الحكومة الملتحية في خدمة الدوائر المخزنية والأسياد الإمبرياليين ...


محمد بودواهي
2012 / 5 / 5 - 19:52     

سقطت كافة أقنعة الحكومة الملتحية في المغرب ، وانكشفت مآرب حزبها الإسلاموي المتخلف العدالة والتنمية ، وتشوهت سمعتها من خلال التقنع بقناع الديمقراطية والإسلام تحسبا للبقاء في السلطة . فهي لا ترغب في التصديق بأن كافة شفراتها قد انحلت وتفككت وباتت ظاهرة للعيان . وبالأخص فإن عدم حلها لأية قضية جدية في البلاد على الرغم من دخول سلطتها الشهر الرابع جعلها تدخل مرحلة العد التنازلي بالرغم من كون سحرتها مازالوا يروجون في أبواق الدعاية أنها ما تزال تحافظ على
قوتها ، وهو ما يعطي حزب العدالة والتنمية الأمل في أنه سيتمكن من البقاء في السلطة ولو إلى حين ...


إن الشعب الذي ذاق في أربعة شهور الكثير من المرارة ، بعدما أخلفت الحكومة الملتحية وعميدها بنكيران وعودهم ، وحتى عن الاتفاقات السابقة مع حكومة عباس الفاسي ، وحولوا أحلام كثيرا من المغاربة إلى كوابيس ، وبالتالي على بنكيران الخروج إلى الشارع لمعرفة رأي المغاربة ، وكيف أن وزير الدولة عبد الله باها استنجد بسيارة الأمن للإفلات من قبضة مغاربة اتهموا حزب العدالة والتنمية بالنفاق وخيانة وعود الشعب ، وعليه أن يعاين مسيرات المعطلين الذين قتل بنكيران ما تبقى من أحلامهم التي بنوها، وفي نهاية المطاف أغلق عليهم رئيس الحكومة كل المنافذ ، هذا هو الشعب الذي قال بنكيران في خطاباته المتهافتة في فاتح ماي إنه يحبه وهذا هو المواطن المغربي الذي يريد رئيس الحكومة أن يلعب اليوم ورقته ، مع أنها احترقت أو كادت بسبب كثير من الكلام المعسول الذي أطلقه حزب العدالة والتنمية وتأكد في نهاية المطاف أنه مجرد سراب....


تتوجه حكومة الإسلام السياسي لممارسة سياسة الاستبداد والضغط بشكل أكثر كلما استمرت ودامت مقاومة الشارع والحركات الاحتجاجية لحركة 20 فبراير ....، وهو ما يؤدي إلى إسقاط قناعها الفاشي ..... ولعل المجازرالتي ما فتئت ترتكبها ضد المعطلين ، و التي قامت بها بهدف محاصرة نضالاتهم المستمرة والمتنامية وكسر
إرادتهم القوية في انتزاع حقوقهم المشروعة في الشغل ، هو ما أظهر للعيان وبكل وضوح الشخصية الفاشية التعسفية والوجه الفبيح للحكومة الملتحية ... والتي ستأخذ بسبب سياساتها الاضطهادية هذه مكانها في التاريخ كحكومة استبدادية مجرمة زادت من معاناة وآلام الشعب أضعافاً مضاعفة ....


إن الواقع الاجتماعي المر لأغلبية المغاربة والمتسم بالأزمة والفقر وضعف الخدمات الاجتماعية وهشاشة البنية التحتية والبطالة وهزالة الأجور وواقع الطبقة العاملة المغربية وواقع حرية الرأي والتعبير، والواقع الثقافي والرياضي، دون نسيان إصلاح الأراضي الفلاحية، والصناعة والأبناك وواقع البادية المغربية .... هي المشاكل الحقيقية التي تعاني منها فئات واسعة من الشعب ، والتي لا تستطيع الحكومة الملتحية الاقتراب منها نظرا لصلاحياتها المحدودة جدا ، ونظرا لانحصار مجال اشتغالها في حدود مسائل التدبير اليومي وفي مشاكل تسيير الإدارات العمومية ومواجهة احتجاجات المواطنين ، وتقليص النفقات وحسن تدبيرها ، والتأكيد على تحصين المكتسبات السابقة...ناهيك عن طموحها الكبير - والصعب المنال - في محاربة وتيرة القيم الاستهلاكية ذات المضامين المسماة بالغربية واتساع دائرتها ، والتي تعتبرها عن جهل غريبة عن القيم والثقافة المحليتين : كالسفور، والاختلاط ، والقوانين الوضعية ، وإنتاج واستهلاك الخمور، والبرامج التعليمية ذات التوجهات العلمانية، وأزياء المرأة والمهرجانات الفنية والثقافية....وغير ذلك من المطالب القيمية .... مما يجعل أسئلة جوهرية تثار من قبيل: هل التركيز على البساطة والشعبوية يأتي كخيار تواصلي من لدن الإسلاميين بعد استشعار محدودية الأفق في القضايا الكبرى للبلاد ؟؟؟؟


وما دام برنامج الحكومة الملتحية وحلفائها يتفق والبنية الاجتماعية والاقتصادية الليبرالية فلا خوف إذن على المصالح البورجوازية والأجنبية الإمبريالية في المغرب. يعني أن استمرار علاقات الإنتاج السائدة في النظام المغربي هو استمرار سياسة الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال الشكلي ، وبالتالي استمرار تأمين المصالح الاقتصادية والسياسية للبورجوازية الطفيلية في إطار تبعيتها البنيوية للإمبريالية العالمية . ولهذا على الحكومة المتأسلمة وكل الفاعلين السياسيين والاقتصاديين بالدولة المخزنية ، ومن أجل الاستقرار الاجتماعي ، التحلي بالثقافة الديمقراطية وفتح حوار وطني مع القوى الديمقراطية التي اختارت الشارع للاحتجاج على الأوضاع السائدة لإيجاد حلول متوافق عليها ديمقراطيا وذلك من أجل تلبية المطالب الشعبية الملحة والضرورية وتجنيب المغرب اللاستقرار ومواجهة الاحتجاجات الشعبية بالعقلية الأمنية بدل عقلية الحوار وخدمة المصالح الأساسية للشعب المغربي التواق للحرية والحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية....


غير أن حزب العدالة والتنمية الإسلاموي سرعان ما اندمج في منظومة الحكم المخزني وأبان عن قدرة فائقة وكبيرة في الانصياع لإملاءاته بلإضافة إلى طمأنته لأكثر من جهة داخلية وخارجية، للإبقاء على القواعد والأسس الاقتصادية والسياسية التي يرتكز عليها النظام العام بالمغرب ، كتحالفه مع حزب الباطرونا (حزب قوات المواطنة)، وهو تحالف مبني على مصالح مشتركة بين الحزبين تجد جذرها في العامل الاقتصادي والمالي والتجاري لدى البرجوازية المغربية التي تمثلها حزب قوات المواطنة، وكذا طمأنته الدول الأجنبية المتحكمة في القرار الاقتصادي والسياسي بالمغرب كفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والاتصال بالمؤسسات الدوليةكالبنك العالمي وصندوق النقد الدولي ، للحفاظ على مصالح تلك الدول الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية، بحيث عهد حزب العدالة في هذا المضمار التحرك الخارجي لبسط أفكاره وبرامجه ومشاريع إصلاحاته السياسية حيث زار بفرنسا بعض مراكز قرارها كرؤساء الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، والحزب الاشتراكي الفرنسي، والرئيس الشرفي لهيأة المقاولات الفرنسية، وزار وفد للحزب دعوة من المعهد الديمقراطي الأمريكي، الولايات المتحدة الأمريكية، واستقبال الأمين العام للحزب رئيس جمعية الصدقة الاسبانية ....


إن المتتبعين للحياة السياسية في المغرب، يدركون أن المجال السياسي المغربي مجال مغلق، ولا يسمح بالتراكم الضروري للتجارب التي تؤدي إلى التطور النوعي في صيرورات وقطائع تتيح إمكانية التطور الطبيعي والعادي ، لأن أحكام الدستور المغربي أحكام دائرية ومغلقة حول المؤسسة الملكية، وأن السلطة في المغرب سلطة غير قابلة للتداول ، وأن الانتخابات تجرى بدون رهانات ، تصبح معها الحكومة جهازا يدبر برامج على قاعدة الاختيارات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية لنظام الحكم . لهذا فوصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم سوف لن يضيف اية إضافة جديدة للحياة السياسية المغربية ، خاصة وأن برنامجه الانتخابي السابق ، وأطروحاته السياسية الحالية لا تخرج عن الإطار العام لبقية الأحزاب الإصلاحية الممخزنة ، إن لم نقل أقل منها بكثير، فسقفه البرنامجي لا يتجاوز "إصلاح دستوري مشروط بجو من التراضي لا في جو من المنازعة ...


وهدا مع الأسف ما لا يريد أن يدركه تجار السياسة من أحزاب السلطة التي تدعي النضال باسم فقراء الشعب وطبقاته المستضعفة مثل الحزب الإسلاموي الحاكم الآن أو الحزب الاشتراكي الإصلاحي الدي حكم فترة ما يسمى بالتناوب ، والدي أوضح أحد قيادييه أسباب عدم الدخول في الحكومة الملتحية بتصريحه الديماغوجي المستفز "لانريد الحكم مع العدالة والتنمية ، لأننا نريد أن ندافع عن مشروع آخر غير مشروعهم ، مشروع مجتمعي يؤمن بفصل السياسة عن الدين ، ويؤمن بالمساواة بين النساء والرجال ، ويؤمن بحرية التفكير والتعبير، ويؤمن بالتعددية الثقافية واللغوية لبلادنا ، ويؤمن بقيم الحداثة والتقدم . إنه مشروع لانريد أن يختفي من أفقنا من أجل كمشة من المقاعد".

إنه الضحك على الدقون ليس إلا ....