هل الشيوعية ممكنة؟ -1-2


أنور نجم الدين
2012 / 8 / 17 - 10:00     

يميل الإنتاج الرأسمالي على الدوام إلى تجاوز حدوده الطبيعي، ولكن مادام الإنتاج هذا، متناقض في ذاته، فيجري التجاوز هذا, في شكل إقامة حاجز أمام إنتاج رأس المال بشكل مثمر.

ان استخدام رأس المال استخدامًا مثمرًا، يعبر عن الحد الأدنى المطلوب لاستغلال العمل، ثم تحقيق القيمة ذاتها في المجال الذي تدور فيه، ونعني به السوق.
إن السوق هي الحدود الذي يبيع فيه الرأسمالي –الخاص أم الحكومي- منتجاته، فالسوق هي دائرة تبادل القيم. أما دائرة السوق فتتناسب عكسيًا مع التقدم الهندسي للقوى الإنتاجية، فكلما اتسع الإنتاج -الناتج من التطور الطبيعي للقوى الإنتاجية- كلما تقلصت سوق تصريف المنتجات - البضائع. وهنا يظهر التناقض.

إن غاية الإنتاج في المجتمع البرجوازي، هي إنتاج رأس المال لا تلبية الحاجات الضرورية لأفراد المجتمع. وهذا يعني أن ضرورة إنتاج بضاعة ما هي ضرورة سد حاجة تجارية لا حاجة بشرية؛ لذلك فكل نمو لرأس المال وقيمته ينتهي في زمن معين من التاريخ بنزاع مع غاية الإنتاج، أي الربح. وهذا النزاع، يشتد عند الفيض في إنتاج رأس المال -يعني رأس المال غير المستخدم، غير مثمر- والسكان غير المستخدمين، أي الفائضين في العمل. وماذا يحدث آنذاك؟
اختلال التوازن ثم أزمة اقتصادية تشجع الفائض النسبي من الإنتاج–بالطبع إذا كان الأمر يتعلق بهذا البلد أو ذاك، وهذا القطاع الإنتاجي أو الآخر.
وأثناء الفيض في الإنتاج، لا تجد الرأسمالية حلًّا سوى المحاولة لاتساع دائرة سوق التبادل على أي نحو كان، وهذا ما شاهدناها خلال قرن ونصف قرن من تطور الرأسمالية، فالمنتجات -البضائع- يجب تصريفها، يعني تبادلها مع ما يقابلها في السوق.

وهكذا، فمما سبق، وصلنا إلى أن إغلاق أبواب التصريف والاختلال التجاري في هذا البلد أو ذاك، يعني بالضرورة، فتح باب النزاعات هنا وهناك. والبرهان هو أزمات وصراعات القرن الثامن عشر ونتائجها في البلدان الأوروبية. فماذا نستنج من ذلك؟
نستنج من ذلك أن حد الإنتاج هو المجال المتوفر لتصريف المنتجات -حدود السوق، فتقلص السوق، هو الحد من إنتاج رأس المال، أو الحد من حركة رأس المال بوصفه إنتاجًا مثمرًا للرأسماليين. وهذا الحد من الإنتاج قانون مطلق في الإنتاج الرأسمالي، في إنتاج رأس المال. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فلما كانت الأزمات والفيض في الإنتاج، مفهومة لدى علماء الاقتصاد.

أين وصلنا الآن؟

حسب قانون النمو المستمر للقوى الإنتاجية، لا بد أن يواجه كل بلد من البلدان الرأسمالية على حدة فائض الإنتاج. ولكن لا تواجه الرأسمالية أي خطر ما لم ينتقل هذا الفائض إلى فائض الإنتاج المطلق، أي فائض الإنتاج في المستوى الأممي. ولا تدق ناقوس الخطر، ما لم تغلق أمام الرأسمالية، فرصة الاستثمارات الجديدة - اتساع السوق.

والآن لنتأمل الرأسمالية في بلد واحد، فماذا يحدث لو النوبات الدورية -الأزمات- الناتجة من نمو القوى الإنتاجية، تتكرر ضمن هذه الدائرة المغلقة؟

إن هذا النمو لا بد أن يضع حدًّا لإنتاج رأس المال في مرحلة معينة من تقدمه، فنمو القوى الإنتاجية وإنتاج الثروات دون النظر إلى كمية الحاجات الاجتماعية، يتنازع في نقطة محددة، غاية الإنتاج الرأسمالي، فإنتاج الثروات الهائلة، هي التي تسبب الفائض في الإنتاج. وماذا يحدث لو لم يجد رأس المال مجالًا لاختراق حدوده في البلد الذي نتخيله؟
بكل تأكيد ثورة اجتماعية، لأن الفائض في الإنتاج يعني الافلاس، والفائض في القوى العاملة، وهبوط معدل الربح، ثم اضطرابات يومية ومستمرة في الإنتاج، والصراعات الاجتماعية المتكررة التي لا بد أن تنتقل إلى حد تهديد النظام القائم مثل الصراعات التي أَوْجَدَت في النهاية ثورة اجتماعية مثل الثورة الشيوعية -ثورة الكومونة- عام 1871، هدفها كان تنظيم الإنتاج من جديد والسيطرة على الطابع التناقضي للإنتاج القائم.

وهكذا، نصل إلى أن قانون الحد من الإنتاج هو نفس قانون فيض الإنتاج، ومادام قانون حد الإنتاج فاعلًا لكل البلدان فيجب أن يكون فاعلاً لجميع البلدان معًا وفي آنٍ واحد في فترة معينة من التاريخ العالمي، هذا وما دامت الرأسمالية نظامًا موحدًا من الإنتاج. إذن، فالرأسمالية العالمية -القوى المنتجة الرأسمالية- هي التي تضع حدًا للطابع الرأسمالي في الإنتاج. فجاءت الحرب العالمية الأولى والثانية، لتعبر عن الحالات كهذه، فالكساد العظيم الذي بدأ عند انطلاق الأزمة الأمريكية في عام 1929 في القرن الماضي، وانتهى بالمجازر الدموية للحرب العالمية الثانية بزعامة مجرمي الحرب ستالين وهتلر لأجل تقسيم الأسواق، هو أكثر النموذج تاريخية لشمولية التناقضات الناتجة من فائض الإنتاج في المستوى الأممي.

وهكذا، فيمكن القول: إن ما يحدث للإنتاج الرأسمالي في بلد واحد، هو نفس ما يحدث -ويجب أن يحدث- لهذا النمط الإنتاجي في المستوى الأممي أيضًا، فانتقال الكساد الأمريكي إلى كساد أممي في القرن الماضي، خير دليل على ذلك، فإذا كان من الصحيح أن نقول: سيواجه كل بلد رأسمالي إنتاج عقيم، غير مثمر لرأس المال في فترات معينة من التاريخ، فسيكون صحيحًا أيضًا أن نقول: إن الرأسمالية العالمية، ستواجه أيضًا، هذه المرحلة العقيمة ما دام الإنتاج الرأسمالي يتميز بصفة أممية.

والسؤال إذًا هو الآتي:
ماذا لو واجه العالم حالة كهذه خلال التقدم الصناعي عند جميع الأمم؟ ماذا لَوْ لَمْ يبقَ أمام رأس المال مجال التصريف في السوق العالمية؟ يعني ماذا لَوْ أصبح -وسيصبح دون شك– الفيض الإنتاجي حالة متكررة ومستمرة في جميع البلدان يومًا من الأيام؟
بكل تأكيد سيواجه العالم إما الفناء وإما ثورة اجتماعية -اقتصادية وسياسية معًا، وما هذه الثورة إن لم تكن ثورة شيوعية في الإنتاج والتوزيع والاستهلاك؟

يتبع