اغتيال ماركس على يد فؤاد النمري


وليد يوسف عطو
2012 / 6 / 30 - 15:38     

تثير المقالات التي يكتبها المفكر والكاتب الاستاذ فؤاد النمري عبر (الحوار المتمدن ) جدلا كبيرا بين مؤيدين ومعارضين له . وهو اي النمري لايتردد في استعمال اقبح الالفاظ النابية ليصف بها معارضيه ,كانما استخلفه ماركس ولينين وستالين للحفاظ على تراثهم الفكري .
كما ان كثيرا من معارضي الاستاذ النمري يستخدمون نفس اسلوب الشتائم والتحقير وهؤلاء جميعهم يسمون انفسهم ماركسيين وشيوعيين او يساريين وتقدميين . وهم لايختلفون عن اسواء النماذج في التيارات السلفية الدينية في التعصب الايديولوجي والجمود العقائدي واعتبار انفسهم ناطقين باسم الذات الالهية او ذات ماركس .وهم متفقون في رفضهم للاخر المختلف عنهم سواء من داخل الماركسية او من خارجها .(راجع مقالتنا – العلاقة الجدلية بين اوثان الشيوعيين واوثان المتدينين ) .
لقد تحول تيار واسع من الماركسيين والشيوعيين وعلى راسهم فؤاد النمري الى تيار ماركسي – شيوعي سلفي واصبح تيارا رجعيا معوقا لتطور الفكر والمجتمع في بلادنا , في محاولة رخيصة لاستنساخ وترجمة تجارب غربية لاعلاقة لها بمجتمعاتنما الشرقية .
انهم يسكنون في ابراج عاجية وينظرون الى الجماهير بتعالي .اقول :
كيف سيكسب فؤاد النمري فقراء شعبه الاردني وكادحيه وهو يرطن بكلمات نابية ومعيبة ولاتقبلها حتى القيم العشائرية ؟
وهل العمال الاردنيون سيحملون كتاب ( راس المال )معهم الى العمل والجامع والمنزل مع مئات المؤلفات الماركسية الاخرى ؟ وهل سيتم طبخ تشريب باوراق كتاب راس المال لكي يهضمه فقراء الشعب الكادح . ام عمل منسف اردني برائحة شواء كتاب (راس المال ) ؟ .
ان الجيوش العربية – الاسلامية في فتوحاتها لم تحمل معها قرانا بل سيفا ! . وبعد ذلك بفترة تاريخية طويلة ظهرت طبقة الفقهاء وكتاب وجامعي الحديث وعلوم القران وكتاب السيرة وتم التاسيس لعلم الرجال وعلم الكلام والمنطق .وادخال الفلسفة اليونانية والمنطق الارسطي لاعطاء الاسس الشرعية لهذه الفتوحات والقتول . ان الجيش الاسلامي القادم من الحجاز لم يحمل نظرية جاهزة ليطبقها على الواقع . بل ان الواقع افرز العلماء والفقهاء وكتاب السيرة والمناطقة والذين حاولوا الاجابة على اسئلة الواقع المتغير في عصرهم وفق فقه السلطة الحاكم والغالب والقامع .وقاموا هؤلاء بتكييف ايات القران ولوي عنق النصوص ليتم التاويل والاجتهاد وفق الشريعة الاموية – العباسية وليس وفق الشريعة المحمدية .
ان التيار الفكري الذي يمثله فؤاد النمري هو تيار سلفي لبس لبوس الماركسية وركب الموجة .وهو ينظر الى الواقع والاحداث نظرة ماضوية . فهو يستدعي الماضي ليقوم بتفسير الاحداث على ضوء الماضي وحده وهذه مفارقة مضحكة !!!
ولهذا يكتب سعد محمد رحيم في كتابه (استعادة ماركس ) : ( ان الواقع سينكل حتما بالنظرية اذا ما استخفت النظرية بقوانين الواقع وتحولاته ومنطقه ومفاجاته . ) .
يكتب فالح عبد الجبار ( والكلام لسعد محمد رحيم ) : ( ترك ماركس نظرية ناقصة , لا لانه لم يستطع اكمالها ,بل لانه كان محكوما بشرطه البيولوجي (حتمية الموت ) فالنظام الراسمالي الذي نذر ماركس حياته لدراسته , يقوم على اربعة عناصر مترابطة عضويا مثلما يقول الدكتور فالح عبد الجبار , هي الراسمال , والدولة , والسوق العالمي والتجارة الدولية . فمعمار العالم كما اشادته الرسمالية هو رباعي المرتكزات , انها تشكيلة كونية . وبحسب ملاحظة الدكتور فالح عبد الجبار فان ماركس نفسه لم يستطع دراسة هذه المنظومة الرباعية كلها .
والان ايضا لا الراسمالية توقفت , وما كان لها ان تتوقف عند حدود حياة ماركس , ولا بقي المنهج الذي درس به الظاهرة ( كادوات تحليل واستبطان ) على حاله .وما بقي ثابتا هو ضرورة نقد الراسمالية المستمر , الدائم والمتغير والبحث عن امكانات تجاوزها انطلاقا من تطورها هي بالذات , لامن تمنيات مصلح طوباوي . ) .
( ضاع ماركس بين ركام التاويلات والاجتهادات ... صارت عندنا ماركسيات لاتعد ولاتحصى ... ماهي الماركسية التي ارادها ماركس ؟
تساءل المفكر الفرنسي ادوار ديبرو , فيما اذا كان ماركس نفسه ماركسيا ؟؟ !!! ) .
بعد سقوط تجربة الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية الملحقة به , ظهر موقفان احدهماينبذ النظرية والاخر ينادي بفشل التطبيق الاشتراكي ...وبرغم كل شيء فان فشل التجربة استدعى العودة الى ماركس مرة اخرى .
يكتب الاستاذ سعد محمد رحيم : ( احسب ان اية مراجعة موضوعية وجادة لتلك التجارب والممارسات والتطبيقات لن تكون مجدية ومثمرة مع تجاهل استخدام منهج ماركس ذاته في النظر والتحليل والتقويم . ولن تقود في نهاية المطاف الا الى ماركس . اي ان ماركس لن يخرج ابدا خاسرا , من عملية المراجعة المدققة والمقومة ....وبالحضور القوي للمنطق التحليلي – التركيبي – الديالكتيكي – البنيوي – التاريخي في كتاباته ( يقصد ماركس ) ظلت الفلسفة بمحتواها الانساني فاعلة وبذا فليس صحيحا ان ماركس تنكر لارث النزعة الانسانية ...) .
يعتقد الكاتب وليد يوسف عطو ان البناء النظري والمسمى بالنظرية الماركسية , هي نظرية خاطئة لم يؤسسها ماركس , وانما وضعها من جاء بعده والذين اقاموا الدولة السوفيتية .
ان الواقع هو الذي ينتج النظرية وليس العكس .ان حركة المجتمعات والتناقضات والصراعات الناشبة فيها وتغيير ميزان القوى في هذه الصراعات ينفي صفة الثبات والازلية التي تتصف بها النظرية . فنحن لسنا اما م قوانين استاتيكية جامدة كقوانين نيوتن , بل قوانين دائمة التغير والتبدل والتغيير , ولايمكن ان تقف عند حدود معينة .
يمكننا الحديث عن منهج ماركسي جدلي او منهج جدلي ديالكتيكي بحذف ماركسي منه , يبحث في واقع المجتمعات من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من النواحي المؤثرة والعاملة في حركة المجتمع مثل التاثيرات العشائرية والقبلية والمذهبية والعرقية والقومية . وياخذ بنظر الاعتبار اختلاف التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية وتطورها التاريخي في مجتمعاتنا الشرقية عن مثيلاتها في المجتمعات الغربية .
اننا يمكننا الحديث عن منهج ماركسي يستوعب كل العلوم الانسانية , بما فيها الموروث الديني .
هل مجتمعاتنا الشرقية يحركها اليوم الصراع الطبقي فقط ؟ ام ان العامل الديني والطائفي والقومي والعشائري يكون لديها حضورا طاغيا وبقوة اكثر من العامل الطبقي ؟وماذا تبقى من (فائض القيمة ) بعد الاتمتة الكاملة في الغرب ؟ كما عبرت عن ذلك الاستاذة مكارم ابراهيم في تعليق لها على مقالة الاستاذ حسقيل قوجمان ؟
لماذا يصر مثقفونا من الماركسيين والشيوعيين التقليديين – فؤاد النمري انموذجا , على العداء للديانات وتاييد وتابيد الالحاد ؟ واحداث قطيعة مع تراث شعوبنا ؟ انهم يرفضون الدين والتراث ويعتبرونه جزء من الماضي ومضيعة للوقت في حين انه يمثل (هوية الشعب ) . وبدون هذه الهوية لايبقى للوطن معنى . وبالتالي معرفة الهوية تستلزم العودة الى الذات والعودة الى الذات تعني العودة الى تراث شعوبنا في مراحله التاريخية المختلفة ودراسته كما فعل الباحث القدير فراس السواح .اليست اسرائيل دولة تمثل يهود الشتات في العالم جاؤوا من دول مختلفة وثقافات مختلفة ولكن تم بناء هوية لهم حتى وان كانت غير حقيقية ومزيفة وعنصرية .
ان الجدل الذي يقوم به الاستاذ النمري هو نفس الجدل العقيم الذي جرى بين الاشاعرة والمعتزلة حول صفات الله وحول مسالة خلق القران .
وهذا الجدل لم يستفيد منه فقراء الامة في ذلك الزمان .يبدو ان الهدف من النقاشات التي يقودها الاستاذ النمري تصب في حب وتمجيد الذات والنرجسيةالعالية فيما يكتب فيه وتسجيل اكبرلاعدد من الزوار لموقعه واكبر عدد من المعلقين على مقالاته , والا بماذا نفسر دخول الكتاب الليبراليون في الحوار المتمدن الى هذه السجالات ولبسهم للجبة وللعباءة الشيوعية الحمراء وهم اعداء للماركسية وللشيوعية .انها كوميديا سوداء حقا !!!! .
هؤلاء الكتاب ومن ضمنهم النمري يضعون العربة قبل الحصان ويتحدثون عن الحتمية التاريخية وديكتاتورية البروليتاريا وبذلك يثبتون انهم ليسوا ديمقرالطيون !! . عجبي!!!
اقول للسيد النمري ناصحا :خفف الوطء يا صاحبي .ان كثرة الكلام والشتائم تدل على العطالة والبطالة وكثرة الشتائم تدل على اخلاق صاحبها
(لايكفي ان تدعي الماركسية لكي تكون ماركسيا ) جون مولينو
(ادت الحرب الاهلية التي اعقبت ثورة اكتوبر 1917 الى قتل اعداد كبيرة من اكثر العمال وعيا ونضالا سياسيا , والى تدهور اقتصادي غير مسبوق , وانتشار الاوبئة والمجاعة , مما حدا بلينين الى القول بان البروليتاريا قد زحزحت من اخدودها الطبقي وتوقفت عن الوجود كبروليتاريا .
في هذه الاجواء استخدم الحزب البلشفي الموظفين القيصريين لادارة دفة الدولة ليتبقرط ,هو نفسه على الرغم من ارادته . اما انتظار حصول ثورة عمالية عالمية فقد قاد الى خيبة امل اخرى . وكان الخيار هو التخلي عن الهدف والنظرية للاحتفاظ بالسلطة .
اما نتاج هذا الخيار ,بحسب مولينو , فكان الستالينية .
كان على الستالينية للحفاظ على المسحة اللينينية القيام بعمليتين منفصلتين : اولا, ان تحول الماركسية اللينينية من نظرية متطورة ذات توجه عملي الى دوجما ثابتة , معادلة لديانة دولة , وثانيا مراجعة اللينينية والماركسية بما يتناسب مع الممارسة الستالينية الفعلية كنتيجة ضرورية للعملية الاولى ,بعدما اصبح البون شاسعا بين النظرية والتطبيق . فيما كان اهم واخطر التعديلات التي اجراها ستالين على الماركسية هي ( نظرية الاشتراكية في بلد واحد )وهي التي تتقاطع مع الموقف الاممي الذي صاغه ماركس وانجلس . وقد وافق هذا الامر , كما يحلل مولينو ,حاجات وتطلعات البيروقراطيين المسيطرين على البلاد الان . لقد اشتاقوا للعمل العادي غير المعقد بمغامرات ثورية دولية ,وطبعا ستؤدي (الاشتراكية في بلد واحد ) ,لاالى زوال الدولة كما توقع ماركس وانجلس وانما الى تقويتها وتبقرطها . ولن تعود دولة البروليتاريا باي شكل , وقد كانت الستالينية كما يلاحظ مولينو , اقرب الى الكاوتسكية منها الى النظرية الثورية لماركس ولينين طالما انهما فصلتا بين النظرية والتطبيق , ودعتا الى تقوية سلطة الدولة وهبطتا بالماركسية من افقها الاممي الى نوع من الوطنية ( الشوفينية )....ونقلت حرب العصابات لنموذجيها الصيني والكوبي ارضية الصراع من المدينة الى الريف , وهذا لايعني فقط تحولا في موقع الصراع ,وانما ايضا تحولا في مضمونه الاجتماعي , فالعامل الذي ينخرط في حرب العصابات في الريف لن يبقى عاملا .....
اما ان نتحدث عن اشتراكية فلاحين فاننا سنكون ازاء مفهوم ذي تداعيات ستخلخل نسق النظرية الماركسية مثلما فعل مفهوم الاشتراكية في بلد واحد ...
يقول مولينو: (الاشتراكية الفلاحية تحطم هيكل المادية التاريخية باكمله ,فالفلاح ليس هو نتاج لعلاقات انتاج راسمالية ,وانما ما قبل راسمالية . اذا كان الفلاحون هم الطبقة الاشتراكية ,اذن فان الثورة الاشتراكية كان من الممكن ان تحدث في اي وقت في الالف سنة الاخيرة . وتكون الراسماليةوالثورة الصناعية في هذه الحالة مراحل غيرضرورية في التاريخ الانساني ..) .
ان اعتراضي على السيد النمري وعلى تياره من الماركسيين فيما يكتبون هو اني اعتبر لينين كما يقول الاستاذ جاسم الزيرجاوي قد قلب ماركس راسا على عقب , وهذا الانقلاب ثبته ستالين .فالدولة السوفيتية هي نتاج لينين – ستالين , لاعلاقة له بماركس . كما اني اختلف مع الاستاذ سعد محمد رحيم في توصيفه لفكر ماركس بالنظرية , وانا بينت وجهة نظري اننا نستطيع الحديث عن منهج ماركسي لا عن نظرية ماركسية.
النظرية تعني ان تصنع لك حذاء وفق مقاس قالب خسبي ثابت . اما الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي فمتحرك ومتغير يوميا .
يكتب رفعت السعيد في كتابه (ماركسية ماركس ,هل نجددها ام نبددها ؟ )
: ( ان العلم الماركسي غير تفصيلي ..وغير ملزم حتما في كل حالة من حالات وجودهذه التشكيلة , ولذا فان تصور ماركس عن مسار التطور الاجتماعي لاوربا القرنين 18و 19 لايكون صالحا بالضرورة للتطبيق في المجتمعات الاخرى ) .
ختاما ..
على المودة نلتقيكم ..
المصادر
جميع الاقتباسات ماخوذة من كتاب (استعادة ماركس ), تاليف الاستاذ الفاضل سعد محمد رحيم – ط1 -2012 م –جميع الحقوق محفوظة للناشر :
مكتبة عدنان – شارع المتنبي
دار ميزوبوتاميا –بغداد – شارع المتنبي
دار افكار للدراسات والنشر – سورية - دمشق