التنويرُ الاجتماعي


عبدالله خليفة
2012 / 7 / 10 - 09:22     

انتصرتْ التشكيلةُ الرأسمالية رغم كل الأحلام والوعود والخروج إلى الماضي والقفز على الحاضر نحو مستقبل موهوم.

انتصر الغربُ على الشرق، انتصرتْ الرأسمالية على الاشتراكية، انتصرتْ العولمةُ على القوميات والمذاهب، انتصر الذهبُ على الأوراق المالية المتبخرة.

ذهبت كل الأحلام بالعدالة السريعة وتحطمت قصورُ الرمال الكادحة تحت ضرباتِ موجات المنفعة والاستغلال، والقبائلُ التي رفضتْ التفكك جُرتْ إلى حومة الاختلاف والصراعات الاجتماعية الضارية، والمذاهب التي تحولت لمظلات واقية من الرصاص الرأسمالي أُدخلتْ حومات الأسواق حيث أسعار الذهب والدولار تتحكم في الموضات والأجور والأخلاق والقيم.

أحلامُ الشرقيين خلال قرن كامل من الاشتراكيات القومية تبددت، محافظاتُهم على التكوينات القديمة تحت مظلات الدول لم تجدهم نفعاً والشمسُ الحارقةُ للسلع والنقود والشركات تحددُ المصائرَ وخطوطَ الطول والعرض والدول.

الاشتراكية الثورية القافزة كانت معركتها الأولى مع الغرب الرأسمالية ملحمية سحرية رفضت القوانين الموضوعية للتطور فكانت الإنجازات كبيرة والخسائر جسيمة، هي تلتقي مع المذاهب والأديان في رفض تلك القوانين، فخسارة تلك مكسب لهذه، والجميع يتضرر من تغليب الأيديولوجيا على البحث.

قفزة الشرق المحافظ السحري القومي للقرن العشرين لم تنجح، فيعود لموقعه الحقيقي في القرن السابع عشر، بل أن يحدد موقعه التاريخي ليعرف مهماته.

من المهام الأولى الفكرية العودة لقراءة الاقتصاد التقليدي للقرون الغربية الحديثة الأولى، اقتصاد آدم سميث وريكاردو وسيسموندي وغيرهم، أي معرفة تكون السلع وآليات الاقتصاد الرأسمالي الحر.

عودتنا وفهمنا للأبجديات قضية هامة. لابد من مسح ذاكرتنا من الكثير مما تعلمناه من شموليات في الأحزاب القومية والدينية فالتحولات تعتمد على قوانين بسيطة جوهرية، ومما يقوله آدم سميث:

(قد آمن سميث بأن قوانين السوق- خصوصاً قانون العرض والطلب- ستنسق بين حرية المنتج ومصلحة المستهلك؛ ذلك أنه لو حقق المنتج أرباحاً باهظة لدخل غيره الميدان نفسه، ولأبقى التنافس المتبادل بينهما الأسعار والأرباح في نطاق حدود معقولة. ثم إن المستهلك سيتمتع بضرب من الديمقراطية الاقتصادية. ذلك أنه بالشراء أو برفض الشراء سيقرر إلى حد كبير أي السلع تنتج، وأي الخدمات تقدم وبأي مقدار وثمن، بدلاً من أن تملي الحكومة كل هذه الأمور.).

يقدم آدم سميث برنامجاً سياسياً اقتصادياً تجاوزهُ الغربُ لكن لم تتجاوزهُ بلدانُنَا التي أُثقلتْ بالاقتصاديات الشمولية والأفكار الشمولية التي خنقتْ المجتمعات والأحزاب.

الجماعات الوطنية الشمولية لعبتْ دوراً في خنق التطور السياسي الاقتصادي الديمقراطي لكونها كرست الشموليات داخلها وخارجها، مع أصدقائها وأعدائها على السواء، فاللغةُ المركزيةُ خنقت الأسواق، ثم خنقتْ الإبداع الديمقراطي التقدمي، وجعلتْ الحكوماتَ هي كل شيء، تحددُ الأسواقَ والأفكارَ والأسعارَ والتقاليدَ وتخرمُ الدولَ من ميزانياتها لتشكلَ برجوازيات حكومية مهدرة للمال العام.

بطبيعة الحال العودة لآليات السوق يتطلب إصلاحات سياسية واقتصادية وتعليمية كبيرة، عبر تفكيك الصلات بين رأس المال الوطني والقوى السياسية، وتحويله لبضائع محدّدة ومقيّمة، وتابعة للخطط المنبثقة عن البرلمانات، والوزارت القائمة على هذا الحراك التداولي الاقتصادي السياسي، بحيث يغدو رأسُ المال العام جدلاً اقتصادياً بين القطاعين الخاص والعام، تنظمهُ قوانينُ السوق لا أوامر الحكومات، ولابد أن تظهرَ قوانينُ القيمة اقتصادياً وتزول التأثيراتُ السياسية الكابحة عليها.

المشروعاتُ العامة، والأجورُ والأسعار والعمالة وأوضاع الشركات تُنظّمُ عبر السوق، وهي خطوة تحولية كبرى لابد لها من تغييرات في وعي القوى السياسية المختلفة، بأن تبدأ بكشط الصدأ السياسي الكثيف الذي تشكل على طبقات عقولها، لتعيد تشكيل المجتمعات حسب قوانين التطور الموضوعية لا حسب البرامج السياسية القديمة.

الأبنية الاقتصادية الاجتماعية الشمولية سوف تتعرض لمشكلات كبرى خلال السنوات القادمة، فهناك المزيد من الانهيارات الاقتصادية الاجتماعية، وتبدو قارتا آسيا وإفريقيا أكثر عرضة لهذه الانهيارات وغدت السياسات الاصلاحية الليبرالية والديمقراطية الشعبية مهمة لهذه البلدان بحيث لا تلتهم من قبل الرأسماليات الكبرى الغربية أو تُحرق عبر الرأسماليات الشرقية العسكرية، ومن هنا تأتي أهمية توافق اليسار واليمين الديمقراطيين لتغيير الاقتصاديات نحو الحريات والإصلاح الشعبي بدلاً من الجمود والسقوط تحت ضربات العواصف.