موضوعات حول الدوغمائية : الستالينية - المشكلة الأساسية للماركسية


هشام صالح
2012 / 5 / 30 - 20:30     

(( لقد عاد ماركس إلى الحياة و زار الأتحاد السوفييتي . رأى المصانع , المستشفيات , المدن , و القرى ألخ .. و بعد هذا أخيراً طلب اذا كان يستطيع أن يلقي خطاباً على التلفاز , فتردد المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي خوفاً أن يقول ماركس شيئاً يخالف قواعد السوفييت , و بهذا , وعدهم ماركس أن يقول جملة واحدة فقط , و تحت هذا الشرط حصل ماركس الموافقة من المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي أن يلقي خطاباً على التلفاز , فحين كان مستعداً أن يقول جملته قال : (( يا عمال العالم .. سامحوني ! )) )) . ( نكتة سوفييتية )

كنت اواجه صراعاً بيني و بين نفسي حيال عنوان هذا الموضوع , ففي الأساس كنت أريد تسمية هذا المقال " الستالينية " و لكن رأيت في هذا العنوان شيئاً من الجفاف , فالعنوان نفسه لا يعطي القارئ موجز الموضوع نفسه , و بهذا , رأيت أن تقديم موجز بسيط خلال العنوان سيكون أكثر جذباً للقارئ , حيث , الستالينية هي المشكلة الأساسية للماركسية .
ماذا نعني حين نقول الستالينية هي المشكلة الأساسية للماركسية ؟
الستالينية هي جزء من المعسكر الفكري للماركسية , حيث توابعها يتبعون الخط الفكري و الثوري لدى ستالين , الستالينية أيضاً قد تشير إلى الفترة التي حكم فيها ستالين , أيّ , ممارسة ستالين السياسية في الاتحاد السوفييتي .
ففي الفترة التي حكم فيها ستالين شهد العالم طعنة في ظهر الاشتراكية , فحجم القتل و سفك الدماء الذي حصل في هذه الفترة يعتبر خيانة في حق الاشتراكية , فوطن الاشتراكية وطن الأحرار – كما كان مذكوراً في النشيد – يجب أن يكون حقاً وطناً للأحرار , ليس وطناً لقتل الأحرار , فدكتاتورية الحزب الواحد الذي وضعها لينين , إستبدلها ستالين بدكتاتورية الفرد , حيث , حتى أصدقاء ستالين لم يسلموا من جنونه . فالذين ماتوا لم يكونوا فقط أعداء الشيوعية – بالرغم من رفضي لموت أي إنسان بغض النظر مما يعتقد أو يؤمن – فمن مات كانوا رفاقه – رفاق دربه ! , بخارين , و زينوفييف , و تروتسكي , و كامينيف , كل هؤلاء بلاشفة رفاق درب لينين و ستالين , فبخارين كان الفتى الذهبي للحزب , و تروتسكي القائد الميداني لثورة أكتوبر , و زينوفييف و كامينيف وقفوا مع ستالين دفاعاً عنه ضد تروتسكي , كل هذا لم يكن في حسبان أو في ذاكرة ستالين , مثل مصاص الدماء , حين يعطش لا يعرف صديق و لا عدو يمص دم أي شخص يراه .
في الحقيقة , لم أريد أن أقدم ما هي الستالينية – أو موجزاً حول الستالينية – و أفعال ستالين , و لكن رأيت الكثير من التعليقات في الميدان الفكري - جعلتني أقدم الستالينية - فأحد التعليقات التي جذبت ناظري تأتي على هذا النحو : (( لماذا تهاجمون الستالينية فقط ؟ )) و ربما هذا السؤال ظاهرياً ينبع من عاطفة حب تجاه ستالين , و لكن هذا السؤال في الحقيقة جوهري , لماذا نهاجم الستالينية ؟ – و نحذف هنا كلمة فقط – الهجوم على الستالينية يعني الهجوم على أساس الدغمائية في الماركسية , فالستالينية لم تعطي مجالاً إلى أي شخص سواء كان شيوعياً أو غير شيوعي أن يعبر عن رأيه , و الستالينيون إلى اليوم جامدين في الفكر , لا تستطيع أن تقول أي شيء عن ستالين , لا تستطيع أن تقرأ أي شيء يعادي ستالين , لا تستطيع أن تقتبس أقوالاً مخالفة للستالينية أو ناقده لها , هذا الأساس الذي وضعه ستالين في عصره و استمر هذا الجمود و عبادة ستالين إلى اليوم , فالستاليني مثل الرجل الطاعن في السن الذي شارك في الحرب العالمية الثانية , ماسك سلاحه القديم المغبر , و يقول" لا أعترف بالرشاشات الحديثة أنها لا تصلح , رشاشات غير فتاكة فيها شيء من الميوعة , سلاحي أفضل سلاح و سيبقى أفضل سلاح . " , فالستالينيين لا يريدون أن يتعرفوا على الجديد , على العصر الجديد , فهم عالقون ما بين عام 1917 و 1953 , ذهاباً و أياباً في حفر التاريخ و سب تروتسكي و الأممية الرابعة و بخارين و خروتشوف ألخ .
الستالينية حصرت الماركسية تحت قوانين جامدة و مانعة و جاهزة للحياة , مثل اللوحة الخماسية للتاريخ التي صيغت في عهد ستالين :
المشاعية
العبودية
الاقطاعية
الرأسمالية
الاشتراكية = الشيوعية
فهذه النظرة إلى التاريخ , نظرة عامة جداً , و أحياناً نستطيع أعتبارها غير صحيحة , فالمرحلة الاشتراكية ولت , و استبدلت تلك المحطات الاشتراكية بمحطات رأسمالية , فالتاريخ لا يسري حسب القوانين اللوحة الخماسية التي تأتي بنظرة عامة للتاريخ .
و بالإضافة , قد حصرت الستالينية المادية الديالكتيكية في زاوية جامدة , و تحولت هذه الفرضيات التي وضعها ماركس إلى قوانين الحياة و الحقيقة المطلقة ! , و يجب علينا أن نعترف و نبوح أن المادية الديالكتيكية لم تتأسس بشكلها الكامل عند ماركس , فماركس لم يكمل مشروعة , فوهم أن المادية الديالكتيكية أنجزت بالشكل الكامل يجب أن يعاد النظر فيه , فلا يمكننا أن نؤمن أن المادية الديالكتيكية هي الحقيقة المطلقة للوجود , لأنها أساس لم تكن ناجزة , لم ينجزها ماركس أو أنجلز . و إزاء ذلك أقتبس مقولة نيتشة ( بتصرف ) :" الحقيقة معي , و لكنها فظيعة " , فالحقيقة هي أن لا توجد حقيقة مطلقة , فالموجود فقط تأويلات و فرضيات , و الستالينية حولت تلك الفرضيات إلى قوانين جامدة , خصوصاً في كراس ستالين حول المادية الديالكتيكية و المادية التاريخية , فالجهد المزعوم الذي أبذله ستالين في كتابة هذا الكراس, جهد أدى إلى تجميد الماركسية من محتواها الحيوي .
و من خلال مروري إلى المقالات الفكرية , رأيت بعض تعليقات الستالينية تأتي على هذا النحو : (( لا يجب عليكم نقد ستالين , فهو من أنقذ البشرية من الجحافل الهتلرية )) , لماذا نقمع أنفسنا من النقد بسبب إنقاذنا من جيوش هتلر , فهذا إبتزاز ما بعده إبتزاز , إبتزاز نفسي و فكري , مثل الذي ينقذ شخص آخر من الموت و يطلب منه أن يكون عبداً له . فمسألة ذكر إنتصار ستالين على هتلر في كل مجادلة فكرية , بالنسبة لي تعبر عن الفقر الفكري لدى الستالينية و أتباعها , فهم بكل بساطه لا يريدون مناقشتك لا يريدونك أن تنتقد ستالين , لماذا ؟ , لأنه أنقذ البشرية ! , فهذا القمع أو منع إنتقاد ستالين يعني أن ستالين أرتكب أخطاءاً لا يستطيعون تبريرها , و لهذا هذه الحجة تظهر من جحرها في غرض منع إنتقاد ستالين .
المطلوب هو ليس التخلي عن الستالينية , لا يمكننا و لا يمكن لأي شخص أن يطلب من شخصاً آخر أن يتخلى عن فكره , و لكن المطلوب هو الحوار الديمقراطي قبول النقد و حرية الرأي , فقبول النقد و حرية الرأي لا ينبع من ميوعة الفكر بل ينبع من حيوية الفكر . المطالبة بالحوار الديمقراطي لا تتعلق بالصهيونية أو الإمبريالية , المطالبة بالحوار الديمقراطي تتعلق بثقافة و تفتح المرء , فالذي يرفض الحوار الديمقراطي هو خائف و خجول جداً من التعرض إلى الأفكار الأخرى في الحديقة الفكرية , و الخجل ليس من خصائص الماركسية .