من النهاية نبدأ دوما


يوسف غنيم
2012 / 6 / 3 - 17:56     

من النهاية نبدأ دوما

عندما نبدأ من نقطة ما لا ندرك أننا بدأنا من نهاية غيرها، فبداية أي ظاهرة هي نهاية لظاهرة أخرى. ما من شيء في الطبيعة ينشأ من لا شيء، ولا يزول أبداً دون أثر، هذا ما يسمى جدل الحياة وديالكتيك الواقع المعاش.
للنهايات أثر على كل بداية ولكل بداية نهاية، فلا دوام لشيء على حاله لإنعدام الثبات، الثبات حالة من العدم الذي لا تتفق مع تدفق المادة بالحركة والمادة المتحركة لا تستطيع الحركة إلا في الزمان والمكان.
الزمان والمكان مقولتان فلسفيتان متلازمتان مع المادة، والمادة هي الواقع المادي المعطى لنا عبر الأحاسيس. الوجود المادي هو الأساس والأسبق وهو موضوعي بطبيعته ولذا يشكل وجوده تحدٍ للإنسان، وهو ما يفرز الصراع الأبدي، الصراع مع الطبيعة. والمادة في حركة وتحول دائم، ولعل أرقى انماط الحركة هي الحركة الاجتماعية والتي بدأت بتأثير الوجود المادي على الوجود البشري سواء في تطوره إلى كائن عبر دماغه أو في صراع الإنسان مع الطبيعة، مما حمل معه التطور البشري الهائل. في هذا المستوى، يكون الإنسان هو الزمان، هو التاريخ وتحديداً يؤثر هذا الزمان، أي الإنسان في الطبيعة عبر نمط الإنتاج.
تطور الظواهر الطبيعية يأتي في سياق الإختيار الطبيعي، وتطور الحياة الإجتماعية يكون نتاج ضرورات تاريخية يساهم الإنسان في بلورتها إذا توفرالعامل الذاتي القادرعلى إلتقاط العامل الموضوعي المواتي للحظة التغيير التاريخية وهذا يتم تجسيده عبر نمط الإنتاج.
من هنا يصبح الذاتي والموضوعي عاملان حاسمان في التقدم بالحياة وفي تحديد نهاية كل بداية وبداية كل نهاية ، بداية نهاية حياتنا تبدأ من لحظة التلقيح ونصل لنهاية الحياة عندما نفقد القدرة على إلتقاط بداية نهاية الأشياء التي تجعلنا نتحضّر للبداية القادمة، لا شيء ثابت الكل في حركة من البداية حتى النهاية، الحركة مستمرة وما يميزها تقدمها إلى الأمام في حركة صعود يتخللها بعض التراجعات نتاج الحركة اللولبية للتاريخ، لا يمكن التقدم للأمام دون التراجع خطوة وقد تكون خطوات للوراء في عملية لا متناهية من التقدم والتراجع، لكن حالة التراجع وإن شئت النكوص مؤقتة يتلوها حالة من التقدم المرتكز الى التراجع الذي واكب الحركة.
قد تنفلت حركة الواقع وتدخل في سياق من القفزات إلى الأمام أو تراجعات وإرتدادات حادة وفي كلتا الحالتين لن نتمكن من السيطرة على ايقاع الواقع في حالة عدم تبلور العامل الذاتي أو عدم نضجه في سياق تطور الظرف الموضوعي المواكب لحركة الواقع المادية وتطورها.
لقد إنفلت الواقع السياسي بالوطن العربي وأصبح الزمن مكثف مع تسارع الأحداث ولم يعد هنالك أي مؤشر على إمكانية مجاراة الأحداث اليومية التي يعيشها المجتمع العربي بأدوات العمل التي كانت سائدة في الماضي، لم يعد البيان الورقي وسيلة لنشر الموقف، أصبح بالإمكان التواصل مع الملايين بلحظة من الثانية، أصبحت الثانية معادل للنجاح أو الفشل في أي موقف نتخذه في لحظة التراكم أو القطع.
لذا لم يكن مفاجئا أن تتمكن الإمبريالية من إمتطاء اللحظة السياسية بالوطن العربي محولة الحراك الشعبي من بداية النهاية إلى نهاية البداية، لقد تمكنوا من رصد مكونات حراكنا من خلال دراستهم لما كان يتشكل في رحم المعاناة التي ساهموا بتشكلها عبر حالة الرضوخ التي قبلنا بها منذ سلمنا بأننا غير قادرين على مناطحة مخرز الجلاد بأكف أيدينا العارية، غير مدركين بأن إستمرار المنازلة يثلم المخرز ويقلل الضحايا وصولا لإقتلاع المخرز من يدي الجلاد للبدء من جديد بتشكيل بداية جديدة لنهاية جديدة