التيار الديمقراطي والنزاعات الاقليمية / الدولية


لطفي حاتم
2012 / 8 / 6 - 16:04     


دابت ومنذ فترة طويلة التريث في تشكيل رؤية سياسية متسرعة للاحداث الساخنة ورغم ذلك ومنذ الاحتجاجات الشعبية حاولت جهد الامكان تحليل طبيعة تلك الاحتجاجات وارتباطاتها بالمرحلة الجديدة من تطور العلاقات الدولية المرتكزة على وحدانية التطور الراسمالي ونزاع مراكزه الجديدة و الاستعمارية وبهذا المسعى توصلت مع كثرة من الباحثين الى بعض الموضوعات الهامة انطلاقا من زوايا فكرية متعددة ورؤى شخصية أهمها : ـ
ـــ تتركز النزاعات الاستراتيجية بين المراكز الرأسمالية الناهضة منها والقديمة حول الحد من انفراد بعض الدول الكبرى باتخاذ اجراءات فردية لحل النزاعات الدولية والدعوة الى معالجتها عبر مجلس الامن استنادا الى مبادئ المنظمة الدولية الاساسية المتمثلة باحترام السيادة الوطنية ، حل النزاعات بالطرق السلمية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية .
ـــ أفرزت النزاعات الاستراتيجية بين الدول الراسمالية نمطا جديدا من النزاع الدبلوماسي تمثل بتفعيل دور الجمعية العمومية في محاولة من الدول الراسمالية القديمة لجعل البلدان الرأسمالية الناهضة ــ روسيا والصين ودول البريكس الاخرى ــ اقلية بهدف محاصرة مواقفها الدبلوماسية الرافضة لاستخدام العنف وعدم الانحياز لأطراف محددة في النزاعات الاقليمية .
ـــ أحدثت الاحتجاجات الشعبية العربية تعديلا على الاصطفافات الاقليمية لصالح المراكز الراسمالية الاستعمارية وذلك من خلال الوقائع الأتية : ـ
ـــ الاحتجاجات الشعبية العربية شجعت الدول الخليجية العربية المحافظة للتدخل المباشر في مسار الحركة الاحتجاجية الشعبية فضلا عن هيمنة تلك الدول على الجامعة العربية وتحويلها الى أداة سياسية لتغيير الانظمة السياسية بما يتجاوب ومصالحها الاقليمية .
ــ التدخل الخليجي في الاحتجاجات الشعبية تجلى باشكال مختلفة منها مساندة التيار الاسلامي السلفي ومنها تسليح المعارضة المسلحة ومنها الدعوة الى التدخلات العسكرية الخارجية ، وبهذا المعنى اشير الى ان فكر وسياسة القوى الحاكمة في الدول الخليجية تتطابق وأهداف اليبرالية الجديدة الساعية الى تخريب الدول الوطنية وتشكيلاتها السياسية .
ـــ إكتسى دخول تركيا وايران على خط الاحتجاجات الشعبية ومساندتهما التيارات الاسلامية ، طابعا مذهبيا الامر الذي أفضى الى تصادم المصالح الاقليمية بين الدولتين .
ـــ تزامن الاصطفاف التركي ــ الخليجي لمواجهة نتائج الاحتجاجات الشعبية مع انقسام في الدولة العراقية تمثل باصطفاف حكومة المركز مع الدول الرافضة للتدخل الخارجي في النزاعات السياسية وبالضد من ذلك تبنت حكومة اقليم كردستان موقفا يتماثل ومواقف الدول الراسمالية الكبرى لاعتبارات قومية مستقبلية .
خلاصة القول ان تفعيل التحالف الاستراتيجي بين دول التحالف الاطلسي والنظم المالية الخليجية يهدف الى تحقيق أهداف استراتيجية تتمثل باضعاف الدول الوطنية واعادة بناء نظمها السياسية على اسس مذهبية عشائرية تتجاوب وطبيعة التوسع الراسمالي المعولم .
استناداً الى الوقائع السياسية المختزلة المشار اليها تعترضنا كثرة من التساؤلات منها : ـ ما هي مواقع القوى الديمقراطية الوطنية من الاصطفافات الدولية الأقليمية الجديدة ؟ وما هي مستلزمات بناء رؤية وطنية ديمقراطية تتجاوب والتبدلات الدولية الجارية ؟ وأخيراً ما هي المهام الواقعية التي تواجه القوى الديمقراطية في الظروف التاريخية المعاصرة ؟
لغرض التقرب من مضامين التساؤلات المثارة لابد من رفدها بالمحددات الآتية : ـ
ــــ الاحتجاجات الشعبية وبسبب تعدد كتلها الاجتماعية وغياب قيادتها السياسية اصبحت وسائلا لتدخل الدول الكبرى في شؤون الدول العربية لغرض اعادة بناء نظمها السياسية وتوجهاتها المستقبلية.
ـــ اختزال نتائج الاحتجاجات الشعبية بالشرعية الانتخابية أفضى الى هيمنة قوى الاسلام السياسي على الحكم وبهذا المعنى فان نتائج الاحتجاجات الشعبية شكلت تراجعا تاريخياً في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية .
ــــ وقوف التيار الديمقراطي المناهض للدولة الطائفية ومشاركته في التغيرات الوطنية يشترط بناء رؤية فكرية سياسية أرى بعض منطلقاتها في الموضوعات الآتية : ـ
أولا: ـ المطالبة باحترام قواعد القانون الدولي والشرعية الدولية الضامنة لعدم التدخل في الشؤون الداخلية والمساعدة في حل النزاعات الاجتماعية بالطرق السلمية ، وشجب التدخلات الخارجية الهادفة الى تفكيك الدول ونظمها السياسية
ثانياً : ــ التركيز على البناء الديمقراطي للدول الوطنية استنادا الى الشرعية الديمقراطية التي تعني التداول السلمي للسلطة السياسية عبر المنافسة الحزبية المرتكزة على البرامج الاقتصادية والسياسية .
ثالثاً: ـ ـــ التأكيد على الحوار والمصالحة والمشاركة الوطنية في اجراء الاصلاحات الديمقراطية لغرض الحفاظ على الدولة الوطنية وتشكيلتها الاجتماعية .
رابعاً : ـــ مناهضة العنف المسلح بكل اشكاله استنادا الى التجربة التاريخية التي أكدت أن العنف المسلح الهادف الى استلام السلطة يفضي الى احتكارها ويستنهض عنفا مضادا جديداً .
ان بناء رؤية سياسية قانونية للتعامل مع الاصطفافات الإقليمية الجديدة تدفع بالتيار الديمقراطي الى حشد قواه الاجتماعية لمواجهة الكثير من الهزات السياسية ورياح النزاعات العسكرية التي تحوم نذرها على الدول الوطنية وتشكيلاتها الاجتماعية .