إصلاحُ رأسمالية الدولة


عبدالله خليفة
2012 / 8 / 27 - 10:11     



لا يمكن لرأسماليةِ الدولة التي تشكلتْ عبر هيمنةٍ عسكرية أن يحدث فيها إصلاح، لكون الطبقة ذات الامتيازات لن تقبل بالخروج من السلطة من دون إصلاحات بنيوية شاملة.

الإصلاحي خروتشوف لم يتمكن من تغيير السلطة، حتى بعد مؤتمر ١٩٥٦ الذي فضح الستالينية فيه، بشكل فكري سياسي ركزَ على ممارسات القمع السياسية واستخدام الشرطة السرية بتوسع، من دون ربط ذلك بالطبيعة الطبقية لتكون رأسمالية الدولة الشمولية، فمفاهيم مثل الاشتراكية وسلطة الطبقة العاملة الأيديولوجية الزائفة تعوق الفهم الموضوعي لرأسمالية الدولة الشمولية التي سيطرت على وسائل الإنتاج والإدارة والعاملين.

هي مثل الحديث عن الإصلاح في بقية الدول كإيران والدول العربية حيث يجري الكلام الأيديولوجي عن الانتخابات وتكون الأحزاب في غياب الانتقال لرأسمالية حرة، وتحول رأسمالية الدولة إلى ملكية شعبية وفض علاقات المسيطرين عليها.

مشكلة الديمقراطية في الدول الشرقية هي أن المسيطرين يواصلون السيطرة على الشركات الحكومية والمال العام والخدمات ثم يدعون الى ديمقراطية لا تمس امتيازاتهم؟!

هنا يجري الفصل بين البنية التحتية والبنية الفوقية للمجتمع، فالحكومات تواصل السيطرة على البنية التحتية، وتحدد توزيع الثروات لها ولجماعاتها، ثم تقول إنها تتيح الانتخابات وتعطي البرلمان سلطة مهمة، ولكن من دون قدرته على تملك رأس المال العام وإدارته، وتتوقف عن إعطاء العقل الوطني حرياته، في إنتاج دوائر بحثه السياسية والفكرية والتحليلية في الوعي والفكر والثقافة والتعليم والصحافة، فحتى بعض دوائر البنية الفوقية تغدو تابعةً بشكل حاد لرأسمالية الدولة.

هذا لم يؤدِ إلى تفكيك رأسماليات الدولة الشمولية الروسية والعربية والإيرانية، فـ(الإصلاحات) الجزئية كانت تغييرات في جانب الدوائر السياسية المفصولة عن إعادة النظر في الاقتصاد والبنية التحتية عامة، بتحويل المصانع والشركات الحكومية لبضائع مدارة من قبل العمال والبرلمان والوزارات المنتخبة، بحيث يتم استرجاع فوائض القيمة المتراكمة من قبل العمال والشعب، وإعادتها للاقتصاد الوطني وحياة الناس، ورسم خطط الاقتصاد حسب آراء أغلبية السكان.

ولكن كانت الإصلاحات السياسية المترددة تأخذُ لها وقتاً طويلاً من القلاقل بحيث تهزلا كيانَ الدولة وتحالفاتها الدولية، فالاتحاد السوفيتي أخذ وقتاً طويلاً بين خطاب خروتشوف التاريخي في فضح الستالينية التي كانت يجب أن تمتد للينينية حيث هي جذر النظام، ويتم إعادة الاتحاد السوفيتي للرأسمالية الحرة بأشكالٍ تفيد الأغلبيةَ الشعبية وتعطي حراكاً مؤسساً من قبل العمال، مثلما حاول المجريون أن يفعلوا سنة ١٩٥٦ وقد شكلوا مجالس عمالية وثاروا ضد رأسمالية الدولة الروسية وليس ضد الاشتراكية، ولكن القيادة الروسية أغرقتهم بالدماء، فلم تفهم تطور الماركسية وهذا القمع ارتد عليها هي نفسها بسقوط خروتشوف المصلح الأول بعد الحرب.

وهكذا فإن رأسماليات الدول الوطنية مع انفصالها عن الشعوب التي كونتها بقوى عملها، تقوم بتفكيك الوطن والشعب وترجع مكوناته لما قبل الرأسمالية.

ولا يمكن إصلاح رأسمالية الدولة إلا بعد عودتها للشعب، عن طريق مراقبة العمال والشعب ومشاركتهم في الإدارة وخطط توزيع الفوائض المالية الناتجة عن تلك الرأسمالية.

وهكذا فإن فترة القلاقل تمتدُ من رفع الغطاء السياسي عن بعض ثغرات بركان الرأسمالية الوطنية حتى يحدث الانفجار العام وهو ما أدى لتفكك الاتحاد السوفيتي وصارت رأسمالية الدولة رأسماليات دول الكومنولث المتعددة وهي تعيد إنتاج ما سبق.

مثلما فعل السادات حين رفع الغطاء عن فوهة البركان فأحدث فترة قلاقل طويلة دون أن يغير طابع البنية التحتية وطابع إدارة الاقتصاد وتوزيع الثروة الوطنية.

وكانت ثورات أمريكا اللاتينية الديمقراطية والثورات في المعسكر الاشتراكي والثورات العربية مؤخراً هي كلها في سياق تغيير رأسماليات الحكومية الشمولية وهي ليست نهاية المطاف التحولي ولا تمثل استقرارا كليا.