نظرية جديدة فى جدلية فائض القيمة عند ماركس


محمد عادل زكى
2012 / 7 / 3 - 02:42     

(إستكمال خطوات ريكاردو، وماركس)

القانون الذى يعتنقه كارل ماركس، وهو القانون الذى قام بوضعه ديفيد ريكاردو، بشأن نظرية القيمة الزائدة نصه كالأتى:"ان القيمة الزائدة وقيمة قوة العمل تتغيران فى إتجاهين متعاكسين. فتغير قوة العمل المنتَجة، أى إرتفاعها أو إنخفاضها، يولد تغيراً معاكساً له فى قيمة قوة العمل، وتغيراً طردياً فى القيمة الزائدة.إن القيمة المنتَجة من جديد فى يوم عمل مؤلف من 12 ساعة، هى مقدار ثابت، وليكن 6 جنيهات مثلاً.إن هذا المقدار الثابت يساوى مقدار القيمة الزائدة زائداً قيمة قوة العمل، والقيمة الاخيرة يعوض عنها العامل بما يعادلها. وبديهى انه إذا كان هناك مقدار ثابت يتألف من حدين، فلن يزيد أحدهما دون أن ينقص الآخر. إذاً، فقيمة قوة العمل لا يمكن أن ترتفع من 3 جنيهات إلى 4 جنيهات، ما لم تنخفض القيمة الزائدة من 3 جنيهات إلى 4 جنيهات دون أن تنخفض قيمة قوة العمل من 3 جنيهات إلى جنيهين. وبالتالى ففى ظل هذه الشروط لا يمكن أن يطرأ تبدل متزامن على مقداريهما النسبيين . . . . إن إرتفاع إنتاجية العمل يولد هبوطاً فى قيمة قوة العمل وإرتفاعاً فى القيمة الزائدة، فى حين أن إنخفاض هذه الانتاجية يوّلد، بالعكس، إرتفاعاً فى قيمة قوة العمل، وهبوطاً فى القيمة الزائدة". رأس المال/ج2/ص23
وفقاً للنص المذكور أعلاه فإن القيمة الزائدة(التى يتحصل عليها الرأسمال) تتناقض مع قيمة قوة العمل(التى يتحصل عليها العمل المأجور) فحينما ترتفع قيمة قوة العمل لابد أن يُصاحب ذلك إنخفاضاً فى القيمة الزائدة، وبالعكس.
ووفقاً للنص كذلك، وفى ظل نفس الظروف، فإن إحلال الالة، على سبيل المثال، من شأنه الارتفاع فى القيمة الزائدة، والانخفاض فى قيمة قوة العمل، وحيث يستخدم ماركس مصطلح "إنتاجية العمل" كمرادف لمصطلح" قوة العمل" فإن هذه الانتاجية لا يمكن زيادتها إلا من خلال فن إنتاجى جديد يُمكّن من إنتاج نفس الكمية من السلع فى عدد ساعات أقل. فحين يحل، أو لا يحل، هذا الفن الانتاجى الجديد، فإنه يستصحب معه، فى جميع الاحوال، عدة فرضيات تتناقض فيما بينها على النحو التالى:
(أولاً) إرتفاع إنتاجية العمل إنخفاض فى قيمة قوة العمل إرتفاع فى القيمة الزائدة
(ثانياً) إنخفاض إنتاجية العمل إرتفاع فى قيمة قوة العمل إنخفاض فى القيمة الزائدة
ولنناقش ذلك ببعض من التفصيل:
أولاً: إرتفاع إنتاجية العمل:
والارتفاع هنا نتيجة إستخدام الالة، وبحيث تخرج إلى السوق نفس الكمية المنتَجة من السلع فى عدد ساعات أقل، وهو الامر الذى يؤدى إلى إرتفاع فى القيمة الزائدة (التى يتحصل عليها الرأسمال) إذ تم إنتاج نفس الكمية فى عدد ساعات أقل، ومن الناحية الاخرى ونتيجة لإرتفاع القيمة الزائدة، يؤدى هذا الارتفاع فى إنتاجية العمل إلى تقليص فى قيمة قوة العمل، فلا يتحصل العامل على ما كان يحصل عليه قبل إستحداث الفن الانتاجى الجديد. وإنما أقل؛ فإن إفترضنا أن القيمة المنتَجة تساوى (6) جنيهات قيمة سلع منتَجة فى يوم عمل مكون من (12) ساعة عمل، فإن الجنيهات الست تلك هى محل الارتفاع، والانخفاض كذلك، لأنها تعوض عن القيمة الزائدة وقيمة قوة العمل. أى أن القيمة المنتَجة تساوى(القيمة الزائدة + قيمة قوة العمل) ولأن القيمة المنتَجة ثابتة ومحددة بالجنيهات الست المذكورة، فحين ترتفع القيمة الزائدة كى تُصبح مثلاً (4)جنيهات، فيتعين ومباشرة تقلص قيمة قوة العمل إلى جنيهين.
ثانياً: إنخفاض إنتاجية العمل:
وحينما تنخفض الانتاجية فلا شك يستتبع ذلك إنخفاض مماثل فى القيمة الزائدة، ونتيجة لهذا الانخفاض فى القيمة الزائدة، ترتفع معدلات قيمة قوة العمل. فلم يعد الرأسمال يتحصل على ما كان يحصل عليه قبل إنخفاض الانتاجية، وإنما يحصل على أقل مما كان يحصل عليه، فإن إفترضنا، طبقاً لنفس المثال أعلاه، ان قيمة قوة العمل قد إرتفعت من (3) جنيهات إلى (4) جنيهات نتيجة إنخفاض الانتاجية، فإن ذلك الارتفاع يستصحب الانخفاض المباشر فى القيمة الزائدة من (3) جنيهات إلى جنيهين.
هذا هو القانون الذى صاغه ريكاردو، وعدله ماركس، وهو قانون ينتمى إلى الجدلية بإمتياز، بيد أن ثمة ملاحظات نبرزها على القانون بعد إعادة صياغته على يد ماركس، وتتبدى فى الاتى:
- وفقاً للقانون ان الارتفاع فى إنتاجية العمل يؤدى إلى تغير فى أمرين : أولهما: قيمة قوة العمل، أى قيمة وسائل المعيشة التى يستهلكها العامل من أجل تجديد إنتاج نفسه. وهى بمثابة حد الكفاف ثانيهما: القيمة الزائدة، أى قوة العمل غير مدفوعة الاجر. ولكن هذا التغير لا يحدث فى إتجاه واحد، وإنما حين ترتفع قيمة قوة العمل، تنخفض القيمة الزائدة، والعكس: فحين تنخفض قيمة قوة العمل، يطرأ على القيمة الزائدة الارتفاع. والمحور فى هذا التغير بالارتفاع وبالانخفاض هو إنتاجية العمل التى تزيد القيمة الزائدة حين ترتفع، وتقلصها حين تنخفض. والقانون من تلك الوجهة لا يعدو أن يكون سوى أحد نماذج التغير الممكن حصوله فى النظام الانتاجى الرأسمالى، دون أن يصل إلى مرتبة التطوير الجدلى للنظام نفسه.
- ووفقاً للقانون كذلك لا وجود لأى حديث عن باقى ساعات يوم العمل، فكل ما يُفترض هو أن سلعة ما كانت تُنتَج فى عدد ساعات معينة، فظهر فن إنتاجى جديد جعلها تُنتَج فى عدد ساعات أقل، ولكن لم نعرف مصير باقى ساعات يوم العمل. فالافتراض هو: ان يوم عمل مكون من 12 ساعة تُنتِج من السلع ما مقداره 6 جنيهات، فلما ظهر الفن الانتاجى الذى زاد من إنتاجية العمل، جعل الـ 6 جنيهات تلك تُنَتج فى 6 ساعات. فما هو مصير باقى ساعات يوم العمل المؤلف من 12 ساعة، أى ما مصير الـ 6 ساعات المتبقية من اليوم؟ نمط الانتاج الرأسمالى لديه الاجابة، إذ يقول أن الـ 6 ساعات المتبقية هى ساعات عمل غير مدفوعة الاجر، ومن ثم تُضاف إلى جانب القيمة الزائدة، فنكون أمام النسب الاتية:
12 ساعة = 6 جنيهات = 3 قيمة قوة عمل + 3 قيمة زائدة.
6 ساعة = 6 جنيهات = 3 قيمة قوة عمل + 3 قيمة زائدة + 6 قيمة زائدة إضافية نتيجة إستخدام الفن الإنتاجى الجديد
وعلى حين تنخفض الانتاجية، أى أن نفس الكمية من السلع تنتج بكمية عمل أكثر، فسنكون أما النسب التالية:
12 ساعة = 6 جنيهات = 3 قيمة قوة عمل + 3 قيمة زائدة.
12ساعة = 4 جنيهات = 3 قيمة قوة عمل + 1 قيمة زائدة .
- وسأفترض، على غير إعتقادى، إن التغير النسبى ما بين قيمة قوة العمل وبين القيمة الزائدة، المؤسَس على التغير النسبى فى قيمة قوة العمل أمام القيمة الزائدة، ثم التغير ككل (من 3:3) إلى (3:1) أمام الانتاجية، هو ما يمثل الجدلية التى إنطلق منها ماركس بعد تعديله للقانون الذى صاغه ريكاردو. ولكن ما هو مدى إتساق هذا القانون مع مجمل البناء النظرى لماركس؟ وعلى وجه التحديد مدى إتساق القانون المذكور مع قانون "ميل الربح للانخفاض" الذى قال به ماركس وصار من ركائز البناء النظرى الماركسى؟ إذ يقف هذا القانون بالذات فى تضاد وتناقض مع القانون الريكاردى المعدل على يد ماركس، إذ يقول هذا القانون، كما سنرى، ان الارباح تميل إلى الانخفاض كلما تم إستحداث الفن الانتاجى الجديد بإحلال الالة محل عنصر العمل.
علمنا حتى الان ان إستحداث الفن الانتاجى الجديد يؤدى إلى إرتفاع القيمة الزائدة، فى الوقت الذى تنخفض فيه قيمة قوة العمل. وقد إفترضنا ان هذا الفن الانتاجى الجديد يتمثل فى إحلال الألة، الأمر الذى كان من شأنه تسريع وتيرة الانتاج؛ فتُنتَج نفس الكمية فى عدد ساعات أقل، ويمسى صحيحاً أيضاً القول بإنتاج كمية أكبر فى نفس عدد الساعات السابقة. ولكن ليس هذا كل ما فى الامر، إذ لم يزل أمامنا نصف الطريق، وهو الذى لم يكمله ريكاردو، ومن ثم ماركس؛ فعلى الجانب الآخر، فإنه طبقاً لقانون ميل الربح للانخفاض فإن إدخال الألة يؤدى إلى إنخفاض معدل الربح (أى النسبة بين القيمة الزائدة ورأس المال الكلى) إذ يعنى دخول الالة تحويل المزيد من المواد الاولية والمواد المساعدة إلى منتجات، وذلك بالعدد نفسه من العمال خلال المدة الزمنية نفسها، أى ببذل عمل أقل.
وكما سنرى حين عرضنا للتركيب العضوى لرأس المال، أن رأس المال ينقسم عند ماركس إلى نوعين، أولهما: رأس المال الثابت : وهو ذلك الجزء مِن وسائل الانتاج(تحديداً وسائل العمل، والمواد الخام، والمواد المساعدة) الذى ينقل جزءً من قيمته(التبادلية) إلى الناتج، دون إستهلاكه كلياً فى"عملية إنتاجية واحدةً". وثانيهما: هو رأس المال المتغير: وهو لا ينقل فقط قيمته إلى الناتج، وإنما ينقل إليه كذلك قيمة زائدة. وهو ما يتمثل فى قوة العمل. فالرأسمال من تلك الوجهة لا يمكنه إستخلاص قيمة زائدة من رأس المال الثابت، على حين يمكنه ذلك من رأس المال المتغير، ومعنى دخول الالة حدوث إنخفاض فى مصدر القيمة الزائدة، الأمر الذى يستتبع إنخفاض فى الربح الذى هو حاصل النسبة ما بين القيمة الزائدة وبين رأس المال الكلى.
وعلى ذلك نكون أمام قانونين متناقضين، أولهما يقول بأن الالة تزيد من القيمة الزائدة بالنسبة لقيمة قوة العمل، والثانى يقول أن الالة تخفض من القيمة الزائدة لتخفيضها رأس المال المتغير بالنسبة لرأس المال الثابت!! فماذا يعنى ذلك؟
إن ذلك، بتصورى، يعنى التناقض الحقيقى. وهو المستتر، يعنى الجدلية فى أوضح صورها، وهو المعنى الذى لم يحققه ريكاردو، وماركس بالتبعية، فحين تم إستحداث الفن الانتاجى تصور ريكاردو، وماركس من بعده أن التناقض يقع بين القيمة الزائدة وبين قيمة قوة العمل، وفى الحقيقة يمكن تسمية ذلك تناقضاً، ولكنه ليس التناقض الذى نعنيه والذى إلتزم به ماركس بوجه عام فى رأس المال.
فحين دخل الفن الانتاجى الجديد حدث تغير فى القيمة الزائدة بالنسبة لتغير مماثل فى قيمة قوة العمل، بيد أن ذلك ليس نهاية الطريق، وإنما نصفه فقط، إذ لا يؤدى الفن الانتاجى الجديد فقط إلى إرتفاع فى القيمة الزائدة بالنسبة لقيمة قوة العمل، وإنما يؤدى، وفى نفس اللحظة، إلى إنخفاض فى القيمة الزائدة بالنسبة لرأس المال الكلى. فتتحدد القيمة الزائدة الكلية على هذا الاساس بالتناقض بين التغير فى القيمة الزائدة(ق ز) بالنسبة لقيمة قوة العمل (ق ع) وبين التغير فى القيمة الزائدة بالنسبة لرأس المال الكلى (ر) القيمة الزائدة الكلية إذاً هى: حاصل التناقض ما بين الارتفاع فى القيمة الزائدة بالنسبة لقيمة قوة العمل وبين الانخفاض فى القيمة الزائدة بالنسبة لرأس المال الكلى.
و تلك هى القيمة الزائدة التى أعتد بها بشأن إعادة طرحى لمفهوم التخلف وإعادة إنتاجه، وعلى ذلك، يمكن القول بأننا أمام إعادة طرح لمفهوم ومحددات القيمة الزائدة، بالتضافر مع إعادة طرح مفهوم التخلف الاجتماعى والاقتصادى، وتجديد إنتاجه، إستكمالاً لخطوات لم يكملها ريكاردو ومن ثم ماركس، وأفترض أننى قد مشيت بعض الخطوات المتقدمة فى هذا الشأن.