الاقتصاد الخدمي وحكاية نهاية الرأسمالية


أنور نجم الدين
2012 / 7 / 17 - 10:44     


تمهيد:

مع تطور الرأسمالية تتطور أيضًا مفاهيم اقتصادية جديدة للتعبير عن الحياة التنافسية للمجتمع البرجوازي. فمع تطور تقنية المعلومات مثلا، ظهرت مفاهيم جديدة مثل مفهوم الثورة المعلوماتية، والاقتصاد المعرفي، والتجارة الألكترونية، والمجتمع المعلوماتي هو المجتمع التزاحمي الذي يعتمد في الأساس على الأنشطة الألكترونية وشبكة المعلومات العالمية للإنتاج والتسويق، فهذه الشبكة تقدم مواد جديدة لإنتاج السلع وإدارة توزيعها وتسويقها في السوق العالمية. الأمر الذي أدى إلى نشوء أنشطة ومفاهيم اقتصادية جديدة مثل مفهوم أنظمة الخدمات ومن ثم الاقتصاد الخدمي.

الاقتصاد الخدمي:

إن تطور السلع مع المنافسة في السوق العالمية جعل من خدمات المؤسسات، حجر الزاوية لإستراتيجية الشركات الرأسمالية -الصناعية والتجارية والمالية- في العالم.

إن البيئة التزاحمية للشركات الرأسمالية في ما يسمى بالمجتمع المعلوماتي، ستجعل من تقديم الخدمات أمر ضروري للبقاء في السوق. لذلك فأصبحت إدارة العلاقات بين المؤسسة وزبائنها، أمرًا في غاية الأهمية في الوقت الحاضر. فللحفاظ على وجودها، ستكون الشركات الرأسمالية، مضطرة للغاية، لاستخدام أكثر الطرق التنافسية لمسايرة المنافسين في السوق العالمية. وهذه السوق ستجعل من الخدمات الداخلية للمؤسسات بين الوحدات الإدارية، والغرض منها تقديم الخدمات للزبائن وهو ضرورة من ضرورات حياة المؤسسات الرأسمالية.

وهكذا، فان اقتصاد الخدمات أو الاقتصاد الخدمي (Service Economy)، نتاج تطور رأس المال الصناعي وراءه منتجات تقنية المعلومات، لا يمثل سوى تطور الرأسمالية. إن الاقتصاد الخدمي مفهوم يشير إلى الزيادة في الفعالية الإنتاجية عن طريق تحسين نوعية البضائع، وكلفتها، وسرعة وصولها إلى السوق، والخدمات التي يحتاجها الزبائن تسمى خدمات ما بعد البيع، فهو في الوقت الحاضر، جزء أعظم من إدارة الأعمال (Business)، واستخدام الموارد البشرية (Human Resources - HR) استخدامًا فعالاً.

أنواع الخدمات:

ان وجود الخدمات مرتبط ارتباطا مباشرًا بالسلع والمنتجات الرأسمالية. مثال: تأجير العقارات، صيانة وتصليح السلع المباعة (السيارات والكهربائيات والألكترونيات)، تأجير السيارات والماكينات الأخرى، الغسل الآلي للسيارات، التأمين، المحاماة، تدقيق الحسابات، الاستشارات القانونية، الخدمات المالية، تصميم البرامج الالكترونية للتسويق، خدمات التصدير والاستيراد، ثم خدمات السياحية، خدمات الفنادق، السينما، مكاتب العمل، كتابة السيرة الذاتية لمن يبحث العمل بما فيه الدعارة .. إلخ، إلخ.

وهكذا، فالخدمات أو الاقتصاد الخدمي، ليست سوى حركة رأس المال التنافسية نفسها، وهي جزء عظيم من الأعمال التجارية تلحق الصناعة الرأسمالية، انها حاجة الصناعة والمجتمع الصناعي، بل وخادمة رأس المال الصناعي. وإن أسعار كل هذه الخدمات، خاضعة كليًا، ومثل أية سلعة أخرى، لقانون العرض والطلب.

الخلاصة:

إن النظم الإستراتيجية للشركات الرأسمالية في العالم أجمع، وفي الدول الصناعية على الأخص، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية -وهي أعظم دولة رأسمالية في الوقت الحاضر- تهدف خطتها لزيادة الفعالية الإنتاجية (Productivity)، وهي تشمل العلاقات بين الزبائن والمؤسسات، وربط أهداف المؤسسة بطلبات الزبائن، وتقديم نوعيات جيدة من السلع، وتقديم خدمات مستمرة للزبائن (24 ساعة يوميًّا) وعلى مدار العام، والتعرف على أدوار المنافسين وموقعهم في السوق.
وهكذا، فإستراتيجية المؤسسات الرأسمالية هي نظم القرارات ورؤية رسالتها المعروفة في الإدارة المعاصرة بـ (Vision & Mission)، فكل مؤسسة رأسمالية تسعى للوصول إلى الهدف وهو البقاء وزيادة الأرباح، من خلال نظم إستراتيجية تسمى (SWOT): القوة (Strengths - S)، الضعف (Weaknesses - W)، الفرص (Opportunity - O)، التهديدات (Threats - T).

وهكذا، فعالم المنافسة، هو عالم الابتكارات العلمية في الإنتاج والإدارة الرأسمالية. وان الاقتصاديين البرجوازيين اقترحوا في العقود الأخيرة مفهومًا اقتصاديًّا جديدًا للعالم المعاصر، وهو المجتمع ما بعد المجتمع الصناعي، أي مجتمع الاقتصاد الخدمي المعلوماتي الذي يعتمد على المعرفة في تطوير إدارة الأعمال من زاوية حرب المنافسة الرأسمالية، وهي تأتي نتيجةً لتطور رأس المال والنظام العالمي للرأسمالية لا نهايته، كما يتوهم البعض.

إذًا فإن المجتمع الذي نعيش فيه هو المجتمع الذي يعود طور نشوئه إلى القرن السادس عشر، وطور تكامله إلى القرن الثامن عشر، وطور نزاعاته الحاسمة مع البروليتاريين الشيوعيين الذين يحملون في نضالاتهم رسالة تاريخية جديدة للمجتمع إلى القرن التاسع عشر, وطور تقدمه العملاق إلى القرن العشرين، قرن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، قرن ما يسمى بـ (الاقتصاد الخدمي) في الأدب البرجوازي. وإن الحرب الطبقية بين البرجوازية والبروليتاريا العالمية، لا بد أن تصاحب الأزمات الاقتصادية التي تصيبها النظام الرأسمالي العالمي بين حين وآخر ابتداءً من عام 1825، وإن هذه التطورات وايجاد مفاهيم تنافسية جديدة، لا يغير شيئًا من طبيعة الإنتاج، والتوزيع، والتبادل، والاستهلاك في المجتمع الرأسمالي، ولا من الهدف التاريخي للبروليتاريا، أي الاشتراكية، الحياة الكومونية التي تأتي من خلال إزالة قانون القيمة والاستعاضة عن الأسلوب الإنتاج الرأسمالي بأسلوب الشيوعي في الإنتاج والتوزيع والاستهلاك.