من يدير جهاز الدولة الرأسمالية


حميد كشكولي
2012 / 7 / 1 - 13:06     


ثمة مفهوم شائع بين اليسار التقليدي و " الشيوعيين" يؤكد على أن الطبقة التي تحوز على القوة الاقتصادية في بلد ما يصبح بإمكانها احتياز السلطة السياسية أيضا . و هذه النظرية يتم نسبها الى ماركس و لكن ليس من الصعب تبيان أنه لم يقل بها بل من طرحها وصاغها هم البلاشفة الذين يرون أن الدولة البرجوازية " يجب أن تدمّر ، وكذلك السنديكاليستيين " النقابيين" الذين يقولون إنها يجب أن تهمل وتترك لحالها.
لم يقل ماركس إن الدولة يجب أن تحطم أو تركن جانبا، بل قال انها يجب أن تنتزع من قبل الطبقة العاملة . و باعتبار الدولة جهاز قمع أنشئ منذ انقسام المجتمع إلى طبقات ، فقد أخذت تتحكم بها طبقات مختلفة في مراحل تاريخية مختلفة : أرباب العبيد، الإقطاعيون و الرأسماليون الجدد. ولكن القول إن طبقة ما تسيطر على الدولة بسبب وضعها الاقتصادي ينطوي على فخ خطير يؤدي إلى السقوط في متاهة الحتمية الاقتصادية.
إن الدولة تسيطر عليها الطبقة التي تكون لها الغلبة في الصراعات السياسية في سبيل الاستحواذ عليها. وهذه حقيقة أن الطبقة التي لها اليد العليا اقتصاديا سيكون حليفها النجاح أخيرا لانتزاع الدولة من الطبقات الأخرى والاستحواذ على سلطة الحكم ، ولكن المسألة على الأرجح تتعلق بكفاحها وأدائها السياسيين أكثر من وضعها الاقتصادي. في العراق و بلدان كثيرة يشكل اليوم اصحاب الثروة الناس الذين استحوذوا على السلطة السياسية بعد أن كان اغلبهم يعيشون على المعونات من جهات مختلفة ، من بينها تجار و أسر ميسورة الحال ، مبعدون اليوم عن المناصب الكبيرة .

و قد تحول جنرالات الجيش في كثير من البلدان إلى رجال مال وأعمال ، مصالحهم الاقتصادية محروسة من قبل سلطاتهم السياسية ونفوذهم العسكري.
و الكل يعلم أن مرشحي الرئاسة في أمريكا وكثير من الدول العظمى من المستحيل أن ينجح في الانتخابات بدون دعم الشركات الكبرى و جبابرة المال مثل غوغول ومايكروسوفت و وناستق ، و الكل يعلم أن اصحاب هذه الشركات لا يتبءون مناصب حكومية بل يظلون مطمئنين ان من يحكم أو يدير الحكم لن يخرج عن تعاليمهم و سيبقى أمينا على مصالح الطبقة الرأسمالية حتى لو لم تكن هي الطبقة التي ينتمي اليها.

و من الممكن لطبقة مترفة اقتصاديا مثل الرأسماليين الجدد الاحتفاظ بالسلطة السياسية مطولا بعد أن اصبحت مترفة اقتصاديا .فالرأسماليون لا يحكمون اليوم بسبب موقعهم الاقتصادي بل بسبب سيادتهم السياسية و الايديولوجية على الطبقة العاملة.
انهم يحتفظون بامتيازاتهم الاقتصادية عبر سيطرتهم على الدولة والتي لا تتم إلا بدعم العمال الاضطراري لهم .

أحيانا يسمع المرء من اليسار التقليدي بأن الاشخاص الذين يتبوءون المناصب العليا في الدولة - الحكومة ، البرلمان ، القضاء و القوات المسلحة - اغلبهم يأتون من الشرائح الاجتماعية المتقدمة ولهذا يمكن أن يستنج المرء من هذا أن الرأسماليين هم الطبقة السائدة و لكونها الشريحة الاجتماعية التي تقود الصناعة .
في طرح لماركس جاء بأن الطبقة السائدة هي الطبقة التي تتحكم بالدولة بوسيلة يمكن بها حماية امتيازاتها الاقتصادية . ولكي نكتشف أية طبقة تحكم المجتمع علينا البحث عن كيفية استخدام الدولة لا الاشخاص الذين يديرونها ويتبوءون المناصب و المسؤوليات العليا فيها.
فلا شك أن اغلب الوظائف الراقية من قضاة و جنرالات الجيش والأمن ينحدرون من عائلات ميسورة و تربطهم صلات قوية بالرأسمالية. لكن في نفس الوقت حين نأتي على من يتبوءون المناصب الدنيا في جهاز الدولة الرأسمالية أو المتكاملة مع الرأسمالية نراهم من العمال والشرائح الصغيرة في المجتمع.
فالنظرية الطبقية الدقيقة تؤكد مما نفهم منها أن كلا الصناعة والدولة ، من الأعلى والأسفل تداران من قبل أفراد الطبقة العاملة، عمال وعاملات ، مقابل أجور لكي يعيشوا.
ولا شك أن الرأسماليين يقومون بأداء جزء من الأعمال، لكن الاشتراكيين يرون أن الرأسماليين، طبقة مترفة اقتصاديا وسياسيا، بينما يدار المجتمع من قبل العمال.
وأؤكد أن الرأسماليين هم وأقاربهم يتحكمون بالدولة، لا خلال تبوءهم المناصب العليا بل بشرائهم دعم الطبقة العاملة لهم في سياسة تؤدي إلى استخدام الدولة للاحتفاظ بالرأسمالية. و في هذه الحالة سوف يبقى الرأسماليون يتحكمون بالدولة و يستخدمونها لصيانة وتنمية مصالحهم حتى لو شغل الباعة المتجولون و العتالون والقرويون المناصب العليا.

إن النظرية التي تقول إن الدولة يتحكم بها الرأسماليون عبر نوع من البناء الحر والهرمي سوف تؤدي إلى عواقب خطيرة، منها الاعتقاد أن البرلمان ليس سوى واجهة كارتونية ، أو أن الفاشية يمكن اطلاقها متى ما شاء والتحكم بها إراديا.
ان تبني هذه الفكرة ، فكرة ارجحية السلطة السياسية على الثروة الاقتصادية، من قبل أي حزب اشتراكي ماركسي يساعده على اكتساب شعبية كبيرة بين الجماهير العمالية و الكادحين ، و سوف يكون صعبا على المحافظين و القوى الرجعية استخدام العنف المسلح ضده و الحاق الهزيمة به.
الاشتراكية تتحقق فقط حين تكون مطلب الأكثرية العمالية في المجتمع و تفهمها و تنظم صفوفها للعمل لكسب السلطة السياسية ، واستخدامها لإلغاء الملكية الخاصة لوسائل الانتاج ، إذ ذاك سوف تنتفي الحاجة لجهاز الدولة لممارسة القمع.

1 juli 2012