رحيل بنزكري ...عطاء وأخطاء ...


محمد بودواهي
2012 / 5 / 22 - 20:41     

رحل ادريس بنزكري إلى مثواه الأخير في مثل هدا اليوم 21 ماي من سنة 2007 .... رحل رئيس "هيئة الانصاف والمصالحة" دون أن يذكر ذكراه أي أحد ، حتى أقرب رفاقه ممن ما زالوا يستفيدون من "الريع" السياسي الذي فتح بابه الواسع أمامهم ....

رحل ادريس بنزكري ولازال من بين رفاقه من يستغلون مأساته للمتاجرة بها وتصريفها إلى مواقع داخل احزاب السلطة ومناصب في أجهزة الدولة ومؤسساتها ، أو فقط إلى بنود للتنقل وتذاكر للسفر وإقامات في فنادق فخمة...

رحل ادريس بنزكري وخلف ورائه مآسي ابشع من تلك التي عايشها هو ورفاقه طيلة سنوات الرصاص .... رحل ومازال الجلادون في اماكنهم ، يصدرون أوامرهم بالنسبة لمن مازالوا في نفس مراكز سلطتهم ، أو يتلذذون بتقاعدهم المريح بعدما راكموه من ثروة من عرق ودماء نزيف الشعب الذي لم يتوقف...

رحل ادريس بنزكري والتعذيب مازال مستمرا داخل الزنازن القانونية ، والأقبية السرية ، والاختطاف والاعتقال التعسفي أصبح عملة رائجة يتم تصريفها بلي عنق الكلمات ، وتأويل النصوص ، والتحايل على القوانين ، وصرف الأنظار عنها بإصدار البيانات والبيانات المضادة .....

رحل ادريس بنزكري واتضح أن السلطة المخزنية كانت فقط تبحث عن أحد رموز اليسار السابق لتحوله إلى مسيح يكفر عنها أخطائها لتلميع صورتها أمام مرآتها
النرجسية. وقد نجحت من خلال آلتها الإعلامية إيهام الناس بأنه مع صلب المسيح ستنتهي رحلة الألآم والأحزان ....

رحل ادريس بنزكري وتمر السنة تلو السنة والتوصيات قابعة في ثلاجة الدولة تنتظر من يزرع فيها روح التطبيق حتى تصير عنوانا للمرحلة الانتقالية التي لا مفر منها إن كانت هناك إرادة فعلية في التغيير....

رحل ادريس بنزكري وهو الرجل المبدئي المناضل الصلب ، دو الهمة العالية ، الدي قضى أكثر من 17 سنة من عمره القصير في سجون النظام الديكتاتوري المتعفن ، ذاق خلالها كل صنوف المرارة و الغبن والتحقير والتعذيب والإهانة الحاطة من الكرامة الإنسانية ، حيث كان الجلاد لا يتورع في استعمال كل أدوات البطش في حقه إرادة منه في تدمير الإنسان داخله وشل حركة عقله وقلبه اللدان كانا شغوفان بحب الوطن والشعب ....

رحل ادريس بنزكري وقد تخلصت الدولة الاستبدادية من الانتهاكات السابقة دون أداء أي ثمن ، و لتفتح حسابا جديدا في بنك الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان .... لترجع بقوة إلى أساليبها المعهودة في التعذيب والاختطاف والتعلاق والقرعة والمحاكمات الصورية وإقفال الجرائد ومصادرتها ومطاردة الصحافيين ومتابعتهم واقتلاع أظافر السلفيين اليسار وعموم السياسيين المعارضين ، والتنكيل بالمعطلين والطلبة وأعضاء حركة 20 فبراير وسائر الجماهير الشعبية التي لا تتوانى في الخروج إلى الشارع للمطالبة بحقوقها المشروعة في الحرية والكرامة وتحقيق العدالة الاجتماعية والعيش الكريم ......

رحل ادريس بنزكري وزادت دولة الفساد والاستبداد في استخفافها بالمرجعية الحقوقية حيث وصلت إلى درجة استدعاء تلميذ إدريس البصري السيئ الدكر ، المدعو حفيظ بنهاشم ، للإشراف على السجون بعد انتزاعها من وزارة العدل وإعطائها حكما ذاتيا موسعا ليتصرف بنهاشم بعقلية المخزن ، بكل حرية ، مع خصوم الدولة الجدد ....

رحل ادريس بنزكري ولا زال المنتدى المغربي للحقيقة والانصاف يطالب بالكشف عن الحقيقة الكاملة إد أن مصير العشرات من المختطفين لا يزال مجهولا ، ولم يتم استجلاء الحقيقة في اغلب ملفات الضحايا المصنفين ضمن المتوفين ، و لم يكشف النقاب عن مدافن العديد منهم ، وبمنح تعويض منصف لكل الضحايا و جبر لمختلف الأضرار الفردية و الجماعية ، والحفاظ الايجابي على الذاكرة ، والقيام بالإصلاحات السياسية و المؤسساتية و التشريعية و الدستورية الكفيلة بقيام دولة الحق و القانون ، وتفعيل مبدأ المساءلة و عدم الإفلات من العقاب كضمانة لعدم التكرار ....

رحل ادريس بنزكري ولازال المنتدى يطالب باسترجاع الممتلكات ويعتبرها من ابرز أركان العدالة الانتقالية و احد الحقوق الأساسية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان الذين فقدوا ممتلكاتهم لذلك يلح على الجهات المعنية بالاستماع إلى مطالبهم و اتخاذ الإجراءات اللازمة للاستجابة لها و تمكينهم من استرداد ممتلكاتهم ....

رحل ادريس بنزكري ولازال المجلس الوطني للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف يؤكد على أن حقيقة الانتهاكات الجسيمة بالمغرب تتطلب وبالضرورة ، أن تتناول الأبحاث والتحقيقات كل من قضايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء والمحاكمات السياسية الجائرة والنفي لأسباب سياسية ومصادرة الممتلكات وأن الاستجابة للمطالب المشروعة لحركة الضحايا وفي مقدمتها الكشف عن مآل مجهولي المصير وإطلاق سراح الأحياء منهم وتسليم رفات من توفي إلى ذويه ، هي أساس أي مشروع يهدف إلى إجلاء الحقيقة معتبرا أن الخطوة الأولى في هذا الطريق هي الاعتراف الصريح للدولة واعتذارها الرسمي والعلني ومن ثم مساءلة المسؤولين عن الانتهاكات والقيام بإصلاحات دستورية وسياسية وإدارية ومؤسساتية من أجل عدم تكرار ما جرى ...

رحل ادريس بنزكري وسودوية الانتهاكات تزداد قتامة وهو ما دفع مصطفى المانوزي رئيس المنتدى إلى مراسلة المجلس الوطني وإخباره بتقديم الاستقالة حيث قال : " بدل أن تستجيب الدولة للمطالب أو على الأقل فتح حوار حول امكانيات التنفيذ وفق مقاربة تشاركية شفافة ، نفاجئ بردود عبر رسائل " قاتلة " لكل أمل في طي صفحة ماضي المآسي والجراح ،وبدل أن نتوصل بمؤشرات الثقة في المستقبل تأتينا أنباء إعتداءات على الناشطين في مجال حقوق الإنسان" ..... وأضاف : يؤسفني كثيرا أن أعلن عن إستقالتي من المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف احتجاجا على كل هذا العنف الذي تمارسه جهات غير معلومة تجاه المواطنين عامة وعلى الناشطين الإجتماعيين والحقوقيين خاصة ، لأني لا أملك إلا صمودي السياسي ونفسي الحقوقي السلمي ، عاجزا عن استيعاب قواعد لعبة مغشوشة مؤسسة على الإنتقام والضغينة والمؤامرة ، ولا يمكن لي إلا ممارسة حقي في الحياة مصانا بالمسافة الإضطرارية مع الشأن العام الحقوقي مخافة تسديد الثمن مكررا ، وفي انتظار ان تتوفر الحماية والأمن لنا جميعا ،أدعوكم إلى قبول إعتذاري وتفهم حسن طويتي ,وتقبل صادق وفائي ....، مخلصكم مصطفى المنوزي .

رحل ادريس بنزكري بعد أن أخطأ الطريق عندما وثق في نوايا السلطة المخزنية وصدق توبتها المزعومة ، وأصدر لها صكوك غفرانها من دون أن تعتذر لضحاياها. وعكس غاندي الذي كان يقول بان "السعي للحق لن يحاكم في كهف ، فالصمت لا معنى له حيث يجب الكلام" ، صمت بنزكري عندما كان يجب أن يصدح عاليا بالحق ، وتركهم يهربون الحقيقة داخل دهاليز كهف السلطة الغارق في الظلام...

رحل ادريس بنزكري بعد أن عرف بقوة شكيمته وصلابة عوده سنوات سجنه الطويلة ... و تنازل للسلطة الاستبدادية عن كلمة "حقيقة" التي حملها المنتدى الذي أسسه
هو ورفاقه من آلامهم وظلمهم تحت اسم "منتدى الحقيقة والانصاف"، ومثل وافد جديد على عالم "مستنقع السياسة" قبل مقايضة كلمة "حقيقة"، بكلمة "المصالحة"، وضحى ب "الانصاف" عندما قبل السماح بالإفلات من العقاب للجلادين وحماتهم .....

رحل ادريس بنزكري والمغرب يمر بمرحلة مفصلية في تاريخه ، مرحلة اختلط فيها الصالح بالطالح ، واختلطت فيها الانتهازية بالثورة ، وكثر فيها تغيير الولاءات ، وصار نوعاً من التقليد أن نرى ( مناضلين ) يصيرون بوليسا وجلادين وعملاء ، و( ثواراً ) يغتسلون من كل أدران الماضي الكفاحي المجديد الذي شاركوا في تشكيله وبنائه بكل محاسنه ومساوئه فغيروا الولاء بين ليلة وضحاها ....

رحل ادريس بنزكري وجاء الربيع العربي ولا زال حماة المخزن يتداولون على الحكم تارة باسم الإسلام وتارة باسم الليبرالية والعلمانية المزيفة ... ليبقى الشعب المغربي في دوامة لا نهاية لها ... إنها الخصوصية المغربية بلا شك في هدا الزمن الرديئ .......