما يخص توزيع الأسلحة. ولكن حين تهبط أرباح السلام، فتفكر الرأسمالية وبالضرورة بأرباح الحروب، واليوم تتوقف التجار وبائعي ومقاولي الأسلحة في مقدمة المناقصات. فلصناعة الأسحلة أهميتان: التوازن الاقتصادي نسبيًا في الوقت الحاضر بفضل إيجاد الأسواق لبضائع الموت، وتدمير الفوائض غدًا وأثناء تقدم الحركة الاشتراكية التي تهدد مصالح هؤلاء الذين لا يفكرون إلا بالأرباح في زمني الحرب والسلم. وسوف نسمع مرة أخرى صوت الصاخب للطبقة التي في يدها رسالة للعالم: فلتسقط الرأسمالية ولتعش الاشتراكية!

المصادر:

(1)
http://www.sipriyearbook.org/view/9780199581122/sipri-9780199581122-div1-54.xml

(2)
http://www.sipri.org

(3)
http://ampedstatus.org/as-financial-crisis-spreads-arms-industry-business-is-a-boomin