رأسماليةُ الدولةِ بدأتْ في الغرب


عبدالله خليفة
2012 / 8 / 29 - 07:07     




في صراعِ الرأسماليةِ والاشتراكية، صراعِ المالكين المستثمرين والأجراء العاملين، تكمنُ ثنائيةُ الصراع الاجتماعي الكبير في العصر الحديث، وتخلت الايديولوجيا الاشتراكية عن الشمولية حين تصاعدت الديمقراطية وبدلت دول أوروبا الغربية جلودَ التماسيح الحادة بأنظمةٍ مؤنسنة تخضعُ للصراع المتداول والانتخابات.

لكن رأسمالية الدولة ظهرت في برنامج الحزب الاشتراكي الألماني في القرن التاسع عشر، كشكلٍ لسلطةٍ جديدة ديمقراطية قادمة عبر صناديق الاقتراع.

لكنها أحتوتْ تأميماتٍ وجهازاً اقتصادياً جديداً مخالفاً للرأسمالية الحرة، التي وضعتْ كلَ الأملاك الخاصة والعامة كبضائع يمكن تداولها في البورصة.

وربما أضافتْ إليها كذلك مع السرعة التجارية الفنونَ والأخلاقَ والقيادات السياسية!

كان زمنُ التضادِ الحاد بين العمال والرأسماليين، ففروقٌ كبيرةٌ بين دولةٍ ناشئة ضعيفة في المجتمع الألماني ودولة بدأت تمتدُ شرايينها في المستعمرات التي ظهرت في أمريكا وآسيا وافريقيا، فهناك فقرٌ مدقع وهنا ثرواتٌ تتصاعد ومعيشة مرفهة تزدادُ بذخاً، وهي ثنائيةٌ صراعيةٌ أنتجت ثنائية إيديولوجية، فهنا يجب أن تظهر دولة العمال، وهنا يجب أن تزول دولة الرأسماليين.

لكن البرنامج الاشتراكي الديمقراطي الألماني وهو موجودٌ في دولة خطيرة جاءت متأخرة للرأسمالية والمستعمرات، وقد خالف الاشتراكيات الديمقراطية الإصلاحية في دول غرب أوروبا وأقام وعيه على الإصلاحات المتصاعدة، ضمن نقطة رأسمالية الدولة تلك في برنامج غير ممكن، فالدولةُ الديمقراطيةُ تخضعُ قوانينَها باستمرار للتحول من قبل الناخبين، ولا توجد سلطةٌ تبقى لعشر سنوات أو لعقود، السلطةُ تظهرُ من انتخاباتٍ وتتغير مع انتخابات جديدة وتستطيع السلطة الجديدة الفائزة أن تخضع القوانين السابقة للتعديل عبر الدستور والتصويت.

أما أن تبقى سلطةٌ خارج الدورات الانتخابية وتهيمنُ على شركات وإدارات فهي تغدو(رأسمالية دولة شمولية)، وسوف يعمل السياسيون الفائزون على البقاء وإستغلال الموارد العامة، سواء كان ذلك للعمال أو للرأسماليين.

ولهذا ليس الأملاك العامة هي فقط التي تدخلُ البورصةَ بل ان الأجورَ والأسعار تخضع للسوق.

هذه هي(الدولة الرأسمالية) وقد غدت للعمال والرأسماليين معاً حسب قدراتهم على خلق الأحزاب والمؤيدين والدخول في الانتخابات وتحقيق برامجهم.

وكان فردريك أنجلز ذا نظر بعيد حين تصور الاشتراكية نتاجاً لعقود تالية وتجري عبر إصلاحات عالمية متراكمة بين الأمم ولهذا ركز خلال سنوات حياته الأخيرة على الإصلاحات المتنامية التي يقودها الحزب الاشتراكي الديمقراطي.

لكن لم تتم مراجعة دقيقة لرأسمالية الدولة في البرنامج المذكور، ولم تخضع لمراجعةٍ فكرية كبيرة حيث التوتر بين بقاء وإزالة الرأسمالية، ثم أُضيفت إليها تكملة خطيرة بعد أحداث كومونة باريس وهي ضرورة وجود دكتاتورية العمال في هذه الدولة غير الواضحة المعالم بين الرأسمالية والاشتراكية ولكنها دكتاتورية مرحلية.

وفي الشرق تحولت رأسماليةُ الدولة إلى الشكل الرئيسي من التطور الاجتماعي السياسي، في مجتمعات ليست فيها رأسمالية متطورة كألمانيا، عبر روسيا وشرق أوروبا والصين والكثير من دول العالم حتى غدت دولٌ في مجاهل افريقيا تقفز لهكذا دولة بأسماء رنانة عن الدولة الشعبية الديمقراطية!

وكما شكلتْ هذه الفكرةُ جنينَ التحولِ من اقتصاد إلى اقتصاد آخر تلعبُ فيه الحكومةُ المنتخبة الاشتراكية دوراً محورياً، وتتنامى عبر أسسِ الديمقراطية نفسها وإرادة الناخبين، فإن ذاتَ الفكرةِ قد حُورت وشُوهت وهي تنتقلُ من غربٍ ديمقراطي إلى شرق استبدادي، فشكلتْ دولاً شمولية فُقدتْ منها الديمقراطيةُ والانتخابات الدورية لتحسين التطور السياسي والتقدم الاجتماعي ولتزل الاحتكار عن السلطة، وبالعكس جرى ذلك في الشرق لبقاء الاحتكار السياسي الاقتصادي وإنتاج طبقات استغلالية بأسماء الوطنية والاشتراكية والقومية.

لعل العواصف التي تهدر في العالم العربي وتنتظر الانتقال لدول أخرى تخضع هذه المقولة الاجتماعية السياسية لقراءات عميقة من التحولات السياسية الجارية وألا تكرر دول الربيع العربي هذا النمط الاقتصادي الاجتماعي الشمولي خاصة مع ذهاب بعض قادتها لاستطلاع مثل هذه التجارب، ودعوتهم أثناء الأحداث للاستفادة منها، ومع تقاليد دينية محافظة وحريات منتقصة، لتظهر رأسمالية الدولة الدينية الشمولية في العالم العربي.