وداعا لهوس الكتابة


عذري مازغ
2012 / 8 / 10 - 03:18     

ترددت كثيرا في الرد على أبراهامي على مقاله الأخير، "لم يفهموا كارل ماركس في يوم من الأيام”، لأسباب متعددة، في البداية فكرت بالطريقة المشرقية (جرير والفرزدق)، أن أرد الصاع صاعين كما يقال، وننتصر فيها للغة الحشو والهجو ولغة الرعد بدل الحوار، وقبل ذلك اعترف أني قرأت مقاله أكثر من مرة، وفي كل مرة، وعلى عادتي أسجل بعض الملاحظات، التي ربما تستحق المناقشة، لأجد ان الزميل هذا لم يناقشني في مقاله الطويل والساحق كما يعتقد إلا في ما هو فارغ تماما، حشو ولغو (ماعلاقتي بانقطاع الكهرباء مثلا؟ وما هو موضوع قلب معادلة ماركس رأسا على عقب وهو الموضوع الذي انتظرته في واقع الأمر حيث أشار إليه في تعليقه الأول الغير المنشور في مقالي: بهذا الخصوص انا لم اقلب شيئا بل اقتبست فقرة كاملة من مترجم عربي وسنرى فيما بعد هل هناك قلب أصلا مع احترامي الكامل للمترجم البراوي وتقديري للمترجمين، لأن الترجمة عادة ليست فقط تلك الترجمة الميكانيكية ومقابلة الكلمة بالكلمة، بل أيضا ترجمة المعنى)، وعادة حين تكون الفكرة مقنعة اتجاوزها إجابا، وانتقل إلى التي تثير او تحتل من وجهة نظري اختلافا او هي غير مقنعة، في رد السيد ابراهامي اثار نقدا يمس طريقة كتابتي في الصميم، بتعاملي الإجابي مع هذه النقطة وهو اثارها أكثر من مرة وله الحق في الأمر، سأعلن موقفا بدأ ينضج عندي منذ فترة حول الكتابة، (سيلاحظ القاريء أني لم أعد انشر بنفس الدينامية كما السنة الماضية مثلا، ومع هذا الجدل من حوار العقم ووجع الدماغ إضافة إلى إرحام عيني التي بدأت تفتقد البصر بشكل مخيف)، وهو اني أتقدم بكل الإعتذار للقراء على شغلهم بكتاباتي غير المفهومة كما أطلب عفوهم، ومعنى هذا أني ساقاطع الكتابة نزولا إلى احترام القاريء أولا وإراحة السيد أبراهامي ثانيا باعتباره قارئا أيضا ونزولا مني لرغبة ذاتية تخامرني في كثير من الأحيان: فالكتابة تثير لي الأوجاع أكثر مما تمتعني مع اني اعتز بها، وهو طبعا موقف متناقض باعتبار الكتابة ممتعة وموجعة، نعم اشعر بعجز كبير في ترجمة أفكاري إلى الكتابة وعجز في تطويع اللغة خصوصا هذه اللغة الكلاسيكية العربية التي لا أفرق فيها بين السين والصاد أوالدال والذال والضاد، أو بين الأسرة (العائلة) والأسرة (ج سرير) و الكثير من الكلمات التي تفاجئني غفلة، وعموما أفضل الخطابة الشفهية بشكل عام.
هذا موقف صارم له علاقة أيضا بشخصيتي، ولأشرح الموقف أكثر ساعطيكم موقف مشابه من حياتي العملية: اعمل في الحقل النقابي، عمليا أعمل في ميدان المواجهة المباشرة التي تجمع العمال وارباب الشغل، لدي موهبة خاصة في الإقناع وإدارة الحوار بشكل إجابي يفيد العمال الذين أمثلهم في نزاعات الشغل، أستطيع ان القي كلمة في حشد هائل من العمال دون ان أثير فيهم الملل والنوم، ولدي في الأمر مزايا أخرى لا سبيل لذكرها، هذه السمات تجعل مني نقابيا ناجحا أو على الأقل يحظى بكثير من الإحترام سواء داخل العمال المهاجرين او العمال الإسبان المحليين أو حتى مع ارباب العمل، بعد مرور أربع سنوات، لم أحقق اهم شيء في الأمر كان هدفا لي من العمل النقابي هو التمكن من تنظيم وانخراط العمال المهاجرين الذين يشكلون في منطقة ألميريا أكثر من 70 في المائة من اليد العاملة، وبعد نقد ذاتي موضوعي شخصت فيه الجوانب المعيقة في العمل، وهي كثيرة ومعقدة ومترابطة بشكل لا يمكن التحدث عنها بهذه اللغة التي لا اطوعها طبعا ولتوضيح اكثر ألخص بشكل عام أن العمل مع العمال المهاجرين أصعب بكثير من العمل مع العمال المحليين (وهذا موضوع موجع آخر لا أريد الدخول في تفاصيله) لهذه الأسباب استقلت من التفرغ في العمل النقابي في الوقت الذي تهز اوربا موجة من البطالة العارمة ولا زلت أمانع للعودة رغم إلحاح رفاقي في العمل النقابي. والخلاصة لا أكتب بغرور الإحساس بأني كاتب، ولم أكن في حياتي النقابية نقابيا انتهازيا وهذا يعرفه كل الذين تعاملت مع قضاياهم وحين اتوقف من الامرين، أعني العمل النقابي والكتابة فلأني متعب تماما منهما وأضع حدا لوجعهما.
تعاملت مع كتابات الشلة بإجابية بدليل أني أناقش نصوصا كتبوها، وأعترف بأن في هذا الجدل نوع من العقم الجدالي الموضوعي، أقصد أن هناك شيء ما يمنعنا من تطوير نقاشنا، طرحوا الكثير حول موضوعات ماركس، حين تناقشهم في هذا الكثير المثار، تأتي ردودهم بواجب التخلص أو تجاوز موضوعات ماركس، وجميل الأمر إذن (أو "إذا"، لا أدري أيضا أيهما أصح) أن نتجاوز ماركس، لكن ماهي إذن منطلقات هذا التجاوز؟ هل من المقنع مثلا أن نأخذ بالفكرة التي تقول، "العمال في أوربا يأخذون 70 في المائة من التعويضات؟" الرأسماليون في اوربا يدفعون الضرائب لينتعش الآخرون!. من من الأوربيون يصدق هذه الأكذوبة الباهظة الثمن غير شلة (ولا أقصد شلة الحوار المتمدن) من المهاجرين الساذجين؟ من العيب والعار أن نخاطب قراء الحوار المتمدن وهم بالملايين بهذه السذاجة الفجة: الأغنياء يدفعون الضرائب! أو 70 في المائة...، وممن هذا الكلام؟... من زملاء لهم تكوين وشهادات في الإقتصاد. إنه حقا زمن المثقف الرديء في ربيع الحراك الجماهيري عندنا
دعونا نتمسك أو بتعبير أصح نناقش اولا بعض المنطلقات التي طرحتم الجدل فيها قبل الوصول إلى المريخ، فالمريخ والكومبيوتر، وبعبارة هذا الذي اسميه الإبهار، هذه الدعوة للإنبهار لا تحل مشكل البطالة المتفاقمة في أوربا عدا ان نتكلم عن الحروب والمجاعات والاوبئة الأخرى في باقي الدول، هذه الدعوة لا تفسر لنا مثلا كيف نجد البعض يملكون ما لا يستطيعو إنفاقه في الوقت الذي ملايير البشر تعاني من إجاد فرصة عمل، هذه الدعوة أيضا لا تفسر كيف لدول ما تعاني المديونية بينما يبلغ رأسمال قلة من أغنيائها ما يفوق كامل ديونها العامة. هذه بعض النقط التي كنت ارمي إلى مناقشتها بعد ان نضع بعض الأحرف في المنطلقات،، سأكرر بهذا الصدد بان الذين تجاوزوا او توهموا بأنهم تجاوزوا منطلقات ماركس لم يفعلوا سوى على تطميس منطلقاته وهذا بالتحديد ما اصابني بالعقم في أن لا أتجاوز إشكالية فائض القيمة المطروحة للجدل حتى الآن، لان المسالة ليست بسيطة كما يعتقد الكثير، وكلما طلع مقال يستوضح جزءا منها جاءت سيول مقالات تغرد بهذا تجاوزا: نحن في عصر (لا أقصد العصر الذي تؤدى فيه الصلاة) المريخ، هاكم إذن أو(إذا) عصركم المريخي.
وقبل أن أنهي هذه الورقة وأودع الحوار المتمدن وقراءه سأعود إلى موضوع ردي على السيد ابراهامي للتوضيح هذه المرة وليس للإستفزاز الثقافي، انت على حق في تنبيهك إلى تلك الترجمة في العبارة التي تناولت الموضوع الذي يهمك، مع تسجيل اني اعود لمناقشة الأمر من باب ما أثير في حقي من حشو ومبالغة عابرة وصلت حتى المريخ (وها أنا أعود مرة أخرى إلى دائرة العقم واعاود مسالة فائض الرهج) إن ذلك الحشو من الكلام لا اساس له ولا يبهج مع الأسف لا السيد أبراهامي ولا زملاء الشلة (ملاحظة تتكلمون عن النزاهة (بيان الشلة) ولا واحد فيكم خرج عن تلك المقولة المشرقية: انصر أخاك ظالما او مظلوما، في التعليقات (أي في حدود ماقرأته من التعليقات)، الأستاذ مالوم ابو رغيف هو الوحيد الذي سجل ملاحظاته ببالغ النزاهة ويستحق منا كل الشكر والتقدير) قلت أن ذلك الحشو لا يبهج لأسباب عديدة منها:
لم افتري على ماركس ولا على غيره، نقلت بأمانة فقرة من الراسمال لمترجمه المصري، في موضوع الظلم، وبالرجوع إلى مصادر أخرى، الترجمة الفرنسية والإسبانية والترجمة العربية لدار موسكو كانت ترجمة الجملة التي كانت مهمة عند أبراهامي تتوافق مع ترجمته، ونحن هنا لا ننكر عليه امر تنبيهه. أشكره جزيلا على التنبيه، لكن الحكم علي من خلال تعاطي مع مرجع، أن تلفق لي "قلب معادلة" بناء على ذلك التعاطي، هذا أيضا ليس من النزاهة في شيء
في موضوع الفقرة التي كانت موضوعي المهم شخصيا للتمييز في مضمون قوة العمل، الترجمات كلها متقاربة في المعني، أقصد حتى ترجمة البراوي، وتبين بجلاء أن جزء من قوة العمل يؤديها العامل ولا يتلقى اجرا عليها وهي مصدر الربح، وهذا ظلم إن لم يقله ماركس اقوله انا شخصيا وهذا الظلم يتجسد عمليا في اختلاس وسرقة هي سر غنى الأغنياء وفقر الفقراء، هناك أيضا ملاحظة هي التي جعلتني أقتبس تلك الفقرة ولها علاقة بموضوع التمييز الذي يتكلم فيه أبراهامي بين قوة العمل والعمل وهي تعبير ماركس في استعمال هذا المفهوم "قوة العمل" حيث يستطيع العامل الإبقاء عليها (أي على قوة العمل) طيلة يوم العمل، هذا الإبقاء عليها هو من يولد الربح، بمعنى ان قوة العمل تبقى تبذل طيلة يوم العمل ( العمل هو بذل قوة العمل، هو بذل النشاط الإنساني في عملية العمل طول وقت العمل، إذن (أو إذا) في ماذا يفيد التمييز بين العمل وقوة العمل بما أن هذه الأخيرة هي في عملية العمل تتحول قيمتها الإستعمالية إلى القيمة طيلة يوم العمل؟ هذا الآن لا يهم ولن أدخل في لعبة العقم، كما لن أنتظر ردا كاسحا أوغير كاسح كما لا أطلب تفهما للأمر، مادام لن يدخل في أدمغتنا مبدأ الإقناع والإقتناع وما دام أن من خصوصيتنا المتخلفة أن ننتصر للخطابة وبلاغة الحشو..
وبعد هذا التوضيح أسأل أنا بدوري، لماذا هي تهمك ترجمة العبارة التي تتناول نطقا "ظلم" او "لاظلم" ولم تهمك ترجمة الفقرة كاملة. ثم ماذا تعني أيضا جملة بين نقطتين لماركس تأتي بعد هذه الفقرة بالتحديد وتقول (وسأنقل لك ترجمة موسكو مع تسجيل أسفي كوني لم أدرس اللغة الإنجليزية :”لقد توقع صاحبنا الرأسمالي هذه الحادثة سلفا، وهذا ما حمله على الإبتسام"
في فهمي الخاص تعني أن الجملة السابقة، "هذا الواقع ماهو إلا من الحظ الخاص للشاري، ولكنه لا يشكل أي إجحاف بحق البائع"، هذه الجملة هو توقع افترضه ماركس على لسان الرأسمالي وإلا لماذا ادرج ماركس هذه القولة، بمعنى ان الأمر ليس ظلما من وجهة نظر الرأسمالي لأنه يتوقع أنه حظ له كما يتوقع أيضا أنه ليس إجحافا للعامل، ومع ذلك، وفي العادة، في الوعي الجمعي للعمال أيضا ليس أيضا هذا الأمر إجحافا، يتجرد هذا التشخيص الماركسي لواقع الإستغلال من طابعه المادي الملموس ليستقر في الوعي (وعي العامل) كأجر يومي قدري شرعي، وطبعا العمال لايتكلمون على فائض القيمة بالوعي السياسي بقدر ما يتكلمون عن الأجور ومقارنتها بأجور زملائهم في مناطق أخرى او ورشات أخرى، وهذا الوعي بالتحديد يتساوي مع وعي وتشخيص بعض رفاق الشلة، بمعنى ليس هناك فرق بين تعليق احد الزملاء الذي أثار هذا الأمر، ووعي العامل البسيط، العمال يعرفون أن الرأسمالي يربح ولكن لا يعرفون كيف يربح. وبما أن تطور وسائل الإنتاج اوصلتنا إلى عصر المريخ فإن الربح أيضا أصبح مريخيا، كما أصبح رزقا صافيا لادخل للآخرين فيه (كالعمال مثلا)، هكذا بالتحديد يتساوى الأمر بين الوعي الساذج للعمال والوعي المعمق لليبراليين الجدد.
ختاماسأكتفي بهذا الرد السريع الغير كاسح بالطبع، أطلب السماح من كل الرفاق والزملاء الذين ربما تجاوزت ادب اللياقة في حقهم في جدالات سابقة. أحيي جهود إدارة الحوار المتمدن الذين منحونا موقعا هو من أفضل المواقع عالميا، وأتمنى صادقا أن يستغله الزملاء والزميلات في الحوار المثمر
وداعا لأوجاع الكتابة
سأبقى متابعا
تحياتي للجميع