أعداء ماركس.. على هذه الشاكلة!


جواد البشيتي
2012 / 5 / 12 - 00:20     


حاتم حسن، ومع احترامي لشخصه، هو من هذا النَّمط من المثقَّفين الليبراليين الذين يلعبون لعبة الإشادة بـ "المُفكِّر العظيم ماركس" ليَحُطَّ من شأنْ الماركسية وقدرها؛ فلو وُجِدَ ماركس في زمن حاتم حسن لأثْبَتَ عظمته الفكرية (وعبقريته) من خلال تخلِّيه عن "أساس فكره"، الذي لَفَظَه "الواقع"!

حاتم ما أُوتي من عِلْم الماركسية إلاَّ قليلاً؛ لكن هذا "القليل" كان أوسع من أنْ يتَّسِع له عقله؛ فشرع يتَّخِذ من ظواهر (اقتصادية رأسمالية) عَجِز هو عن فهمها وتفسيرها "دليلاً" على "عجز" الماركسية (وقانون "فائض القيمة").

ومِنْ عجزه هذا وُلِدَ إيمانه بالمعجِزات؛ فثمَّة ظواهر في الاقتصاد الرأسمالي، يكفي أنْ يتفكَّر فيها الإنسان حتى يُؤمِن بـ "مُعْجِزات" أتت بها الرأسمالية؛ وهي "مُعْجِزات"؛ لاستغلاقها على حاتم، ولكونها "أعجزت" الماركسية نفسها عن تفسيرها، على ما زَعَم!

حاتم "اكتشف" أنَّ ثمَّة "سِلَعاً" تُنْتَج في النظام الرأسمالي يَقِف قانون "فائض القيمة" عاجزاً عن "الاستغلال الرأسمالي" الكامن في إنتاجها؛ وهذه "السَّلِع (المحيِّرة للألباب)" إنَّما هي ثمرة "الثورة العلمية والتكنولوجية"؛ وماركس مات قبل ولادة هذه "المعجزة السلعية" بزمن طويل!

حاتم يُمْعِن النَّظر في بعض الصناعات، التي أنجبتها هذه الثورة، فيَجِد فيها ما يكفي من الأدلة العملية الملموسة على موت قانونيِّ "القيمة" و"فائض القيمة"؛ فـ "السِّلع" تُنْتَج مع أنَّ المصنع المُنْتِج لها يخلو، أو يكاد يخلو، من "البروليتاريا"، أو "العمَّال"؛ فكيف (يتساءل في دهشة واستغراب) لقانون "فائض القيمة" أنْ يعمل حيث لا وجود للعمَّال؟!

"السِّلَع الإعجازية" تلك إنَّما هي "سِلَع معرفية"؛ فهي (وفي المقام الأوَّل على الأقل) ثمرة المعرفة والعِلَم، والجهود الذهنية، والأبحاث العلمية؛ وإنَّ لكم في صناعة الدواء لدليلٌ مُفْحِم!

حاتم أذهلته وأدهشته صناعة الدواء (وأشباهها) فتحدَّى كل مُهْتَمٍّ بأمور وقضايا "لا تُقدِّم ولا تُؤخِّر"، وتُعْنى بها "السلفية الماركسية"، أنْ يجيب عن سؤال "السِّلع الإعجازية"، أيْ التي أعجزت عقل حاتم، فقال، من ثمَّ، بحتمية أنْ تُعْجِز أيضاً الماركسية!

أستاذ حاتم، أنتَ في ما قُلْت إنَّما تأتينا بدليل جديد على أنَّ جُلَّ أعداء الماركسية هُم من الجهلة بها، أيْ مِمَّن قرأوا ما تيسَّر لهم قراءته من فكرها؛ لكن من غير أنْ يُوفَّقوا في فهمه، وتَمثُّل معانيه.

"العمل"، و"العمل وحده"، هو المُنْتِج لـ "السلعة"، أي لـ "شيءٍ (نافعٍ) له قيمة (تبادلية)".

وهذا "العمل" إمَّا أنْ يكون "بسيطاً" وإمَّا أنْ يكون "معقَّداً"؛ على أنْ تَفْهَم "البسيط" و"المُعقَّد" من "العمل" فَهْماً "نسبياً، تاريخياً"؛ فـ "العمل المُعقَّد"، في المصنع الرأسمالي الغربي، قبل قرنين من الزمان، هو الآن "عمل بسيط".

و"العمل"، أكان "بسيطاً" أم "مُعقَّدا"، إنَّما يُقاس بـ "الزمن (بالساعات)"؛ فلو كان حاتم، بما يملك من عِلْمٍ ومعرفة، مُنْتِجاً لسلعة من تلك "السِّلَع الإعجازية"، لَقُلنا إنَّ كل ساعة من ساعات عمل حاتم تَعْدِل 10 ساعات من عمل زميله العامِل جواد.

إنَّ حاتم يُكْسِب "موضوع العمل" في الساعة الواحدة "قيمة (تبادلية)" تفوق عشر مرَّات القيمة التي يُكْسِبها جواد لـ "موضوع عمله" في الساعة الواحدة.

"الحاسبة الإلكترونية" هي "سلعة"؛ هي مُنْتَج له "قيمة استعمالية"، ويمكن مبادلته بسلعة (مختلفة نوعاً) لها القيمة نفسها (تقريباً). يمكن مبادلتها بـ "قَلَم حِبْر" مثلاً.

هذا التبادُل إنَّما يعني أنَّ كلتيهما تساوي الأخرى في "كمية العمل (الضروري)" المُضَمَّنَة فيها؛ وهذا التساوي إنَّما يعني أنَّ كلتيهما تساوي الأخرى في "زمن العمل (الضروري)" الذي بُذِل في إنتاجها.

"الحاسبة الإلكترونية" أنتجها حاتم في ساعة عمل واحدة لا غير؛ و"قَلَم الحِبْر" أنتجه جواد في 10 ساعات عمل. والتساوي في زمن العمل (الضروري) إنَّما يعني، في هذا المثال، أنَّ الساعة الواحدة من عمل حاتم (المُعقَّد) تَعْدِل 10 ساعات من عمل جواد (البسيط).

" الإنسان الآلي (الرُّوبوت)" هو، أيضاً، سلعة؛ لكن كل ساعة عمل بُذِلَت في إنتاجها تَعْدِل 10 ساعات أو 20 ساعة من العمل البسيط.

والانتقال من "العمل البسيط" إلى "العمل المُعَقَّد (فالأكثر تعقيداً)" إنَّما هو معنى من معاني "ارتفاع التركيب العضوي للرأسمال"، والذي عاقبته الحتمية هي اشتداد وتعاظم مَيْل معدَّل الربح للهبوط؛ لأنَّ "الرأسمال المتغيِّر (المتضائل نسبياً)" هو وحده مَصْدَر "فائض القيمة".

أستاذ حاتم، تخيَّل مصنعاً رأسمالياً، يخلو تماماً من العمَّال، ويُنْتِجُ سلعة ما.

إنَّ هذا المصنع الذي يخلو تماماً من "العمل الحي" لن يُضيف "قيمة" إلى منتجاته؛ فهو يَنْقُل، فحسب، القيمة من الآلات والمواد.. إلى مُنْتَجِه الجديد.

في هذا المصنع لا وجود أبداً لـ "فائض القيمة"؛ لأنْ لا وجود أبداً لـ "القيمة الجديدة".

في هذا المصنع لا وجود أبداً لـ "الربح"؛ لأنْ لا وجود أبداً لـ "البروليتاريا".

هذا المصنع لن يظل رأسمالياً؛ لأنْ لا وجود لـ "البروليتاريا".

لكنَّ عدم وجود "القيمة الجديدة" و"فائض القيمة" لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، عدم وجود، أو عدم نماء، "الثروة المادية".

في الرأسمالية، نَجِد مصنعاً نسبةً "الرأسمال المتغيِّر" إلى الرأسمال الثابت" هي من الضآلة بمكان؛ وفي هذا المصنع ينبغي (نظرياً) لمعدَّل الربح أنْ يقلَّ كثيراً عن معدَّل الربح العام؛ لكنَّ هذا لا يَحْدُث؛ لأنَّ صاحب هذا المصنع يستولي (من طريق عمل القوانين الاقتصادية الموضوعية للنظام الرأسمالي) على جزء من "فائض القيمة" الذي يُنْتِجه عمَّال مصانع نسبة "الرأسمال المتغيِّر" إلى "الرأسمال الثابت" فيها أعظم؛ وهذا ما يجعل رؤوس الأموال المتساوية تعطي أرباحاً متساوية بصرف النَّظر عن "التركيب العضوي للرأسمال".

الآن، ليتخيَّل الأستاذ حاتم نفسه رأسمالياً، مساهماً بمبلغ مليون دولار في رأسمال مصنع يُنْتِج سلعة عظيمة من حيث مكوِّنها المعرفي والعلمي.

في هذا المصنع (الذي يرتفع فيه كثيراً "التركيب العضوي لرأسماله") لا يعمل إلاَّ عدد ضئيل جداً من العمَّال الذين يضيفون إلى "موضوع العمل" قيمة جديدة، متأتية من بَذْلِهم جهوداً ذهنية ومعرفية وعلمية (إنَّهم عمال أو بروليتاريا الثورة العلمية والتكنولوجية).

لِنَفْتَرِضْ أنَّ المعدَّل العام للربح هو 20 في المئة؛ إنَّ الرأسمالي حاتم ينبغي له، نظرياً، أنْ يحصل على ربح مقداره، مثلاً، 100 ألف دولار؛ لكنه يحصل على ربح مساوٍ للمعدَّل العام للربح، أيْ يحصل على ربح مقداره 200 ألف دولار.

إنَّ نصف هذا الربح يمثِّل "فائض القيمة" في مصنعه؛ وقد حصل عليه من عمَّاله؛ أمَّا نصفه الآخر فحصل عليه من "فائض القيمة" الذي أنتجه عمَّال مصانع لم تَبْلُغ بَعْد، في ارتفاع "التركيب العضوي للرأسمال" فيها، الدرجة نفسها.

إنَّ "القيمة الجديدة"، في المجتمع، لا تُنْتَج إلاَّ حيث تُنْتَج السِّلع (القِيَم المادية في الرأسمالية). وإنَّ المُنْتِجين (الأقحاح) لها وهُم العمَّال (الذين يتضاءل "وزنهم الديمغرافي") لا يحصلون (مع أرباب عملهم) إلاَّ على جزءٍ متضائل منها (أيْ من هذه "القيمة الجديدة"). وهذا إنَّما يعني أنَّ جزءاً متعاظماً من "القيمة الجديدة" يذهب إلى سائر أبناء المجتمع في طرائق وأساليب مختلفة.

كل أرباح التُّجار وأصحاب المصارف (مثلاً) إنَّما هي جزء من تلك "القيمة الجديدة".

أستاذ حاتم (وأنا أخاطبه بصفة كونه ممثِّلاً من ممثِّلين كُثْر، متفاوتي الأهمية، لاتِّجاه يعادي الماركسية عداء الجهل للعِلْم) أحسبُ أنَّ عجبكَ قد بَطُل بعدما عُرِف السبب؛ فالماركسية أعظم من أنْ تتحدَّاها بأسئلتكَ وتساؤلاتكَ تلك؛ وإنَّي لأفْهَم انهيار الاتحاد السوفياتي على أنَّه دليلٌ إضافي على عَظَمَة أفكار ماركس!