الثورة المجالسية الألمانية: 1918 - 1919


أنور نجم الدين
2012 / 8 / 31 - 18:40     

الثورة المجالسية الألمانية: 1918 - 1919

مقدمة:

لقد شكلت ثورة 1917 - 1923 المجالسية في العالم، موجة ثورية عجلت في تطورها المخيف، بنهاية الحرب الرأسمالية العالمية الأولى. وقد انطلقت الثورة في روسيا في شباط 1917، ورغم أنف الأحزاب القومية التي كانت لا تزال تُعَرِّف هذه الثورة الأممية بثورة ديمقراطية برجوازية روسية، فقد هبَّت عاصفة الثورة إلى أوروبا الوسطى بسرعة لا تقاس. فابتداءً من عام 1918، انتقلت الثورة المجالسية من روسيا إلى ألمانيا. وكانت الثورة الاشتراكية الأممية، تستمد قوتها، من الثورة المجالسية الروسية والألمانية بالذات.

كانت ألمانيا متفككةً عسكريًا ومنهارةً اقتصاديًا، وانها كانت أكبر مسرح للتصاعد في الحركة العمالية الألمانية والأوروبية فيما بين 1918 – 1923. وكان الصراع بين الدولة وأرباب العمل التي نظمت نفسها في مجالس المصانع، يهدد النظام القديم بإقامة نظام إنتاجي جديد، وانضمت مختلف المنظمات الثورية، إلى الدائرة الاجتماعية التي تتنازع مع سلطة الدولة لأجل صنع عهد جديد في التاريخ، عهد الاشتراكية، فظهرت مجالس العمال والجنود المنتخبة في ربوع ألمانيا، وأنها كانت قوى الشغيلة المنظمة والمسلحة في نفس الوقت.

ما كانت أسباب الثورة الألمانية؟

لقد اشتعلت الشرارة الأولى للثورة الألمانية، من هزيمة الأسطول الحربي الألماني في الحرب العالمية الأولى، فقد قامت ضباط البحرية الألمانية بالتمرد من الجيش، وتطور هذا التمرد إلى ثورة عارمة امتدت إلى ألمانيا كلها. أما تقدمها نحو ثورة مجالسية، فقد كان انعكاس الثورة المجالسية الروسية وانتقالها بسرعة إلى ثورة أممية عارمة في أوروبا كلها، ففي نفس العام (1918)، انطلقت الثورة المجالسية في هنغاريا والنمسا وإيطاليا مع الكثير من الانتفاضات والإضرابات والمظاهرات في الدول الأخرى في أوروبا الغربية، بحيث كان النظام القائم يهلك شيئًا فشيئًا تحت ثقل ثورة مجالسية أممية تنتشر بسرعة في العالم أجمع. ودامت الثورة سنة كاملة رغم العنف والمناورات التي جابهتها منذ البداية.

وما سبب انتكاسة الثورة المجالسية الألمانية؟

أثناء تطور الثورة المجالسية في روسيا، قام البلاشفة بتدبير انقلاب على حكومة كيرنسكي، كان يشارك البلاشفة نفسها في برلمانها. وبعد هذا الانقلاب الأسود، فتغير ميزان القوى لصالح الطبقة السائدة، الطبقة التي لا تعبر عن نفسها إلا في إدارة عسكرية مثل إدارة البلاشفة.
وابتداءً من أول يوم من السيطرة على الحكم السياسي في روسيا، بدأ البلاشفة بالمناورات السياسية مع الطبقة الثورية التي كانت تهدد بالفعل أوروبا الغربية بثورة بروليتارية. وعند انطلاق الثورة الأوروبية، ومركزها ألمانيا، بدأت دولة البلاشفة بتوقيع صلح بريست ليتوفسك مع الألمان والدول الرأسمالية الأخرى. فلإدارة الحرب الأهلية والقومية التي قادها البلاشفة في روسيا وأكرانيا والدول التابعة للإمبراطورية القيصرية القديمة، قامت الدولة الروسية الجديدة دون التأخير، بتوقيع أهم اتفاقية إستراتيجية جرت بين الدول في القرن العشرين من حيث تأثيرها على الثورة البروليتارية في ألمانيا والغرب والعالم على العموم. كما بدأ البلاشفة بتبادل البضائع الثمينة مع الألمان. وكان لروسيا الدور الأكبر في إنقاذ الدولة الألمانية من أزمة الحبوب بالذات، بينما الملايين من البشر، كانوا يموتون من الجوع في روسيا نظرًا لأزمة القمح فيها بالذات. وعلى صعيد السياسة، فبدأ البلاشفة بالدعاية للعلاقات السلمية بين دولتها والدولة الألمانية باسم الطبقة البروليتارية، ولم يتجرأ لينين حتى في كلمة واحدة ولمرة واحدة؛ في كتاباته التي لا تُحصى حول ما تسمى بإكمال الثورة البرجوازية الروسية، ذكر الثورة الألمانية بوصفها كانت جزءًا من الثورة المجالسية العالمية خوفًا من موقعها في أوروبا.
أما على الصعيد العسكري، فقام البلاشفة باستخدام جيشهم الإرهابي، الجيش الأحمر، وبقيادة تروتسكي، لسحق الثورة البروليتارية في روسيا ابتداءً من كرونشاد، ومرورًا ببتروغراد، وانتهاءً بأكرانيا.

وما كانت النتيجة؟

كانت النتيجة بالطبع عزل الثورة الروسية عن كل حلقة من حلقاتها الأممية ابتداءً من روسيا ومرورًا بألمانيا عن عاصفة الثورة المجالسية العالمية، وتراجع الثورة في أوروبا على العموم، والبدء باعتقال نشطاء الحركة من قبل الدولة الألمانية واغتيالهم، إلى حد أنه ألقيت جثة روزا لوكسمبورغ في قناة تمر عبر برلين من قبل حكومة الاشتراكيين – الديمقراطيين، ثم استبدال الإمبراطورية الألمانية في النهاية بالجمهورية الألمانية، فتنازل القيصر فيلهلم الثاني عن العرش، وأعلنت الجمهورية الألمانية عرفت في التاريخ بجمهورية فايمار، وكأن الهدف من الثورة، هو استبدال دستور قديم والنخبة الحاكمة بدستور جديد ودولة جديدة يقودها نخبة سياسية جديدة، لا هدم القاعدة الاقتصادية التي تقوم اليوم مثل الأمس وبصورة أبدية، حركات برجوازية في أشد عنفها وحقارتها القومية مثل الحركة النازية في ألمانيا.
أما التغيير الجيوسياسي للعالم، فكان اختفاء الامبراطورية النمساوية – المجرية، والإمبراطورية الألمانية، والامبراطورية العثمانية، والإمبراطورية القيصرية الروسية واستعاضتها بامبراطورية جديدة تسمى الدولة السوفيتية.

ومَن استلم الدولة الألمانية الجديدة؟

بالطبع الاشتراكيون – الديمقراطيون، ففي 11 أغسطس 1919، انْتُخِبَ فريدريك ايبرت، رئيس الحزب الاشتراكي - الديمقراطي، رئيسًا للجمهورية الجديدة.

وأخيرًا، فقد انتصرت الاشتراكية – الديمقراطية الروسية والألمانية على الثورة المجالسية، ويدًا في يد، بدءوا بسحق آخر معقل للثورة الاشتراكية الأممية فيما بين 1917 - 1923.