حول تقييمات بعض الفوضويين لليسار العراقي


ليث الجادر
2012 / 6 / 11 - 12:06     

هناك خلط واضح بين تناول اليسار كونه مدلول سياسي متعارف عليه ومتداول في الادبيات السياسيه كحركات واحزاب وتيارات , وبين كونه مفهوم معرفي يتم تناوله في الادبيات الفكريه ..تتم الاشاره من خلاله الى موقف محدد لمعنى السلطه وانعكاسات النظام السياسي القائم على الواقع الاجتماعي المباشر .. فاليسار كمفهوم فكري يعني ذلك الاتجاه السياسي الذي يتاسس على الامكانيات الموضوعيه ووعيها كشروط للتغيير وبالاخص حركة تغيير السلطه لتصبح اكثر تمثيلا لمكونات المجتمع , وباختصار ومن وجهة نظر الماركسيه فان اليسار هو النشاط الذي يرتكز على المطالب الطبقيه المباشره ويجسد بقوه حركة هذه المطالب التي تعكس درجة وعي طبقي غير ناضجه وهو بالتالي يميل دائما الى وصفه بكونه شكلا خاصا من اشكال الثوريه الاخلاقيه .. وبهذا المعنى العام فان اليسار مفهوم تاريخي متطور , فمحرري العبيد كانوا قبل ان يظهر هذا المصطلح اما وقد ظهر فان وصفهم باليسار صار مؤكد باعتبارهم موضوعيا تحولوا الى تراث فكري تتم مماثلته مع الواقع – للتذكير فان الماديون الجدليون يقرون بموضوعية المفاهيم على عكس المثاليين اللذين ينسبونها كاصل للعقل والالهام— ان محرري العبيد هؤلاء انضجت تطبيقات اخلاقياتهم امكانيات واقعيه مثلت اطارا عاما ومؤكد لمحتوى برجوازي ثوري وهذا بدوره اسس لانبثاق الفكر الثوري الطبقي (الماركسي) او ما اعتيد على وصفه ب( اقصى اليسار) ليعبر من خلاله الذي يعادي هذا الفكر عن تطرف وتعصب المشروع الماركسي النضالي وليؤكد في ذات الوقت الماركسيون من خلاله على خصوصيتهم الفكريه كيسار في الشكل التفيذي والتطبيقي وبكونهم ليسوا الا نهاية وذروة لكل شكل من اشكال الفكر التغييري ...ولان الفكر الماركسي يفرق بجدليته بين ما هو عام وما هو خاص وبما انه حدد مبدأ تفاوت الواقع الموضوعي الاجتماعي الذي انتج ظاهرة تفاوت التطور في القاعده الماديه والنشاط الانتاجي داخل مفهوم المجتمع الانساني ليصبح وحده متناغمه قويه ( المراكز والاطراف ) ..فان هذا يعني ان اليسار يبدأ بالتشكل على المستوى العام استنادا على الامكانيات الواقعيه الفعليه ولا يمكن بالتالي من ان يتاسس المشروع اليساري كسلطه في هذه المرحله من الراسماليه التي تكثفت فيها صفات (المراكز) وارتبطت ارتباطا وثيقا بنظام الولايات المتحده الامريكيه الا ان يبدأ بكونه القطب المقاوم لسلطتها وتحديدا بما تمثل من انعكاسات هذه السلطه على مستوى مجتمعات الاطراف ..وهنا يصح( مبدا لنسير متفرقين كي نضرب معا )..لان هذا لا يعني في النهايه الا نقض اليسار لذاته سواء اخفقت محاولاته او نجحت نسبيا والظفر اليساري هو ظفر نسبي حتما لانه ما ان يستحوذ اليسار على السلطه ,,ما ان تظهر مبكرا الدلائل الواقعيه الملموسه لتناقضاته التي تنبع بشكل خاص من قصور نظرته وتقيمه لحقيقة الواقع الطبقي حيث تتاسس (العداله الاجتماعيه ) عنده في اقصاها الى (العدل الواقعي )وليس( العدل الممكن) اي انه يبدا كمن يبني جنته على سطح الجحيم ..فالمئه التي كانت تتوزع بتسعون منها على ثلاثة انفار والعشره الباقيه على السبعه والتسعين الباقين ..بامكان جنة اليسار وفي احسن احوالها المناخيه من ان توزع المئه بثلاثون لثلاثة انفار وسبعون للسبعه والسبعيين الباقين ...ان الجنه الاجتماعيه الانسانيه لايمكن من ان تقام الا اذا توافقت العلاقات الانتاجيه مع مصدرها الذي تتاس عليه وهو القوه الانتاجيه ,,نعم لقد اقام اليسار جنته لكن كانت دوما مؤقته ومتزعزعه وغالبا ما كانت جنات للطوابير والحريات المقيده من اجل تنفيذ الحريه الممرحله ,,وان كان هذا في ما مضى يعبر عن سيرورة حتم الانقلاب الاجتماعي وان كان هذا هو شرط الواقع اليوم فان وعي الماركسيه لهذه السيروره خلق امكانيات الاتجاه الثالث الذي ينقض اليمين واليسار في المشروع وهذا يعني ان الاتجاه الاشتراكي هو الممكن القوي الذي- سيكون- في واقع ينتجه اليسار ويتناقض فيه مع ذاته ,ومن هنا تتحدد مهمة الماركسي وتتحدد علاقة المشروع الاشتراكي بقوى اليسار حيث تصبح المهمه هي النقد الفكري المستمر والمستديم والمشروط بتوثيق العلاقه وترسيخها معه ... اما الاكتفاء بنقده خارج اطار الاصطفاف معه فلا يعني الا السير عكس مؤشر الوعي الماركسي ..ونستطيع حينها ان نصف هذا الاتجاه بانه محاوله لتقزيم المشروع الاشتراكي ونقض لامكانيات انبثاقه ليتحول واقعيا الى مشروع حالم ومتامل ينتظر اليوم الموعود الذي تهبط الثورة الاجتماعيه فيه من السماء لتصعق اعداؤها ...اصحاب هذا الاتجاه سمحوا لانفسهم مؤخرا وفي مجرى تقييمهم لليسار العراقي والمحاولات التي تسعى جاده لتفعيل دوره ونشاطه السياسي ..سمحوا بل وتجرأ احدهم بوصفه قائدا شيوعيا او ماشابه هذا لان يسارع الى الغاء اولا مفهوم اليسار كوجود موضوعي ومن ثم الغى دور اليسار العراقي وبتناقضات غريبه اعتبر الشيوعيه هي اليسار ...؟؟ بينما انهال الاخر على اليسار بصوره عامه بنقده لتكتيك القوى اليساريه في العالم ( فنزويلا ,البرازيل ..) متناسيا اصلا انها يسار ظفر بالسلطه وهو بهذا صار يشير الى مفهوما خاصا لليسار وليس مفهوما عاما يمكنه من خلاله ان يحاكم فيه قوى اليسار العراقي التي هي الان في طور السعي الى السلطه ...ناهيك على اسلوب العرض المتهافت الذي يركز على نقد اليسار بكونه يرمي بكامل ثقله باتجاه معاداة الولايات المتحده ويجعل محور نشاطه هو العداء للقوة الامبرياليه وبشكل نهائي ومجرد ..هذا الاسلوب من العرض يوحي وكان هؤلاء الشيوعيون غيورين بشكل ما على نظام الولايات المتحده ويدلل بصوره جوهريه على مدى تمسكهم بالنظام الديمقراطي النيابي الذي تقوم بتصديره للشعوب عنوة ..وواقعيا فان مواقف هؤلاء تمثل اولا واخيرا محاولات اجهاض لحركة التغيير العراقيه التي صارت امكانياتها اشد واقوى موضوعيه والتي تدلل على ان الحزب الشيوعي العراقي ( الذي لم يعد حزبا شيوعيا ) هو المرشح الوحيد للنهوض بهذه المهمه ..فبماذا يمكن الحكم على من يسمي نفسه شيوعيا واشتراكيا وهو يهرول مسرعا ليضع حصياته ( فهي بالتاكيد ليست احجار وفقا لحجمهم وفعاليتهم على ارض الواقع ) في طريق هذه الحركه ..اليس هو في كل الاحوال وفي النهايه ومهما قدم من تبريرات نظريه يبدوا وكانه يحاول من ان ينقذ اليمين العراقي ؟ وهو يفعل ذلك كجندي مجهول ؟ ,ان الذي ينتقد اليسار العالمي لكونه جعل همه الوحيد معاداة النزعه الامبرياليه الامريكيه ويعتبر هذا قصورا يفرض على الشيوعي القطيعه مع اليسار ...هو ذاته وفي هذا الموقف من اليسار العراقي,, يسفر عن هزالة هدفه بكونه لايعدو ان يكون الا معادة (الحزب الشيوعي العراقي ) وبالتالي فانه يعادي اي امكانيه واقعيه للنهوض بقوى اليسار التي تنبري لنقض سوداوية واقع المشروع الامبريالي في العراق ..؟؟