الحراك الشعبي بين حضور الشباب والجماهير وغياب المثقفين وخيانة السياسيين


محمد بودواهي
2012 / 5 / 31 - 21:08     

تشهد المنطقة العربية والمغاربية راهنا حالة انتفاضات وغليان شعبي واحتقان اجتماعي وسياسي تتفاوت درجاتها من دولة إلى أخرى ، تتقاسم فيما بينها طبيعة الإرادة والطموح.. إلا أنه في ظل هذه الحالة الموسومة بالمخاض والحركية ينتصب السؤال قائما حول دور المثقف في صناعة التغيير؟ أو على الأقل حول وعيه بما يجري في الشارع من مطالب عميقة حول الديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية ...؟ بعد أن غاب عنها السياسي كليا ماعدا قلة قليلة من اليساريين الجدريين الأوفياء لقضايا الشعوب والجماهير طبعا ...

وإزاء زخم لحظة التحول الاجتماعي والسياسي هده التي تمر بها المنطقة يثور التساؤل حول موقع وحدود إسهامات المثقفين في هذا السياق ، خاصة إدا علمنا أن من قام بهدا الحراك الشعبي ومن تزعمه ومن أطره هم الشباب . فهل المثقف هو الدي أقنع هدا الشباب بالخروج وتكسير حاجز الخوف ؟ وهل هو من أخد بيده و شجعه على مواجهة الدولة المستبدة القاهرة ؟ وهل هو من أطره للعمل على الإطاحة بالأنظمة السياسية الفاسدة العصية على التزحزح والارتجاج ؟ فهل للمثقف دور في ما وقع من انتفاضات أم أن شروط الدات والموضوع تجاوزته كما تجاوزت السياسي من قبله ؟؟ ..

لقد أبرز المثقف العربي والمغاربي في عصر النهضة إمكانيات كبيرة على التعبئة والتحريض والعمل من أجل بناء الذات الحضارية المستقلة ، والانفلات من التبعية الغربية المطبوعة والمبنية على الاستغلال والهيمنة ، وأعطى بالتالي للشعوب بعض المقومات الخاصة الضرورية لضمان استمرارها في إطار الخصوصية المحلية رغم هيمنة التوجه العروبي الإقصائي المعادي لكل الهويات والثقافات الوطنية الأصيلة المتعددة الأخرى من أمازيغية وكردية ونوبية وقبطية وآشورية وآرامية .... ، لكنه بالمقابل أخفق في اجتثاث جذور الاستبداد والطغيان التي كانت تؤطر -وماتزال- عقلية كل الأنظمة السياسية الحاكمة .

ان المثقف الحقيقي اليوم هو عملة صعبة وصعبة جدا اذ يكاد يختفي في خضم اولئك المثقفون التقليديون من طرف واغلبهم رجال دين وموظفين سامين وكتاب .. الخ واولئك المثقفون السلطويون من طرف آخر واغلبهم من الاعلاميين والصحفيين والفنانين والجامعيين والمحررين التابعين للسلطة .. وهنا لابد من الاعتناء بالمثقفين الحقيقيين العضويين الذين يمكنهم ان يكونوا البديل الحقيقي باعمالهم وابداعاتهم ونضالاتهم وترجمة كل معاناة مجتمعاتهم وشعوبهم في أعمالهم وإبداعاتهم ...

أن الثقافة لا يمكن ان تشكل عامل تغيير جذري دون أن تتجاوز ذاتها بنفسها وبشكل متواصل ومتصل . وثقافة التغيير تختلف بالتأكيد عن ثقافة التزوير إد تحمل أشكالاً منهجية علمية معرفية رصينة تقف بالضد من ثقافة التزوير التي تحمل معها شعارات مبطنة مستهلكة وتعسفية تستهدف لحظة معينة مربكة، بينما المراد من التغيير بناء ثقافة تأسيسية لمرحلة قادمة تحمل أيضاً مضامين تشكيلة اقتصادية اجتماعية وتصبح بديلاً عنها ..

وبناء عليه فإن المثقف الحقيقي ينطلق في ثورته الفكرية الاجتماعية السياسية الخلقية من ذاته أولا ، فهو المبدأ والمثال عملا وحياة وأخلاقا وسلوكاً وتربية ، إذ لا يستقيم الظل والعود أعوج ، ما يفرض عليه أن يكشف عوامل الضعف والانحراف في آلية التفكير عند بعض الساسة والمثقفين المطبعين مع السلطة ومع الاستبداد والظلم ، وأن يتصدى للتشويه الإعلامي المعادي المنظم ، بمثل ما يتصدى للتشويه الإعلامي للسلطة ، وللممارسات الأخلاقية المشينة ... وهذا قد يعرضه للأذى والإهانة أوحتى الاعتقال والتجويع والاضطهاد ولكن عليه أن يتحلى بالصبر والإرادة والعزيمة لفضح كل أسباب الترهل والتراجع السياسي عن المفاهيم الوطنية والديموقراطية وعن آمال الشعب في التحرر والديموقراطية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية ...‏‏

و المثقف الحقيقي أو العضوي كما يسميه المنظر الماركسي الفد أنطونيو غرامشي يتعامل مع ما يجب أن يكون ، و يتجاوز النظرة الضيقة عن البيت والعائلة والأهل والمدينة ويترفع عن الحزبوية الضيقة والمصالح الخاصة ... وينخرط في العمل الجماهيري بدون تردد من اجل وطن حر وكريم ينعم فيه المواطن بالإستقرار والحياة الجميلة الكريمة .... و طموحه لا يصل إلى حد امتلاك ناصية الحكم وأدوات السلطة وإنما يصل إلى حد دمقرطة المجتمع والدولة وبناء الذات المواطنة السوية ... فهو يرتبط بالقيم و يعمل وفق الضمير والمثل ، ويضحي بمصالحه من أجل المبادئ والقيم وبناء الأوطان وحريتها ، ‏‏ولا يتعامل مع الوسائل الدنيئة للوصول إلى الغاية كما هو المثقف الذرائعي الميكيافيلي الذي يكون وبالاً على شعبه وأمته ، ويعمل دون خوف أو مواربة على مواجهة السلطة السياسية عندما تنحرف عن أداء واجبها في تطبيق الدستور الشعبي الديموقراطي والقانون وفق مبدأ الحقوق والواجبات . ويجتهد أيما اجتهاد في مجابهة كل سلطة اجتماعية أو روحية قاهرة أو منتجة للتخلف والتفرقة والطائفية والمذهبية والعشائرية والفئوية ، أو صانعة للفساد والظلم والقهر، و يتصدى لأي ممارسة سياسية تقع فيها السلطات المحلية فريسة للتفريط بقضايا الوطن والشعب ...

والمثقف من هده الطينة له مصداقيته كبيرة ورؤيته عميقة للتغيير وصوته مسموع وأفكاره نافذة .... إنه الحامل لفكر تعبوي وفلسفة تحريضية وتمردية حينما يبلغ المجتمع ذروة التفسخ والجهل والإستهتار. لتبقى الثقافة الاداة الوحيدة للإحتجاج والإعتصام رغم جحافل القمع . وهو غير موالي للسلطة لانه يسعى لتغييرها ولا يرى فيها غير أداة قمعية رغم كل الخطابات المعسولة التي تتشدق بها . فحين تتقوى جبهة الانتليجنسيا كما يؤكد لنا التاريخ في عدة تجارب عالمية تنحني السلطة القمعية وتدع الامر للمجتمع المدني الحرعبر مؤسسات نزيهة وشفافة و الذي يكون وقت ذاك قد تأثر بالفكر التحرري والوعي الجماهيري الذي قاد مشعله المثقف الجماهيري الذي حاول أن يؤثر في أوساط المقموعين عبر ثقافة إشعاعية تلامس قضاياهم وواقعهم وطموحاتهم ...

والسؤال هنا هو هل هناك دور لعبه أو يلعبه المثقف اليوم في ما يعيشه الوطن العربي والمغاربي من انتفاضات واحتجاجات وغليان شعبي من أجل التغيير الحقيقي.. وبالتالي هل هناك مثقفون من هكدا صنف تعيش بين ظهرانينا ؟؟؟؟ إنهم بالتأكيد موجودون لكن بندرة لا متناهية مع الأسف ....