إيضاحات وردود


جواد البشيتي
2012 / 6 / 13 - 15:20     

"اللغز"، لُغْز "مَصْدَر الرِّبح (في الرأسمالية)"، الذي حَلَّهُ ماركس، لم يُحَلَّ بَعْد في أذهان كثيرٍ مِمَّن قرأوا مقالتي ("مأثرة" ماركس التي عَجِزوا عن النَّيْل من إعجازها!). والدليل على ذلك هو أسئلتهم وتساؤلاتهم، وبعض آرائهم.

ثمَّة أشياء أخرى، على ما يقولون، إيماناً واقتناعاً، تَصْنَع وتُنْتِج "القيمة"، و"فائض القيمة"؛ فـ "العمل"، على ما يقولون، ليس، لجهة خَلْقه "القيمة"، بـ "خالِق لا شريك له".

أوَّلاً، لا بدَّ من توضيح وجلاء أمْر في منتهى الأهمية، هو الفَرْق بين "السِّعر" و"القيمة (التبادلية للسلعة)".

إنَّ "سِعْر" السلعة هو "التعبير النقدي عن قيمتها التبادلية"؛ وهذا "السِّعر" لا يكون دائماً مطابِقَاً لـ "قيمتها التبادلية"؛ فهو يَفُوقها تارةً، ويَقِلُّ عنها طوراً. ولقد سمَّى سميث السِّعر المطابِق للقيمة "السِّعر الطبيعي".

إنَّ "السِّلعة" تنطوي دائماً، وحتماً، على نوعين من "القيمة": "القيمة الاستعمالية (النَّفْعية)"، و"القيمة التبادلية".

و"السِّلعة"، بصفة كونها تنطوي على "قيمة تبادلية (متأتية من العمل المُخْتَزَن فيها)"، يجب أنْ يكون لها "سعر"؛ وهذا "السِّعر" يُقرِّره ويُحدِّده قانون "العرض والطلب"؛ فإذا تَوَازن "العرض" و"الطلب" بيعت السِّلْعة بـ "سعرها الطبيعي"؛ وإذا لم يتوازنا بيعت بسعر يزيد، أو يقل، عن قيمتها.

لكن ليس كل شيء له سِعْر يجب أنْ تكون له قيمة تبادلية؛ فـ "الأرض" لها سعر مع أنَّها ليست بشيء له قيمة تبادلية. وكثيرةٌ هي الأشياء (في الرأسمالية) التي لها أسعار؛ لكن ليس لها قِيَمٌ تبادلية.

والآن، دَعُونا نَفْهَم ونُفَسِّر بعض الأمور بمعونة المثال الذي أوْرَدْنا في مقالتنا السابقة (مثال "صُنْع صندوق خشبي بسيط").

"القيمة القديمة" عَبَّرنا عنها نقدياً بالمبلغ 260 قرشاً؛ و"القيمة الجديدة"، التي خلقها "العمل الحي"، عَبْرنا عنها نقدياً بالمبلغ 240 قرشاً. وهذا المبلغ المالي يذهب نصفه إلى العامل ونصفه إلى رب العمل.

الصراع الأوَّل ينشب بين العامل ورب العمل، ومداره هو اقتسام، وإعادة اقتسام، "القيمة الجديدة"؛ فرب العمل، مثلاً، قد يتمكَّن، في طريقة ما، من أنْ يجعل حصته منها، أيْ ربحه، 150 قرشاً (فتصبح حصة العامل، أو أجره، 90 قرشاً).

"الدولة" تنضم إلى الصراع، مُسْتَعْمِلَةً سلاح "الضريبة"؛ فتقتطع لها من "القيمة الجديدة"، على شكل "ضرائب"، 40 قرشاً مثلاً (نصف هذا المبلغ المالي من الربح، ونصفه من الأجر). وبهذا المبلغ تعيل الجيش والشرطة والوزراء..، وتُعبِّد طُرُقاً.

"التاجِر" ينضم؛ فيأتي إلى رب العمل الذي يملك الآن "الصندوق"، والذي قيمته (أو سعره الطبيعي) 500 قرش؛ فيقول له: أشتريه منكَ بمبلغ مالي مقداره 450 قرشاً.

التاجر اشترى الصندوق، ثمَّ باعه بسعره الطبيعي، مثلاً، فاقتطع له، من ثمَّ، من "القيمة الجديدة" المبلغ 40 قرشاً، على شكل ربح.

"المرابي"، أيْ صاحب المصرف، ينضم.

وفي هذا الصَّدد، دَعُونا نَفْتَرِض أنَّ رب العمل لا يملك من رأس المال (الذي قيمته، في مثالنا، 380 قرشاً) إلاَّ نصفه، أيْ 190 قرشاً.

المرابي يقول له: أُقْرِضُك هذا المبلغ المالي (190 قرشاً).

رب العمل يعيد الآن هذا المبلغ إلى المرابي، مضيفاً إليه نصف قيمة "فائض القيمة"؛ وهذا النصف مقداره 60 قرشاً.

"صاحب الجريدة" ينضم؛ فهو استثمر، إعلامياً، مبلغاً مالياً مقداره، مثلاً، 100 قرش؛ وينبغي له، ويحق، أنْ يحصل على ربح يَجْعَل معدَّل ربحه معادِلاً لمعدل الربح العام. إنَّه يريد أنْ يستعيد المبلغ المالي الذي وظَّفه، مضافاً إليه ربح مقداره مثلاً 20 قرشا.

إنَّه يبيع مقتطعاً له من "القيمة الجديدة"، على شكل ربح، مبلغاً مقداره 20 قرشا.

وينضم "الرَّسام"؛ فهذا رَسَمَ لوحةً، فيها كثيرٌ من الإبداع، أو العمل الإبداعي. وهذه اللوحة ليست بـ "سلعة"، أيْ ليس لها "قيمة تبادلية". فيها "عملٌ" و"إبداع"، أو "عمل إبداعي"؛ لكنَّ هذا العمل لا يخلق "سلعة"، أو "قيمة تبادلية".

مادياً، كلَّفته "اللوحة" 10 قروش؛ لكنه يمكن أنْ يبيعها بسعرٍ مرتفع (100 قرش مثلاً).

وهذا السعر يخضع لقانون "العرض والطلب"؛ و"الطلب" تُغذِّيه مصادِر شتَّى.

الرِّسام اقتطع له من "القيمة الجديدة"، على شكل ربح، 90 قرشاً.

ومع ارتفاع التركيب العضوي للرأسمال، "تزداد الإنتاجية"؛ فالعامل يُنْتِج في الساعة الواحدة من السلع نفسها أكثر؛ وتهبط قيمة كل سلعة؛ وتهبط قيمة "قوَّة العمل" بصفة كونها سلعة؛ وهذا لا يتناقض مع ارتفاع مستوى عيش العامل؛ وتزداد نسبة "العمل المجاني" إلى "العمل الضروري" في "يوم العمل"، وإنْ قَصُر؛ وتزداد نسبة "فائض القيمة" إلى "الرأسمال المتغيِّر"؛ وتتضاءل نسبة "فائض القيمة" إلى "الرأسمال الكلِّي"، أيْ يتراجع معدَّل الربح العام؛ وتتضاءل نسبة البروليتاريا (الخالقة للقيمة الجديدة) إلى مجموع السكَّان؛ ويزيد الحجم المطلق، والحجم النسبي، للسكان الذين يزاولون أعمالاً لا تخلق "قيمة جديدة"، لكنَّهم ينالون المكافآت المالية التي هي جزء مقتطع من "القيمة الجديدة".

بقي أنْ أوضِّح الآتي:

في مقالتي السابقة لم أقُلْ قَطْ إنَّ رب العمل يشتري "طاقة العامل"؛ فلو اشتراها لأصبح العامِل عَبْداً.

إنَّه يشتري (لكنه يدفع لاحقاً الثمن) قوَّة العمل بصفة كونها سلعة. إنَّه يدفع ثمنها من أجل أنْ يستعملها هو 8 ساعات في اليوم مثلاً.

وقُلْت إنَّ نصف يوم العمل هو الذي فيه يُنْتِج العامل من "القيمة الجديدة" ما يسمح له بإعادة إنتاج سلعته، أيْ قوَّة عمله.

وقلت إنَّ قيمة عمل العامل تختلف عن قيمة قوة عمله؛ فلو حصل العامل على قيمة عمله لَمَا بقي من ربحٍ لربِّ العمل.