الكتلة التاريخية التي ستنقذ العراق- ج 2


وليد يوسف عطو
2012 / 7 / 11 - 11:37     

برغم التعارض الظاهري بين الشيوعيين من اصحاب المدرسة التقليدية المبتذلة وبين المتدينين , الا ان اننا عند بحثنا للمسالة نجدهما يتفقان في منظومتهما الفكرية تماما .
فالشيوعي ياخذ ثقافته من عائلته او اقاربه او اصدقائه في الدراسة وفي العمل , هذه المعلومات ستدخل في ذاكرته كارشيف ثابت لعشرات السنين بدون ان يجددها , في حين ان الواقع متغير باستمرار . والمفاهيم والافكار هي انعكاس للواقع .
والمتدين لديه نفس المنظومة , فهو يلقن الدين منذ الصغر حسب مذهب ودين عائلته , ويبقى يرددها طوال عمره وتدخل في ذاكرته كارشيف ثابت بدون ان يجددها في حين ان الواقع يتبدل باستمرار .
والقران نفسه فيه الناسخ والمنسوخ وفيه ايات مكية وايات مدنية جاءت لتعكس الواقع المتغير للاسلام في المدينة.وفي المسيحية هناك اربعة اناجيل تعكس اربعة وجهات نظر لاهوتية مختلفة عن شخص السيد المسيح
الشيوعيون والمتدينون ينطلقون من حقائق يقينية ثابتة ومطلقة وجزمية ( دوغما ).وكذلك هم الشيوعيون ,فنظريتهم لايتناطح حولها عنزان . فهي صحيحة امس واليوم وغدا والى الابد ...
هكذا يتخيلون او يتوهمون ...
اذا عدنا الى التجارب الاشتراكية الفاشلة ,هل هي حقا تجارب اشتراكية ؟ام راسمالية دولة ؟ ام غير ذلك ؟ ومن يقرر ذلك ؟ .
واذا كان التطبيق فاشلا ,الا يعني ذلك ان النظرية فاشلة ؟ او جزء كبير منها فاشل ؟
واذا كانت الماركسية نظرية فهي قابلة للخطا مثلها مثل باقي النظريات .
ان التمسك بالنظرية يعني تكييف الواقع ليواكب النظرية كما فعل الشيوعيون السوفييت , في حين ان الماركسيةجوهرها الديالكتيك القائم على وحدة النقيضين ,انها منهج بحث جدلي وليست نظرية . المنهج يرصد الواقع المتغير ليحلله ويساعد على تغييره .النظرية تدخل في باب الاحتمالات وبالتالي جزء كبير منها هو وهم .الشيوعيون والمتدينون اناس واهمون . انهم يحلمون بيوتوبيا غير قائمة في الواقع .
المتدين يحلم بجنة سماوية لم ينزل منها احد ليخبرنا عنها . والشيوعي يحلم بجنة شيوعية غير موجودة على الارض .
الشيوعي والمتدين يعيشان في دوائر مغلقة ومكررة من الاوهام والاوثان التي يعتبرونها هي الحق والحقيقة .يقول السيد المسيح :
(تعرفون الحق والحق يحرركم )انجيل يوحنا ,الاصحاح الثامن , العدد الثاني والثلاثون .
الحق في الانجيل هو الله وهو الحقيقة بعينها ,هذه الحقيقة تقود الى الحياة الابدية : ( الحياة الابدية هي ان يعرفوك انت الاله الحق وحدك ) يوحنا 17 – 3.تنبع معرفة الله من داخل النفس , وهي معرفة تلقائية قائمة على الفطرة ولاتقوم على المنطق والقياس والقراءة , معرفة نابعة من داخل الانسان . وبدلا من ذلك قامت الكنيسة بعد قرون بوضع قانون للايمان ( تابو ) , من يخالفه يعتبر خارج الملة وبالتالي يعتبر من الهراطقة والكفرة ومن هنا ابتدات الحروب الدينية .
الشيوعي الذي يمتلك الحقيقة المطلقة يتحدث باسم الحزب والطبقة العاملة وباسم الشرعية الثورية ودكتاتورية البروليتاريا .والمتدين يتحدث باسم الله .وهكذا رفع الخوارج شعار ( لاحكم الا الله ) فاصبحوا ناطقين باسم الله , وبالتالي كفروا كل الذين اختلفوا معهم وخالفوهم .
ان الافكار القائمة على العقائد الجامدة والايديولوجيات والنظريات الثابتة في السياسة والاقتصاد والدين , تنتهي بكره ورفض الاخر المختلف معها , وتصل الى التسقيط السياسي وتلويث السمعة وتنتهي بالقتل .السبب , ان هذه النظريات والعقائد جامدة وثابتة في حين ان الواقع متغير .وهي افكار قسرية يتم تلقين الاتباع عليها ,وهي لاتنبع من داخل الانسان , وهذا يؤدي الى التصادم مع الاخر المختلف ,خصوصا وان ثقافة مجتمعاتنا قائمة على الثنائيات المتعارضة : تقدمي – رجعي , وطني – عميل , ملائكة – شياطين , جنة – جهنم . لايوجد في الديانات ولا في الماركسية شيء يقيني وثابت وجزمي . هذه الافكار الجامدة واليقينية تحولت الى اوثان ,يسميها الشيخ ابن عربي ( قناع الاله المجعول ). هذه الاوثان هي التي تقود الى العنف والكره والقتل :بالروح بالدم نفديك يا ....
( وطن تشيده الجماجم والدم .. ) , ( اليمشي ابدربنا شيشوف يابو علي لو موت لو سعادة )..الخ ولهذا فالاحزاب الشمولية من شيوعية وقومية كالبعث ودينية تكون متشابهة في المنظومة الفكرية . انها ثلاثة وجوه او ثلاثة اقانيم في صنم وجوهر واحد .ان اساس اشتغال المنظومة العقدية لدى ثلاثتهم هي واحدة .اما الانسان الحر فيقبل بتعدد الافكار والديانات والمذاهب والفلسفات والاحزاب ولهذا قلت مرارا لو استلم الحزب الشيوعي السلطة في عام 1959لمارس نفس العنف والقتل كما فعل البعثيون منذ انقلابهم الاسود في شباط 1963 من خلال الحرس الفاشي المسمى بالحرس القومي واجهزة الدولة الامنية .ولمارس نفس العنف والقتل الذي تمارسه اليوم الميليشيات الاسلامية بعد سقوط نظام صدام والبعث عام 2003.
من هذه النظرة يتبين ان المنظومة الفكرية للشيوعيين التقليديين اي شيوعية الاحزاب المبتذلة , تتشابه مع المنظومة الفكرية للمتدينيين ومنهم التيار الصدري . ولكي يستطيع الشيوعيون الاقتراب من التيار الصدري عليهم تحطيم اوثانهم الفكرية , وعند ذاك فقط يستطيعون بعقلانيتهم التي تحررت من القيود والاصنام التقرب الى التيار الصدري ومداعبة اوهام الصدريين وانزالهم الى ارض الواقع .هذا المشروع طويل الامد وهو مشروع ثقافي , اجتماعي , طبقي وليس مشروعا سياسيا .
المشروع السياسي يبدا بعد انتهاء المرحلة الاولى والتي تنهي بتحطيم اوثان الشيوعيين , والتي قد تستغرق فترة سنوات طويلة . وعند ذاك يبدا المشروع بالبرنامج السياسي .
يكتب الدكتور فارس كمال نظمي في كتابه : (الاسلمة السياسية في العراق – رؤية نفسية ) :
( ان اشد مايحتاجه العراق اليوم ,بزوغ حركة اجتماعية منظمة , تتبنى حقوق الاغلبية المحرومة ضمن الاطارين السياسي والنقابي , وتجعل تلك الحقوق مطلبا اجرائيا يوميا يتجاوز حدود الدين والطائفة والايديولوجيا والمكاسب الانتخابية الشكلية ,الى افاق الدولة والوطن والانسان .
ولان الشيوعيين والصدريين يكادان ان يكونا الحركتين السياسيتين الوحيدتين المتجذرتين بعمق في التربة الاجتماعية لنسبة كبيرة من عرب العراق , وحققتا تنظيما دقيقا وحقيقيا في حياة المضطهدين ,بخلاف التيارات الاخرى التي نشات على نحو نخبوي او مصطنع او انقلابي , فانهما مدعوتان الى تبني خيار التقارب السياسي التنسيقي بينهما ,ضمن مشروع ( كتلة تاريخية )ضاغطة تنبذ اي اطار تنظيمي عسكري للعمل السياسي ...... وذلك لتحقيق برنامج الكتلة التاريخية ) . ويكمل الدكتور نظمي : (ولذلك يحتاج احدهما الاخر ,ليس على مستوى الاندماج المفتعل وغير الواقعي , ولكن بغية التشاور والتنسيق والتفاعل وتبادل الخبرات في مجال التخطيط السياسي للسلوك الاجتماعي – الاصلاحي ,ما دام يجمعهما الوعي المعارض بالمظلومية ,فضلا عن توفر عدد غير قليل من امكانات التقارب الوجداني الضروري لنجاح اي نشاط سياسي , اذا علمنا ان مكونات مهمة في القاعدة الصدرية لها جذور ماركسية او يسارية على الاقل .....على طريق تاسيس كتلة تاريخية عراقية كبرى ( علمانية – دينية ), تسعى لاصلاح العلاقة المختلة بين المجتمع والدولة والسلطة , سيرا نحو حلم قيام (الامة العراقية ) .
ان تحقيق مشروع الكتلة التاريخية يستلزم من الشيوعيين العراقيين التخلي عن الماركسية النمطية المبتذلة القائمة على مناقشة المصطلحات ونقد النصوص وهي لاتفضي الى شيء اطلاقا ,والعمل على دمج الماركسية بالعلوم الانسانية كافة وذلك لغرض التنبؤء بالظواهر الاجتماعية ومعرفة العقل الجمعي العراقي والشخصية العراقية والنفسية العراقية ومعرفة الوعي الجمعي النفسي للشيعة بغية التاثير في الاحداث وتغيير مساراتها والتقاط اللحظة التاريخية المناسبة لغرض الفعل الثوري .وبغير ذلك فان الجدل والنقاش النظري بين الماركسيين والشيوعيين عبر الحوار المتمدن سوف لايفضي الى نتيجة
على المودة نلتقيكم ...