ما الخيارات التي يتركها لنا الربيع العربي ؟


هشام صالح
2012 / 6 / 30 - 20:07     

الصراع الموجود في عالمنا العربي منذ ما يقارب العام هو الصراع ما بين السلطة و الشعب , فالسلطة من جانب تريد أن تحفظ نظامها و الشعب من جانب الآخر يريد أن يسقط هذا النظام . و لكن , هذا الصراع – المذكور بشكل مبسط – ما بين السلطة و الشعب , خلقت صراعات فرعية في ضمن سياق صراع واحد أو متفرد , فالصراعات الحدودية و الطائفية و السياسية قد خلقت بسبب هذا الصراع ما بين السلطة و الشعب .

ما هي طبيعة الصراع ما بين السلطة و الشعب ؟

أن طبيعة الصراع ما بين السلطة و الشعب , في العالم العربي , لا تتماشى في سياق الإصلاح أو التغيير المبسط لحكومة أو لدائرة حكومية معينة , فالصراع هو أساساً و بشكل خاص هدفه "إسقاط النظام " , فالهدف الأساسي و الأهم هو إسقاط النظام بأكمله . أن هذا الصراع سببه الحدود الوهمية ما بين السلطة التشريعية و التنفيذية , و كما يفيدنا إرنست ماندل أن هذه الحدود الوهمية هي الديمقراطية الشكلية لدى الدول البرجوازية.
فالفصل ما بين الشعب و السلطة , هو المحرك الأساسي لغضب الشعب , فأن في كل الأزمان كان الصراع السياسي يتمحور حول حكم الشعب , فوثيقة العهد الأعظم أو الماجنا كارتا MAGNA CARTA تمحورت حول تقليل حريات الملك آنذاك و توسعة حدود حريات الشعب و بكلمات آخرى هذه الوثيقة طالبت بدستورية نوعاً ما , فالصراع السياسي بشكل خاص دائماً ما تتمحور حول حدود الحريات للشعب و للسلطة , و نجد أن الصراع " السياسي " ما بين الشعوب العربية و سلطاتها هدفه " القوة " , فمفهوم القوة أصبح : القوة للشعب أو القوة للسلطة , فطبيعة هذا الصراع راديكالي لدرجة أن لا يوجد منفذ آخر , أما بقاء النظام أو زواله , بسبب الفراغ الهائل ما بين الشعب و السلطة .
فمحدودية الحريات في عالمنا العربي تسبب في تلك الثورات التي تبحث عن انظمه بديلة توفر حريات أكثر و ديمقراطية بشكل أوسع, و لكن هنا نقابل مشكلة ما , فأن الشعوب تشبثت بالإسلاميين فمفاهيم الديمقراطية و المدنية التي يريدونها ليست مثل المفاهيم الغربية الموجودة في أمريكا و أوروبا , بل المدنية و الديمقراطية في سياق المفهوم و الممارسة العملية الإسلامية , فلا يمكننا إعتبار أن هذه الحركات طبيعتها " ديمقراطية " أو لها روح " ديمقراطية " , الديمقراطية في مفهوم تلك الحركات العربية مجرد مفهوم سطحي أو بدائي , الديمقراطية أداة لمحاربة السلطة لا أكثر و لا أقل , و لكن ضمنياً تلك الحركات تتبنى روحاً إسلامية .
تتسم تلك الحركات بطبيعة فوضوية جنباً للطبيعة الثورية, و أعتبر هذه الطبيعة هي الطبيعة الأساسية لثورات الربيع العربي .
العقلية " الفوضوية" التي تتبناها الجماهير مستندة الى هدف وحد فقط وهو إسقاط النظام لا أكثر و لا أقل , خلافاً للتنظيمات السياسية الإسلامية التي تترصد حركة هذه الشعوب , فالتنظيمات السياسية الإسلامية منظمة على العكس من فوضوية الشعوب و فوضوية الأحزاب الأخرى التي لا تعرف كيف تحلل الوضع العربي المفاجئ , فالتنظيمات السياسية الإسلامية إستغلت إغفال و حماقة الأحزاب العلمانية , الشيوعية , اليسارية و أتجهت نحو الشعب متضامنة معه و ضامنة الجنة و عودة الإسلام و الحق مرة أخرى إلى العالم , فعودة إلى تلك العقلية الفوضوية التي تتبناها الجماهير العربية نجد أن هذه العقلية مثل عقلية نابوليون حين قال نهاجم ثم سنرى , فهذه الفوضوية في التفكير و التنظيم لها روح مغامرة نوعاً ما , تعرف ماذا لا تريد و لكنها لا تعرف ما تريد .

الأطراف السياسية و ثورات الشعوب ؟

لنحصل على مفهوم واضح لأدوار الأطراف السياسية لابد منا أن نفهم أيديولوجية تلك الأطراف السياسية و الميكانيكية المحركة لهذه الإيديولوجيات . فالإيديولوجية المسيطرة هي التي تفرض النظرة نحو تلك الحركات , و هنا ما لا يفهمه اليساريون أن الأيديلوجية المستندة إلى وقائع و تركيبات سياسية و إجتماعية المنتمية لمائة و خمسين عاماً سابقة لا تستطيع أن تعطي أو توفر نظرة دقيقة و واقعية للأحداث الحالية , و هذا ما يجعل اليسار يتحدث فقط , و لا يفعل , بسبب الفوضوية في التفكير و التحليل , فتحليلهم مستند إلى تحليل قديم لا يصلح لهذا الزمن , بينما الإسلاميون فهموا لغة العصر هذا , عصر التكنلوجيا و الإنترنت , عصر العولمة , فهموا كيف يتحدثون إلى الشعوب عبر التويتر Twitter و الفيسبوك Facebook , و فهموا كيف يمارسوا نشاطاتهم الدعائية خلال إطار التكنولوجيا مثل توفير كتب إسلامية مجانية أو برامج مجانية , هذا بالنسبة للتكنلوجيا , أما بالنسبة لحياة الشعوب اليومية فأن الإسلاميين أتجهوا نحو الريف مقدمين لهم مستشفيات مجانية و لبوا الاحتياجات اليومية بالمجان , و هذا ما جعل الريف و الشعوب تتجه نحو الإسلام , لأن الإسلاميون هم الوحيدون من الموجودين في الساحة .
كل هذا يحدث بينما الطرف اليساري لا زال يناقش صراع تروتسكي و ستالين , و ديكتاتورية البروليتاريا , و الظفر البروليتاري الحتمي , و الحرب العالمية الثانية , و فائض القيمة ألخ .. فهذه الأحاديث أشبه بالأحاديث الجانبية في الأحداث المهمة , لأن تلك الأطراف لا تمتلك تربة تحليلية ثابتة و قوية و حديثة فهم لا يمتلكون سواء العودة إلى الماضي و ترك الشعوب مع الإسلاميين .
الضعف التحليلي لدى اليسار لم يترك الشعوب في أيدي الإسلاميين و حسب بل جعل اليسار يتحالف مع الإسلاميين , على أساس " التحالف الثوري " , فهم ينظرون إلى الإسلاميين كثوريين و محررين للشعوب حقاً , مكررين أخطاء اليسار الإيراني مع الإسلاميين , فركوب موجة الثورة من دون الإسهام فيها أصبحت هواية اليسار في الربيع العربي , و لا يفكر هذا اليسار في خلق أو تأسيس كتلة يسارية أو وطنية ديمقراطية بسبب الخلافات الأيديلوجية مع الأطراف اليسارية الأخرى , فالشيوعي لا يحب الديمقراطي و الشيوعي الماوي لا يحب الشيوعي الستاليني و الشيوعي الستاليني لا يحب الشيوعي التروتسكي ألخ , فتلك الخلافات العقائدية تضع حاجزاً في التحالف , فالوطنية هنا لا تلعب دوراً , فقط الأيديلوجية و العقيدة , فيصبح التحالف مع الإسلام افضل من التحالف مع الطرف اليساري الآخر .

الربيع العربي و الخيارات المتروكة ؟

أن الوقوف مع الجماهير المظلومة أمرٌ لا بد منه , أيّ , الوقوف مع المطالب الشعبية هو التعبير الصادق عن التضامن و العمل للشعوب بشكل عام . و لكن ما العمل حين طرف السياسي الآخر خطف الشعوب و ذهب ليلبي رغباته الدينية بهم ؟ هل يمكن الوقوف مع الشعب الذي يقول الإسلام هو الحل ؟ هل يمكن الوقوف مع شعب سينبذ اليسار و الشيوعية و الاشتراكية بسبب الايديلوجية المسيطرة عليهم ؟
هذه الأسئلة ليست لها أجوبة في الحقيقة , لأنها أسئلة في غير محلها , لكن الأسئلة التي يجب علينا طرحها هي كيف نعيد الأفكار اليسارية و الوطنية و الماركسية لدى تلك الصفوف التي أتجهت نحو اليسار ؟ هل سيؤمن الجماهير باليسار بعد هذا الإخفاق و الفشل في حيازة إعجابه ؟
و لكن السؤال الأكثر أهمية , أو السؤال المختصر لكل هذه الأسئلة ما هي الخيارات المتروكة لليسار و الماركسية ؟ أترك الإيجابة لإرنست ماندل :
(( أن ثاني مهمة يجب أن يقوم بها الإشتركيون و الشيوعيين اليوم هو التعليم الإشتراكي الأساسي و الدعاية الإشتراكية )) ( الإشتراكية أو النيوليبرالية ؟ ) (Marxists Internet Archive )
تبدو الدعاية الإشتراكية لوهلة أمراً لا يمكن تحقيقه , و لكن , على غرار الإسلاميين يجب التحدث بلغة العصر , و تلبية متطلبات العصر هذا , يجب ترك الأحاديث الأيديلوجية و التوجه نحو متطلبات الشعوب الأساسية , ففي الوضع العربي الراهن من الصعب جداً تطبيق التحليل الماركسي القديم , يجب أن يتبنى أصحاب اليسار تحليلاً بشكل مختلف , تحليل يلائم العصر و بهذا تنظيمات جديدة لها منطلقات وطنية تنشر الوعي بين الصفوف , فخلق أو إعادة الصراع الإيديلوجي ما بين الأيديلوجية البرجوازية و الأديولوجية البروليتارية هو بحد ذاته أنجازٌ يجب أن يقوم به أصحاب اليسار , فأن العالم العربي يتجه نحو طبيعة جديدة , و لكنها متطرفة و لن تقبل بـ " لا " .
فتأسيس جبهة جديدة في الساحة السياسية تقف في وجه التيار الإسلامي القوي هو مثل ريشة وسط إعصار , فلا بد من وجود إيديلوجية نقيضة للأيديلوجية المسيطرة , فأن الحكم الإسلامي لابد سيكون بشكله القمعي , في الممارسة العملية له , بالرغم من ظهوره بشكله المدني و الديمقراطي و لكنه لن يكون متساهلاً مع الأطراف النقيضة له , فتلك الممارسة الايديلوجية تفرض عليه قمع الأفكار الأخرى , فمن المهم جداً أن يجمع أهل اليسار مفهومي الاشتراكية و الحرية لتكون البديل لتلك الشعوب .