جورج لوكاش (١-٢)


عبدالله خليفة
2012 / 8 / 19 - 10:21     


هو من كبارِ المفكرين والنقاد الماركسيين خلال القرن العشرين (١٨٨٥-١٩٧٣)، وُلدَ في المجر وتنقلَ بين دول أوروبا، حاصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة واشتغل بالتدريس، وغدا عضواً بالحزب الشيوعي المجري منذ عشرينيات القرن العشرين، وألف الكثيرَ من الكتب التي غدت مراجعَ في الفلسفة والأدب والنقد في العالم.

أهم كتبه هي عن ألمانيا، نظراً لعيشه الطويل فيها فكتب عن غوته وهيجل، وقد عبرَ كتابهُ (تحطيم العقل) بثلاثة أجزاء عن دراسةٍ عميقة مطولة لكل شخصية فكرية في ألمانيا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، منطلقاً في الكتاب من رؤية عميقة حللت أسباب ظهور اللاعقلانية في الثقافة الألمانية وتجليات ذلك لدى الفلاسفة إلى أن ظهرت بشكل دموي لدى هتلر، يمكن رؤية بعض المشابهة بين التطور الألماني والعربي الإسلامي.

برغم هذه الثقافة فإن جورج لوكاش يحلل التحولات السياسية في روسيا والانقلاب الاجتماعي السياسي سنة ١٩١٧ بأشكال معينة لم تصمد لغربلة التاريخ، وفي كتابه السابق(تحطيم العقل) يحضرُ قادةُ البلشفية خلال أسطر سريعة جداً، وهو كتابٌ صدر سنة ١٩٥٢، وهي مسافة زمنية كبيرة عن الحدث الروسي، لكي يراجع لكن المراجعة وقتذاك لم تحدث، وتحدث بشكل عاصف لاحقاً.

ساهم في كتابة تأبينية بشكل مقالة كتبها بعد وفاة لينين قائد التحول السياسي الروسي.

(يقولون إن لينين كان رجلا سياسياً روسيا كبيرا، ولكنه كان يفتقر، حتى يكون زعيم البروليتاريا العالمية، إلى حسِّ التمييزِ الذي كان سيتيحُ له أن يدركَ الفارقَ بين روسيا والبلدان الرأسمالية المتقدمة)، كتاب لينين، دار الحقيقة، تقديم جورج طرابيشي.

ويرد لوكاش بأن هذا النقد ينطبق على ماركس نفسه، الذي استخلص من تحليل المصانع في إنجلترا رؤية رأس المال التي عممها على العالم كله.

يعرض لوكاش هنا جانبين مختلفين فدراسةُ ماركس لرأس المال كانت بحثية طويلة لاستخلاص قوانين بنية رأس المال، في أكثر البلدان الرأسمالية تقدماً، وليس تطبيقاً لتجربة سياسية، في حين كان عمل لينين قيادة انقلاب لإنشاء نظام اشتراكي.

الأول اكتشف بمساعدة أبحاث علماء اقتصاديين سبقوه قوانينَ بُنية اقتصادية، ولكن لينين لم يكتشف قوانين بنية اقتصاد اشتراكي يريد تطبيقها، بل لجأ للتجريب عبر سنوات.

بين بحث الأول في الرأسمالية وتطورها، وبين نقض الثاني للرأسمالية التي لم تتطور في روسيا هوةٌ كبيرة.

ولو كانت قوانين البناء الاشتراكي موجودة واضحة لكان ماركس طبقها بنفسه، ولهذا فإن الاشتراكيين الغربيين بدءًا من الألمان كتبوا وتصارعوا فكرياً وسياسياً لمعرفة كيف يتم نفي الرأسمالية وتجاوزها من دون الاتفاق بينهم.

بعد وفاة ماركس ظل أنجلز يحدد كيفية تجاوز الرأسمالية من خلال النضال الديمقراطي الإصلاحي الطويل، بتغيير حياة العمال والحصول على مكاسب وتطور الحياة الثقافية والاجتماعية لمجموع الشعب، وهو الخيار الذي تكرس بعد ذلك في حزب الاشتراكية الديمقراطية الألماني المتواصل النمو، والذي حدثت له أزمةٌ في الحرب العالمية الأولى بسبب خسائر الحرب الكارثية وخيانة قادة من الحزب ووقوفهم مع الدولة والحرب.

وقد تعددت رؤى الماركسيين الألمان للاشتراكية ففي (البيان الشيوعي)دعوة لإسقاط الرأسمالية كلية، وفي برنامج الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني في السبعينيات من القرن التاسع عشر دعوة لبعض التأميمات والإصلاحات من خلال سيطرة الطبقة العاملة على الحكم، وهو البرنامج الذي ظل حتى رفضتهُ جماعةُ (سبارتاكوس) مطالبةً بالعودة للبيان الشيوعي وإسقاط الرأسمالية كلياً في ألمانيا بقيادة روزا لكسمبورغ سنة ١٩١٤، وبعد سنوات قامت الثورة في ألمانيا وهُزمت وقتلتْ روزا وكارل ليبنخت زعيما الثورة.

إن رؤية الاشتراكية لدى الماركسيين غير واضحة ومحددة، لأن الاشتراكية غير واضحة، وثمة فرق كبير بين تغيير نظام عبر الثورة أو الانقلاب والقيام بالتأميمات، وبين إزالة التشكيلة الرأسمالية وهو الأمر الذي لم يدرسوه. فتغيير نظام واحد أو عدة أنظمة بتلك الإجراءات لا يبني اشتراكية التي هي تشكيلةٌ بشرية، كإزالة العبودية وهي تشكيلةٌ عالمية لم تزل إلا عبر مئات السنين من خلال حراك الشعوب الطويل المتقطع المتواصل.

في معظم كتابات لوكاش يتوجه للغة ماركس الهيجلية، ويعتبر هيجل مصدراً أساسياً لماركس وللماركسية، كما في كتابه (التاريخ والوعي الطبقي)، وكذلك معظم كتاباته بما فيها مقالته عن لينين التي خلطت بين دراسة بنية وصناعة نظام عبر مفردات شعرية:

(استشفَ عالم الرأسمالية الأكبر من خلال العالم الأصغر وهو المصنع الإنجليزي ومسلماته وشروطه الاجتماعية وكذلك من خلال الميول التاريخية التي أفضت إلى ولادته وتلك التي تجعل وجوده أمراً غير مؤكد على الدوام).

هذه اللغة الاستشفافية وعبر قراءة الميول هي لغة رومانسية سوف يدمجها لوكاش مع وعي نظري هيجلي ماركسي مختلط، يصل فيه للذرى حيناً ويغمض فيه أحياناً عدة.