والتيار الكهربائي ما زال منقطعاً


يعقوب ابراهامي
2012 / 7 / 10 - 17:00     

" البط الطائر لا يحقق قيمة استعماليه مطلقا ما دام طائراً. متى يكتسب قيمته الإستعمالية ؟ عندما يصطاده الإنسان بهذه الطريقة أو تلك ، أي بواسطة بذل عمل نافع مقصود . الحالة هنا مطلقة لا تقبل التشكيك أو النسبية : إما البط باق يحلق في السماء و لا يمثل قيمة إستعمالية ، أو أنه باليد فهو إذن قيمة إستعمالية" (حسين علوان حسين، خبير في موضوع فائض القيمة وعضو شرف في جمعية الرفق بالحيوان، يشرح لكل من يريد أن يسمع إن القيمة الوحيدة للبط هي في اصطياده وأكله. الحالة هنا مطلقة لا تقبل التشكيك أو النسبية : بطة لم يتم اصطيادها ولم تؤكل لا قيمة لها على الإطلاق).

نرحب أولاً بخروج الزميل حسين علوان حسين من المستشفى سليماً معافى ويسعدنا أن نكون نحن أول الخصوم الفكريين الذين يختارهم لمقارعته على صفحات "الحوار المتمدن".

نبدأ مباشرةً بطرح نماذج لكيف يجب أن يكون النقاش العلمي الرزين. هذه النماذج مستقاة من المقال الأخير لحسين علوان حسين ("الحوار المتمدن" – 5/7/2012) جمعناها خدمةً للقراء تحت عنوان: "ماذا تفعل عندما ينقطع التيار الكهربائي وماذا تقول عندما تفتقر إلى الحجة المقنعة ".

"ابراهامي يعيش في إسرائيل التي ترفل عائمة على بحر من فوائض القيمة و التي تتدفق عليها من سرّاقها ليس فقط بفضل العمالة الفلسطينية الرخيصة (العامل الفلسطيني مضطر للنضال يوميا كي يستطيع أقناع الرأسمالي و الشرطي و جيش الاحتلال الإسرائيلي بالاكتفاء باستغلال قوة عمله بأي شكل يرغبون و ليس اعتقاله و فرض الغرامات الباهظة عليه) بل و كذلك من كل قارات العالم مجانا" (لم أقرأ في حياتي جملة مهينة للعامل الفلسطيني كهذه الجملة).

"حَسْبُ البارون إبراهامي أن يهنأ بثمار المال الحرام". (كنت أظن حتى الآن أنني واحدٌ من ضحايا "فائض القيمة" لا من المنتفعين ب"فائض القيمة")

"إبراهيمي ومن لف لفه يستخدمون نفس هذه الأكاذيب و التزييفات و الخرافات". (للإيضاح فقط: "من لف لفه" هم الشلة)

"الأستاذ يعقوب إبراهامي يقف مذعوراً من الكشف الماركسي لحقيقة الرأسمالية لكونه يؤمن بأن النظام الرأسمالي هو التجسيد للنظام الشرعي". (رويدك يا أخي! أكبر من ذلك لم يذعرني)

" يزوّر جوهر الماركسية على النحو الأثير لدى إبراهامي". (تعجبني هنا كلمة جوهر. هناك جوهر وقشور في الماركسية).

" من خرافات عقل إبراهامي غير الماركسي و المولع بشرح الماركسية عبر التزييف و التخريف و التشكيك" (خرافات – عقل غير ماركسي – تزييف – تخريف – تشكيك. ماذا تريدون أكثر من ذلك في جملة مؤلفة من عشرة كلمات؟)

"ربما قرأ إبراهامي تلك النسخة الفريدة من "رأس المال" فيما هو يزور "غزة" مؤخراً لتجنيد شلة جديدة من بين صفوف الدينجية الحمساويين عن طريق تسويق إعلانه الأضحوكة المنشور في العدد (3741) من الحوار المتمدن. ولله في خلقه شؤون" (لا لم أقرأ لكنني كنت أفضل كلمة مضحك على أضحوكة).

" مثلما يخرف إبراهامي" (بيت القصيد).

بعد هذا الدرس الممتع في قواعد النقاش العلمي الرصين (أمرٌ واحد لم أفهمه: أبراهامي أو إبراهيمي؟) نعود إلى موضوعنا. وموضوعنا، كما كتبنا في عنوان المقال، هو انقطاع التيار الكهربائي وما أدراك ما انقطاع التيار الكهربائي.
للتيار الكهربائي فوائد جمة كلنا نعرفها. الجديد هو أن انقطاع التيار الكهربائي له هو أيضاً فوائد لا تقل أهمية عن التيار الكهربائي نفسه بل قد تفوقها أحياناً. حسين علوان حسين مثلاً يختبئ وراء انقطاع التيار الكهربائي. وهذا حقه طبعاً. حسين علوان يستطيع أن يفعل بتياره الكهربائي ما يشاء، لكنه لكي يقنعنا بصدق نواياه يجب عليه أولاً أن يشرح لنا كيف أدّى انقطاع التيار الكهربائي إلى تحويل "قوة العمل" إلى "ساعات عمل" وكيف أن هذا الإنقطاع في اللحظة المناسبة حوّل "العمل" إلى "قوة عمل"؟
يجب على حسين علوان أن يشرح لنا كيف استطاع انقطاع التيار الكهربائي أن يغير معنى الكلمة الأنكليزية
Labor-power
ويحولها إلى "ساعات عمل"؟
حتى زينة محمد، مع تيار كهربائي وبدونه، تعرف إن ترجمة هذه الكلمة هي "قوة عمل" وليس "ساعات عمل". لماذا إذن أخطـأ حسين علوان في ترجمة هذه الكلمة؟ ما دخل التيار الكهربائي هنا؟ لماذا يلتزم حسين علوان الصمت المريب ويفضل بدل ذلك الحديث عن "أكاذيب وتزييفات وخرافات" أبراهامي؟
أنا طبعاً أعرف الجواب على هذا السؤال. التمييز بين "قوة العمل" و"ساعات العمل" هو حجر الزاوية في فهم نظرية كارل ماركس في فائض القيمة، وحسين علوان، الخبير بفائض القيمة (أروني شخصاً آخراً على وجه البسيطة قرأ كتاب "رأس المال" بثلاث لغات مختلفة) لا يستطيع حتى الآن أن يميز بين هذين المفهومين. هو يخلط بينهما ثم يتهم التيار الكهربائي.

اسمعوا قصة: حسين علوان قرأ الجملة التالية لكارل ماركس : "لكي يتسنى له (أي: للرأسمالي) إستخلاص قيمة من عملية إستهلاك القيمة . . ." وقبل أن يتوقف قليلاً ليفكر في معنى هذه الجملة (عندها كان ربما سيدرك أن هذه جملة خاطئة وخالية من كل معنى) سارع في الإعلان للملأ: "إستمعوا لطفاً للإيقاع الفاتن للديالكتيك عندما يرقِّصه ماركس".
هذه الجملة ( "إستخلاص قيمة من عملية إستهلاك القيمة") هي حلم كل ديالكتيكي مبتدئ.. ما ليس في هذه الجملة؟ هذه الجملة تحوي كل شيء: وحدة الأضداد، صراع الأضداد، نقض النقيض، بل وحتى فناء الضدين (أين أنت حسقيل قوجمان؟). كل شيء.
أنا أيضاً كدت أقع في شرك "الإيقاع الفاتن للديالكتيك عندما يرقِّصه ماركس" لكنني سرعان ما أدركت أن شيئاً ما ليس على ما يرام في هذه الجملة. ما معنى "استهلاك القيمة"؟ كيف يمكن "استهلاك قيمة"؟ رجعت إلى كارل ماركس ورأيت أن هناك خطأ في الترجمة. نبهت حسين علوان حسين إلى ذلك وتوقعت أن يشكرني على الأقل. ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. تشاء الأقدار أن ينقطع التيار الكهربائي في هذه اللحظة بالذات وحسين علوان بدل أن يشكرني راح يسخر مني ويجعل مني اضحوكة في العالمين.
وهكذا كتب حسين علوان حسين (انتبهي جيداً زينة محمد) : نص ماركس الذي يشير إليه إبراهامي يقرأ: "ولكي يتسنى له استخلاص قيمة من عملية استهلاك القيمة . . .". ولم يهدأ له بال حتى أن أعلن: " النص أعلاه (أين أنت زينة محمد؟ أنت تحبين النصوص) هو ، في نظري ، آية في كيفية توظيف المنطق الجدلي في شرح جوهر العلاقات الإنتاجية الرأسمالية".
عزيزي حسين علوان حسين! لا آية ولا بطيخ. أنت تستطيع أن تنافسني (وقد تتغلب عليّ) في كل شيء ماعدا في اللغة الأنكليزية. أنا أعرف أنك قرأت كتاب "رأس المال" بثلاث لغات. أنا قرأت أقساماً منه بلغة واحدة فقط. ومع ذلك فالنص في النسخة الأنكليزية التي في حوزتي هو:
In order to be able to extract value from the consumption of a commodity . . .
وترجمة كلمة
Commodity
هي "سلعة" (كما تعرف ذلك حتى زينة محمد) وليس "قيمة".
ماذا بقى من "الإيقاع الفاتن للديالكتيك عندما يرقِّصه ماركس"؟ هل رجع التيار الكهربائي أم لا زال مقطوعاً؟

(الى صيادة المراوغين زينة محمد: أمامك فرصة نادرة لامتحان قدراتك الصيادية (واختبار تقدمك في تعلم اللغة الأنكليزية). كل ما عليك أن تفعلي هو أن تفتحي كتاب "رأس المال"، الطبعة الأنكليزية الصادرة عن دار النشر للغات الأجنبية في موسكو، الفصل السادس، ص 167، وتقرئي السطر رقم 14).

هذه الغلطة من جانب حسين علوان حسين لم تقع صدفة. حسين علوان لا يصدق أن هناك سلعة (قوة عمل) تخلق عند استهلاكها قيمة أكبر من قيمتها. هو يعتقد أن هذه خرافة من اختراع أبراهامي (أو إبراهيمي). ماذا نفعل وكارل ماركس يقول هذا صراحةً؟ تعالوا نبدل كلمة "سلعة" بكلمة "قيمة" - يقترح حسين علوان - وزيادةً في الإحتياط تعالوا نقطع التيار الكهربائي.

"الزعم الأول لإبراهامي : النظام الرأسمالي نظام شرعي"
هذا ليس ما قلته أنا. مرة أخرى يقع حسين علوان حسين ضحية انقطاع التيار الكهربائي.
حسين علوان كتب يقول ان النظام الرأسمالي هو نظام غير شرعي وأنا اعترضت عليه وقلت له ان هذا النوع من التفكير هو تفكير غير ماركسي. كارل ماركس لم يتكلم عن شرعية أو عدم شرعية النظام الرأسمالي (هذه ليست مفاهيم ماركسية) بل بحث التناقضات داخل النظام الرأسمالي (الشرعي).
يستطيع حسين علوان حسين أن يعتقد أن النظام الرأسمالي هو نظام غير شرعي. وقد يأتي بالكثير من الأدلة المقنعة على ذلك. أنا لا أريد أن أنافشه (ولم أناقشه) في هذا الموضوع. لكنه إذا فعل ذلك فإنه يفقد الحق في أن يطلق على نفسه لقب المفكر الماركسي.
أريد أن أكون واضحاً. أنا لا أقول ان المفكر الماركسي يجب أن يوافق على كل كلمة قالها وكتبها كارل ماركس (بل كدت أقول إن من يوافق على كل كلمة قالها وكتبها كارل ماركس ليس ماركسياً). ولكن من يريد أن يعارض كارل ماركس يجب أن يقول ذلك بجرأة وصراحة (مدعوماً بالأدلة المقنعة) لا أن ينسب لكارل ماركس أفكاراً هي بعيدة عنه وعن الماركسية.
حسين علوان (مثل مفكرين ماركسيين آخرين) لا يميز بين الدعاية والبحث العلمي. فهو بدل أن يناقشني، على أساس المبادئ الماركسية، حول صحة الحديث عن "شرعية" أو "عدم شرعية" النظام الرأسمالي، ألقى علي محاضرة مسهبة (ومضجرة في آنٍ واحد) حول مساوئ النظام الرأسمالي. أطلقت على ذلك مرة اسم "ابتذال الماركسية".

قارنوا ما كتبه حسين علوان حسين عن "عدم شرعية" النظام الرأسمالي بما كتبه كارل ماركس عن "شرعية" الإحتلال البريطاني للهند.
في مقالٍ تحت عنوان "الحكم البريطاني في الهند"، نشر في جريدة "ذي نيويوك ديلي تريبيون" بتاريخ 25 حزيران 1853، كتب كارل ماركس ما يلي:
"صحيح أن انكلترا، بإحداثها الثورة الإجتماعية في الهند (هندوستان)، كانت مدفوعة بأدنأ المصالح وأخسها وهي تتبع اساليب غبية في فرض هذه الثورة. ولكن هذه ليست المسألة. المسألة هي: هل تستطيع البشرية أن تحقق رسالتها بدون إحلال ثورة جذرية في الوضع الإجتماعي في آسيا؟ إذا كان الجواب على هذا السؤال بالنفي، فإن انكلترا، رغم كل جرائمها، ما هي إلاّ أداة غير واعية بيد التاريخ لإحداث هذه الثورة."

يقول حسين علوان: و لكن لماذا يقول إبراهامي أنه يشك كثيراً بالصحة المطلقة لقانون كون العمل هو وحده خالق القيمة ، و هو واضح وضوح الشمس ؟ في ظني لسببين جوهريين (حسين علوان يحب كلمة "جوهري") : أولاً ، لأنه قطعاً لا يفهم جوهر (مرةً أخرى "جوهري") القيمة الإستعمالية لسلعة قوة العمل و يخلط بينها و بين القيمة التبادلية ؛ و ثانياً لكي يتفادى النتائج التي يفرضها فعل هذا القانون الذي يقيم الدليل حالاً على سرقة الرأسمالي لقوة عمل العامل : إذا كان العمل وحده هو خالق القيمة ، و كان الرأسمالي لا يعمل و لا يحقق قيمة ، فمن أين تأتيه الأرباح الأسطورية من العملية الإنتاجية ؟

الجواب على السؤال (الجوهري؟) الذي يطرحه حسين علوان: من أين تأتي الأرباح الأسطورية للرأسمالي؟ أعطيته أنا في نفس المقال الذي يهاجمه حسين علوان حسين، ولم أنتظر حتى يسأله، ولكن حسين علوان لسوء الحظ لم يقرأ الجواب بسبب انقطاع التيار الكهربائي.
وهكذا كتبت:
" نظرية فائض القيمة كما وضعها كارل ماركس هي خطاب دفاعٍ عن حقوق الطبقة العاملة فريد من نوعه. لأول مرة في التاريخ وضع كارل ماركس نظرية اقتصادية تقول إن كل أرباح الرأسماليين مصدرها عمل العمال وعمل العمال فقط. ليس هناك مصدرٌ آخر لأرباح الرأسماليين. كل قرشٍ يربحه الرأسمالي، حتى عندما يدفع للعامل "كامل قيمة" قوة عمله، يأتي من عمل العامل وكدحه. ليس للرأسمالي مصدر ربحٍ آخر سوى عمل العامل. ربح الرأسمالي لا ينبع من أنه "يخدع" العامل ويشتري منه قوة عمله بأقل من قيمتها، بل ينبع من عمل العامل نفسه حتى عندما يستلم العامل "كامل قيمة" قوة عمله. هذا ينبع من طبيعة النظام الرأسمالي نفسه. هذه هي القوة الثورية لنظرية فائض القيمة كما وضعها كارل ماركس".
هل هناك ما هو أوضح من ذلك؟ ماذا يرد مني حسين علوان أن أقول؟ هل أنا أقف وراء انقطاع التيار الكهربائي؟

والآن سؤال ألى القراء:
ما علاقة الجملة التالية بموضوعٍ عن فائض القيمة وعن أحسن السبل لاصطياد البط وأكله؟
"ولكن أليس من الحرام عليك يا رجل أن تخبئ علينا حقيقة كون الفيلة و البعران والأبقار في إسرائيل تطير في الهواء مع العصافير ، وتكرّز لب ، وتلعب شناو ، فوق أشجار الزيتون المغتصبة من أصحابها الشرعيين المهجرين ؟"

الجواب : انقطاع التيار الكهربائي.