بعد الانتخابات الرئاسية في مصر هل تحول الربيع العربي الى خريف؟


بهاءالدين نورى
2012 / 6 / 4 - 14:32     

بعد انتظار طويل جرت الانتخابات الرئاسية في مصر مابعد الثورة، وخيبت النتائج أمال الكثيرين اذ جاءت بمفاحآت لم ينتظروها.
المفاجأة الأولى ان 46% من حائزى حق التصويت شاركوا في عملية الاقتراع مقابل 54% امتنعوا عن المشاركة (بخلاف ماجرى في تونس مثلا). وجرى ذلك في مصر مابعد ثورة يناير وفي ظروف صراعات اعلامية محتدمة بين التنظيمات السياسية. .وبدت الجماهير المصرية وسط هذه الصراعات وكأنها تقول لهؤلاء ك لاداعي لهذا الضجيج وليس هناك مايستوجب عناء المشاركة في عملية لن تأتي لنا بخير يذكر! ولم نعد ننتظر جديدا !.
والمفاجأة الثانية كانت الهبوط الكبير لنسبة الاصوات التي حصل عليها الاسلام السياسي، مقارنة مع الانتخابات البرلمانية التي أجريت قبل فترة قصيرة وحصل فيها الاسلاميون على اكثر من ثلثي الاصوات والكراسي البرلمانية.
والمفاجأة الثالثة هي أن الثورة الشبابية الكبرى، التي انطلقت في مصر منذ مطلع السنة الماضية واسقطت نظام حسني مبارك ،لم تجد انعكاسا لنفسها في هذه الانتخابات ،بل توزع جل الاصوات على مرشحين للرئاسة لم يكن لهم شأن بالثورة الديمقراطية سابقا ولم يكونوا من دعاة التغيير التقدمي ، بل كان البعض منهم جزءا من كيان النظام المباركي أو وجها اَخر لذات العملة الرجعية. وقد أوصلت عملية فرز الاصوات كلا من مرشح الاخوان المسلمين السيد محمد مرسي (فاز ب 24% من الاصوات ) والمرشح العسكري الذي يحسبونه مستقلا السيد احمد شفيق (فاز ب 23% من الاصوات) ليدخلا حلبة المنافسة في الجولة الثانية .
اظن اننا كنا نجد لوحة مغايرة من نتائج الانتخابات فيما لوشارك 75- 80% من المصريين الذين كان لهم حق التصويت. لكن ذلك لم يحدث ولا أعتقد أن المعنيين بالشأن المصري يشغلون انفسهم كثيرا بدراسة اسباب ضعف المشاركة في الانتخابات ، بل هم منغمرون في مناقشات واسعة حول ما سيؤثر على نتائج الجولة الثانية في الانتخابات ، وحول اقامة التحالفات التي قد تساعد هذا المرشح أو ذاك على الفوز.
ويركز الاخوان المسلمون في دعايتهم ضد احمد شفيق على ان هذا الرجل كان من اقطاب عهد مبارك، الامر الذي يجعله غير جدير بالجلوس على كرسي الرئاسة. وهذا الاتهام –ان صح اعتباره اتهاما – صحيح و واضح وضوع الشمس. فهو كان رئيس اركان الجيش وعينه مبارك رئيسا للوزراء في فترة معينة. ولكن هل من غرابة في ذلك داخل مصر اليوم؟ ألم يستلم السلطة ، عند استقالة الرئيس السابق حسني مبارك، المجلس الاعلى للقوات المسلحة وعلى رأسه وزير الدفاع الذي عينه مبارك في حينه، السيد حسين طنطاوي؟ اذا كان طنطاوي حاكما لمصر منذ سقوط مبارك وحتى يومنا هذا ، فما الغرابة في أن يترشح أحد زملاء طنطاوي في الهيأة الحاكمة لرئاسة الدولة المصرية؟ وماذا يمكن أن يقال عنه فيما اذا انتخبه المصريون بألا غلبية في اقتراع سرى مباشر؟ أوليس رئيس وزراء سابق هو كمال الزنجوري رئيسا للوزراء اليوم ايضا؟
انا لا اريد الاشادة باحمد شفيق ولا بطنطاوي ولا ازعم بأن شفيقا هو الشخص الجدير برئاسة مصر في القرن الواحد والعشرين... ولكنني أريد ان اقول ان هذا هو الواقع المرير الذي وصلت اليه مصر خلال ستة عشر شهرا اعقبت الثورة الشبابية. والسبب واضح بألطبع. فالثورة لم تملك من القوة ما يضمن الحسم وينقل زمام السلطة الى الثوار، بل انتصرت في ظروف توازن قلق متعدد الأطراف، ولم تنتصر بمعزل عن حياد أو لون من انحياز طنطاوي وشفيق وزملائها الى الشبيبة المنتفضة. واذاكان هؤلاء هم الذين يرجحون كفة الثورة فان من الطبيعي ومن المحتم ان يقبضوا ثمن ذلك. هكذا سارت الامور وهكذا تكون النتائج. وكان من غير الممكن، في ظل هذه الاوضاع، ان يفوز احد الشباب الثائرين من منتفضي شوارع القاهرة، بل حتى رجل ديموقراطي لبرالي نظيف كمحمد البرادعي .
يدعو الاخوان المسلمون اليوم الى اقامة جبهة انتخابية عريضة في مصر لانقاذ الثورة من خطر بقايا العهد البائد. وهم يظهرون انفسهم كثوار لاغبار عليهم، بل كالفصيل الأساسي للثورة المصرية، الحريص على نقائها. وهم يريدون منا ان ننسى ماضيهم وتأريخهم عبر عشرات السنين المنصرفة، وأن ننسى كل الجوانب السلبية من حاضرهم ايضا. صحيح انهم كانوا معارضين لنظام حسني مبارك، ولكن أي لون من المعارضة؟ هل قدموا يوما، طوال عشرات السنين من تأريخهم، برنامجا لاقامة نظام ديمقراطي واصلاحات ديمقراطية وتقدمية؟ الايتذكر الجميع ضبابية نهجهم السياسي وتلخيص اهدافهم كلها في جملة ((الاسلام هوالحل ))؟ صحيح انهم كانوا معارضين للنظام، واكسبهم ذلك شعبية كبيرة بسبب كره الناس للسلطة. لكنهم كانوا يطمحون الى أخذ السلطة ليقيموا نظاما على نمط ماكان قبل قرون مضت. وقد كان مبعث السرور والترحيب أن اعادوا النظر موخرا في توجهاتهم الفكرية والسياسية. ويعود الفضل في ذلك، أولا وقبل كل شيئ، الى حركة الاخوان المسلمين في تركيا تحت قيادة رجب طيب أردوغان، التي بادرت الى التجديد، وقلدها الاخوان المسلمون في البلدان الاخرى. وقد شملت ظاهرة التغيير حركة الاخوان المصرية ولكنهم لم يجربوا في التطبيق العملى ولايعرف هل سيجمعون بين الاقوال وبين الافعال؟
وعلى أي حال فأن من يحرص على انجاح الديمقراطية ينبغي ان يحترم ارادة الاغلبية الناتجة عن صناديق الاقتراع عبر أنتخابات حرة نزيهة، سواء فاز مرسى أو شفيق.
و أود التاكيد على ان لاداعي للخوف، أيا كان الفائز اليوم، فالثورة الشبابية الديمقراطية تتابع سيرها في تحقيق التحولات الديمقراطية ولن يعود نظام مبارك، تحت أي اسم كان، الى مصر. ويتعذر على المرء أن يفضل أيا من شفيق ومرسى على الأخر ولن يبقى على كرسي الرئاسة من يرفضه الشعب اكثر من اربع سنوات، ولن يحل في مصر خريف شبيه بعهد مبارك. فالربيع هو القادم ولوببطء ووسط الصعاب الكثيرة.وان كان هناك فرق بين الرجلين فأنه يكون في صالح شفيق لأنه اهون الشرين , لأنه لايملك حزبا تحت امرته ولاعقلية منبثقة من اساليب واحكام سادت قبل قرون ولا فكرا معاديا في جوهود للتجديد و التغيير الديمقراطي وبالتالي لايسهل عليه البقاء اكثر من اربع سنوات.