الاقتصاد الاستهلاكي و فائض القيمة 2


سعيد زارا
2012 / 5 / 30 - 17:29     

2- هستيريا الرياضة بعد ستينات القرن الماضي


لقراء جريدتنا المنيرة الأعزاء أقول انه ليس قصدي في هده المساهمة أن أحط من أهمية الرياضة, كما قد يوحي بدلك عنوان المقالة, كممارسة لها ضرورتها في أن تحفظ لمزاولها صحته البدنية الجيدة وكدا توازنه النفسي المطلوب أو خدش مشاعر محبيها بشتى أصنافها نظرا للمتعة التي يتحسسونها أثناء مشاهدة عرض رياضي معين, ليعود المشاهد بعدها إلى عملية إنتاج شروط حياته بتفاصيلها الرتيبة بنفس جديد, ولكن هدفي أولا و أخيرا أن أساهم في تحطيم الستارة الحديدية التي تحول دون أن تدرك صانعة المجتمع الاشتراكي و المنتجة الحقيقية لخيرات المجتمع المعاصر أنها و من جهدها فقط و الذي لم تحصل على أجره , هي التي تمول هدا –القطاع- , و ليس جهة أخرى, و الذي أصبح مند بداية سبعينات القرن الماضي وخصوصا مع بداية القرن الحالي موضع تهاطل كميات غزيرة من الأموال كما تهطل الأمطار الاستوائية.

مع انتقال الرياضة بشتى فروعها من حقل الاستمتاع و الفرجة الشيقة إلى مجال الاقتصاد أي أنها أصبحت وسيلة لكسب العيش الرغيد لممارسيها و منظمي عروضها, ناهيك عن توظيفها كمخدر يصرف أذهان متتبعيها عن الاهتمام بقضايا البشرية الأكثر استعجالا , الانتقال الذي تزامن مع صعود الخدمات إلى مقدمة الإنتاج في بداية السبعينات من القرن الماضي إلى الاحتراف في بداية الثمانينات, أصبحت العديد من الأندية الرياضية شركات هدفها الزيادة المستمرة للموارد الفعلية من حقوق الإرسال التلفزي و جلب المحتضنين و مداخيل التذاكر و مداخيل انتقال-بيع- اللاعبين إلى أندية أخرى... وليس رفع قميص النادي عاليا بروح رياضية1. فكلما حقق نادي رياضي معين نتائج حسنة في مبارياته أو عروضه كلما زادت تلك الموارد حتى أصبحت هذه الشركات في التسعينات قادرة على الدخول إلى البورصة2 لتفتح هذه الخطوة فعل المضاربة بأبهى التقاليد و القيم الإنسانية كالرياضة في "سوق المال" الذي لا وجود للقيم و الدفء الآدميين فيه و تضمن لمالكي الشركة" أرباحا" خيالية تجعلهم يتنافسون على البذخ فيصرفون تلك المبالغ الطائل في أتفه الأمور كما فعل مالك نادي تشيلسي لكرة القدم الملياردير الروسي رومان ابراموفيتش الذي يملك يختا سماه "كسوف الشمس" بكلفه خمسون مليون دولار في الحول .

إن طبيعة المنتوج الذي تقدمه هذه الشركات هو من الخدمات و لا يمكن بأي حال من الأحوال عرضه كسلعة و إن ادعى بعض منظري ما يسمى بالاقتصاد الرياضي كفلاديمير اندريف أن من يتعاقدون مع النادي الشركة إي اللاعبين هم عمال فنيون بموجب عقود يتقاضون من خلالها "أجورا" و إن كانت خيالية, فقد وصلت مداخيل هذا المنتوج في فرنسا مثلا إلى ما يفوق ثلاثة ملايير دولار خلال الرياضي 2010/2011.

للسلعة كشيء عيني نتحسس وجوده الخارجي خصائص تشبع حاجياتنا الإنسانية المختلفة أما الخدمات فهي هلامية و إن أشبعت حاجية من حاجياتنا فلا يمكنها أن تفعل ذلك إلا و السلعة سندها.

لبعض الخدمات قوة " سحرية" تستمدها من هلاميتها تجعلها تباع على الأقل مرتين, فالعروض أو التظاهرات الرياضية ذات الدرجة الاحترافية التي تنظمها الشركات الرياضية"المجهولة الاسم" تستطيع أن تبيع المنتوج كمباراة كرة المضرب التي تجمع "فيدرر" و" نادال" للمتفرجين مباشرة عبر التذاكر كمرة أولى و أن تبيع حقوق النقل التلفزي لإحدى القنوات التلفزية كمرة ثانية , عكس السلعة التي لا يمكن بيعها إلا مرة واحدة أي لزبون واحد.

الرياضي المحترف 3, و معه الطاقم الذي يرافقه خلال التمارين, لا ينتج ثروة و لا قيما جديدة و إن كان يربطه بناديه عقدا يتقاضى بموجبه مالا وفيرا, فهو كالبهلواني يتفنن في تقديم حركات جسدية معقدة أو يتقنها بأدوات معينة أو يحاول الانسجام مع فريقه بفنيات تستعصي على عموم المشاهدين القيام بها فيسعى إلى الترويح على همومهم, ولأنه كذلك, لا ينتج قيما زائدة فهو يرضع من ثدي فائض القيمة الذي يرضع منه كل أبناء المجتمع . فلاعب كرة القدم المحترف كدافيد بيكام الذي وصل خام أجره الشهري خلال موسم 2009/2010 إلى تسعة وعشرين مليون دولار, أو غيرهم من –النجوم- ,لا يركض بالكرة في الملعب خلال الشوط الأول ليتقاضى قيمة وسائل عيشه , ويستمر راكضا في الشوط الثاني ليحقق لناديه أرباحا, إن دخله كما دخل ناديه إنما يأتي من جيوب المشاهدين من المدرجات أو خارجها أو دعم المحتضنين ك-نايك أو اديدياس أو بيبسي ... المتدفق أيضا من ثدي فائض القيمة.

لقد نجح الوسطاء و الأندية الماكرون وهم من البرجوازية الوضيعة في جعل الرياضة مجالا للصفقات 4 تمتص فائض القيمة بمبالغ ضخمة و جعل المشاهدين يحتشدون بهستيريا حول العروض الرياضية, فيرمون بما يملكون من اجل مشاهدة مقابلة كرة القدم أو تتبع سباق "الفورمولا وان" أو عرض من عروض المصارعة "الكاتش" دون أن يتمكنوا من استخدام عقولهم و رصد أبعاد هذا الفعل المخادع المقنع بمساحيق الجمالية الرياضية و المتعة, كما كان البدائيون يفعلون في إحياء طقوس تقديم القرابين إلى الآلهة حيث شلت قدرة التفكير العقلاني في أدمغتهم .





------------------------------------------------------------------------------------------------------
1-هناك بعض الأندية التي تخشى أن تتقدم المنافسات , لان الفوز بالبطولة يعني تامين أكثر و ضرائب أكثر.
2- في أوروبا استطاعت الأندية التي تحولت إلى شركات مجهولة الاسم خلال تسعينيات القرن الماضي أن تدخل البورصة
كاجاكس أمستردام من هولندا و ارسونال هولدينغ من انجلترا و اولمبيك ليون من فرنسا الخ...
3-لا استثني بدلك الرياضيين الهواة أو المتطوعين, لكني أردت إن الفت نظر القراء إلى هده الشريحة التي تلتهم الثروة بشراهة غير مسبوقة دون أن تنتج فلسا.
-sport business-4