أفكار إشتراكية في ألمسألة ألقومية


جاسم ألصفار
2012 / 4 / 6 - 21:42     

أفكار إشتراكية في ألمسألة ألقومية
د. جاسم ألصفار
مدير مركز دراسات وأبحاث- روسيا ألاتحادية

تتشكل ألمسألة ألقومية، كما هو معروف، من مجمل ألعلاقات ألسياسية وألاقتصادية وألفكرية وألثقافية وألقانونية وألمناطقية ألتي تجمع بين قوميات أو شعوب أو تجمعات سكانية في مختلف ألتشكيلات ألاجتماعية ألاقتصادية. وقد تصل هذه ألعلاقات إلى وضع مأزوم يتعين فيه تقرير مصير ألقوميات وألشعوب ألتي تتقاسم ألعيش في إطار دولة تاريخية موحدة، بين ألتغيير ألنوعي لهذه ألعلاقات أو ألانفصال وتشكيل دولة قومية مستقلة. وسأركز في هذه ألمقالة على موضوع ألانفصال مع ملاحظة أن ألأفكار ألتي تتضمنها ألمقالة هي أفكار منهجية بألدرجة ألأولى وليست مُقاسة قطعآ على حالة بعينها.

إن مبدأ حق ألشعوب في تقرير مصيرها، هو مبدأ قديم سبق ولادة ألفكر ألاشتراكي ألعلمي، وقد كان واحدآ من أركان ألفكر ألسياسي ألبرجوازي ألناهض بوجه مبادئ وأسس ألدولة ألاقطاعية. لذا فان أغلب حركات ألتمرد على ألتاج ألملكي في ألحقبة ألاقطاعية في أوربا كانت حركات تحرر قومي أو حركات تسعى للانفصال وتشكيل ألدولة ألمستقلة. وقد تضمن إعلان إستقلال ألولايات ألمتحدة ألأمريكية عام 1776 وإعلان حقوق ألانسان وألمواطن فيها عام 1789 بندآ واضحآ يقر بحق تقرير ألمصير.
إلآ أن بداية تجليات هذا ألمبدأ في رؤية نظرية " للدولة ألقومية" لم تتشكل إلا بعيد ذلك في كتاب فيختة " أحاديث إلى ألأمة ألألمانية " عام 1808، أي قبل ولادة كارل ماركس بعشرة أعوام! ثم وفي ألنصف ألأول من ألقرن ألتاسع عشر ظهرت في ألكتابات ألاشتراكية نقاشات لموضوعة ألدولة ألقومية. كان أهمها دراسات مفكري ألاشتراكية ألطوباوية. ومع تنوع، وأحيانآ إختلاف، أفكار مؤسسي ألاشتراكية ألطوباوية، سان سيمون وفورييه وأوين، وأنصارهم في تصورهم للدولة وألنظام ألسياسي إلآ أنهم كانوا يلتقون عند موقف أساسي واحد، وهو أن ألدولة بمفهومها ألسياسي آيلة حتمآ إلى ألاضمحلال وألتلاشي. لذا فمن غير ألمجدي وضع تصور مستقبلي للدولة.

ومع أن مؤسسي ألاشتراكية ألعلمية، كارل ماركس وفريدريك إنجلز أسسوا لفكر جديد يستوعب حركة ألتاريخ في مفاصله ألاقتصادية وألاجتماعية وألسياسية، إلا أنهم إستعاروا فكرة إضمحلال ألدولة في ألمجتمع ألاشتراكي أللاطبقي من ألاشتراكية ألطوباوية. ولم تكن ألدولة في فهم مؤسسي ألاشتراكية ألعلمية سوى أداة للقمع ألطبقي، مع أنهم إفترضوا في ظروف معينة إمكانية إستقلالها عن ألطبقة ألمهيمنة. إلا أنها حتى في تجلياتها ألأخيرة أو عند إقامة سلطة " دكتاتورية ألبروليتاريا" ، فهي في جميع ألأحوال ظاهرة تاريخية مؤقتة ملازمة للمجتمعات ألطبقية، تزول بزوال دواعيها، أي بزوال ألمجتمع ألطبقي.

وتبعآ لذلك فان ألفكر ألاشتراكي لم يولي ألدولة إهتمامآ كبيرآ يرفعها إلى مستوى ألدراسة ألمنهجية في إطار ديالكتيك ألتطور ألاقتصادي ألاجتماعي. ولكن هذا لا يعني بألتأكيد أن ألاشتراكيين ألأوائل أغفلوا تمامآ موضوع ألدولة و حق تقرير ألمصير. خاصة وأن أحداث ألتمرد ألقومي في أوربا وألمشاكل ألمتعلقة بألتوسع ألاستعماري ألأوربي في آسيا وأفريقيا كان لها أثرها ألواضح في مسار تطور ألنظام ألرأسمالي وألحركة ألعمالية في في أوربا ألغربية آنذاك. ألفرق يكمن في مدى خضوع ألحدث ألتاريخي لاليات ألنظام ألمعرفي للاشتراكية ألعلمية عند إتخاذ موقف محدد منه. لذا فقد لجأ مؤسسي ألاشتراكية ألعلمية إلى إستخدام مصطلحات تشخص ألحدث في مدى تأثيره ألسلبي أو ألايجابي على حركة ألتطور ألتاريخي للمجتمعات في محاورها ألاقتصادية وألاجتماعية وألثقافية وألسياسية. وعليه فقد وصفت ألحركات ألانفصالية ألمطالبة بحق تقرير ألمصير بأنها تارة "رجعية" وتارة أخرى "تقدمية".

وهذا ما يفسر مواقف ماركس وأنجلز من أحداث عام 1848 في ألنمسا وألمجر وكذلك موقفهما ألمعروف من ألمشكلة ألايرلندية. وربما يكون ألقارئ مطلعآ أيضآ على موقف ماركس وإنجلز من ألحرب ألتي شنتها ألولايات ألمتحدة ألأمريكية على ألمكسيك وإستولت بنتيجتها على مقاطعات غنية وضمتها إلى أراضيها وغير ذلك، ألموقف من ألاحتلال ألانكليزي للهند. ثم موقفهما من إستعمار ألجزائر ومصر. لست هنا بصدد عرض تاريخي للأحداث ألمذكورة، كما أني لست في سبيل محاكمة نصوص بعينها وردت في هذا ألشأن. ولكن ألدراسة ألمتأنية لها تفرض علينا ألاستنتاج بأن معلمي ألاشتراكية ألأوائل كانوا مع ألدولة ألواحدة ألموحدة مع إقرارهم ضمن توصيفات وإشتراطات معينة، بحق ألأمم في تقرير مصيرها. ولا ينفي هذا ألواقع ما ورد في ألبيان ألصادر عن ألكونفرنس ألعالمي للأحزاب وألنقابات ألاشتراكية ألعمالية ألمنعقد في لندن عام 1896 من إقرار صريح وغير مشروط بألحق ألكامل لجميع ألأمم في تقرير مصيرها. فعدا ألنص ألمقتضب ألذي تضمنه ألبيان ألختامي للمؤتمر، لم يكن هناك أي تفصيل أو تفسير لموقف ألأحزاب وألنقابات ألموقعة عليه، كما أن هذه ألأحزاب ذاتها، كانت قد أهملت أو تناست فيما بعد ما أقرته في مؤتمرها بهذا ألخصوص.

إن حق تقرير ألمصير في رأي ماركس وأنجلز، يجب أن يكون منسجمآ مع حركة ألتطور ألتاريخية، أي أن يكون متوافقآ مع مصالح ألطبقات ألاجتماعية ألطليعية، ليس فقط عند ألأمم ألتي تسعى لتقرير مصيرها بل وتلك ألأمم ألتي سيجري فيها ألتغيير نتيجة إستخدام هذا ألحق. وعلى ألعموم فان مصالح ألطبقات ألاجتماعية ألطليعية عند جميع ألأمم تتجسد في وحدتها وكفاحها ألمشترك وليس في تفككها وإنضوائها تحت رايات قومية متنافرة. هذا أولآ وثانيآ، يجب أن لا يفضي ألانفصال إلى إقامة دولة قومية مستقلة ترتد فيها ألتشكيلة ألاقتصادية ألاجتماعية إلى ألوراء مقارنة بألدولة ألأم. أي أن لا تولد دول إقطاعية مثلآ من رحم دولة تسود فيها علاقات ألانتاج ألرأسمالية. وأخيرآ فان حق تقرير ألمصير، يجب أن يبرره إضطهاد منهجي واضح تتعرض له أمة صغيرة يعيق تطورها ألاقتصادي ألاجتماعي ويجعل من غير ألممكن مواصلة ألعيش ألمشترك في إطار دولة واحدة. وعدا هذه ألاشتراطات ألتي أفرزتها وقائع ألقرن ألتاسع عشر فان ألتطور ألاقتصادي ألاجتماعي وألسياسي منذ ذلك ألحين يفرض على ألاشتراكيين ألتعامل مع وقائع جديدة ومفاهيم عصرية تغني وتمنهج ألموقف ألاشتراكي من موضوعة حق ألأمم في تقرير مصيرها.

وعلى ألرغم من أن ألبلاشفة كانوا قد أدخلوا في برنامجهم ألحزبي منذ عام 1903 إعترافآ صريحآ بحق ألأمم في تقرير مصيرها من منطلقات سياسية واقعية، إلا أنهم لم يبتعدوا كثيرآ عن أفكار ماركس وإنجلز في هذا ألشأن. ففي كتابه ألمعروف (عن حق ألأمم في تقرير مصيرها) ألصادر عام 1914، ذكر لينين " إن إقرارنا بهذا ألحق لا يعني ألتشجيع على ألانفصال وإنما لتعزيز إنتصارنا في مسار نضالي ضد ألتوجهات ألقومية عند هذه ألأمم....وفي سبيل وحدتها ألأممية ألمتراصة بألضد من محاولات ألبرجوازية لجرها إلى ألانكفاء على قضاياها ألقومية"، وفي تذييله لملاحظاته في نفس ألكتاب أوضح لينين "...ألاعتراف بحق ألأمم في ألانفصال لا يعفي ألماركسيين من دعوة ألأمم ألمضطهدة إلى ألتخلي عن فكرة ألانفصال، إنه كحق ألطلاق ألذي لا يمنع من ألدعوة إلى نبذ ألطلاق"

وبعيد ثورة أكتوبر(19-21 أكتوبر عام 1917) عاد لينين مرة أخرى إلى مسألة حق ألأمم في تقرير مصيرها وإمكانية إنفصال أجزاء من ألامبراطورية ألروسية ألسابقة عن روسيا ألسوفيتية، ليؤكد هذه ألمرة بوضوح " نحن لا نريد ألانفصال. إننا نسعى لدولة كبرى بألقدر ألممكن، إلى إتحاد متماسك، فيه أكثر ما يمكن من ألتنوع ألقومي ألمتجاور مع ألقومية ألروسية ألعظيمة. إننا نسعى إلى ذلك لمصلحة ألديمقراطية وألاشتراكية...."

وفي ألعام 1920 أعلن ألمسئول ألسوفيتي ألمكلف بشئون ألقوميات يوسف ستالين، بصورة حازمة أن ألانفصال عن روسيا ألجديدة غير مقبول على ألاطلاق. وجرى توصيف ألعمليات ألحربية ألتي كانت تدور رحاها على ألأراضي ألأوكرانية وألقوقاز وآسيا ألوسطى، على أنها حرب أهلية وليست حرب ضد إنفصاليين مع أن ألتوجهات ألانفصالية كانت حاضرة عند بعض ألقوى ألمعادية للنظام ألسوفيتي ألجديد في تلك ألمناطق آنذاك. ثم أجرى ستالين وبعد أن أصبح ألشخص ألأول في ألحزب وألدولة تغييرآ مبدئيآ في ألدستور ألسوفيتي ليكون فيه تقرير ألمصير من حق ألجمهوريات ألمتحدة في إطار دولة ألاتحاد ألسوفيتي وليس من حق ألقوميات أو ألشعوب ألمتعايشة في إطار ألدولة ألسوفيتية.

وتبعآ لذلك فان ألاشتراكيين، بما فيهم ألبلاشفة، كانوا يدركون ما ينطوي عليه مبدأ حق تقرير ألمصير بألانفصال عن ألدولة ألتاريخية وإنشاء دول قومية مستقلة من مخاطر ومطبات قد تهدد مسيرة ألتطور ألاقتصادي وألاجتماعي وألتاريخي، من آثاره ألسلبية نشر ألفرقة وروح ألعداء ألقومي وتمزيق ألنسيج ألاجتماعي. وقد ذكر لينين بأن ألتنوع ألثقافي وألاجتماعي في ألدول ألمتعددة ألقوميات يساهم بفعالية في تطورها ويجعلها أكثر قدرة على ألابداع مقارنة بدولة ألقومية ألواحدة.

هذه ألرؤيا ألمتعددة ألأبعاد لمبدأ حق ألأمم في تقرير مصيرها، جعلت ألاشتراكيين ومنهم ألبلاشفة أكثر حذرآ وروية في تعاملهم مع مشروع بناء ألدولة ألاشتراكية ألجديدة. ففي ألوقت ألذي كانوا فيه يؤمنون ويأملون بأن ألنظام ألفيدرالي هو ألبديل ألأفضل لحل مشاكل ألقوميات على إمتداد ألمساحة ألجغرافية لروسيا ألقيصرية، إلا أنهم في نفس ألوقت كانوا حذرين من أن يستغل ألانفصاليون ألقوميون تباين ألنضج في مفاصل هذا ألنظام وضعف ألخبرة في إدارته، لتحويله إلى منصة إنطلاق نحو ألانفصال. فألبلاشفة كانوا يرون في ألفيدرالية نظام توحيدي لدولة متنوعة ألأجناس وألقوميات، وليس لتفكيك ألدولة ألروسية وتمزيق أوصالها. وفي هذا ألسياق كتب لينين في موضوعات إلى ألمؤتمر ألثاني للكومنتيرن عام 1920 " من ألضروري أن نسعى لنظام اتحادي فيدرالي أكثر تماسكآ".

ثم ان واقع وجود أكثر من 2000 قومية ومكون أثني يسكنون في 191 دولة من دول ألعالم أليوم، يفرض على ألاشتراكيين ألديمقراطيين بألدرجة ألأولى ألتأني عند ألتعامل ألسياسي مع هذا ألمبدأ كخيارلحل مشاكل ألقوميات. فألمكونات ألسكانية ألمتنوعة لأغلب دول ألعالم، وألتي تعايشت مع بعضها منذ زمن مديد على أرض تاريخية واحدة وتمازجت في نسيج إجتماعي وثقافي واحد، ستكون مهددة على ألدوام لأن تكون عرضة لتأثير ألمغامرين وألمتعصبين ألقوميين أو ألدينيين أو ألطائفيين، ألذين تدفعهم رغبتهم ألجامحة للسلطة إلى تمزيق ألنسيج ألاجتماعي وألثقافي في أي من هذه ألبلدان متذرعين بحق تقرير ألمصير!

إن مجرد إنشاء دول على مقاس قومية واحدة أو دين أو مذهب واحد، سينهار معه لا محالة ركن أساسي من أركان ألديمقراطية وحقوق ألانسان وألمواطنة وهو (أن ألمواطنين جميعآ سواسية أمام ألقانون). وألتجربة ألتاريخية للانفصال، بصورة عامة، أدت إلى تكوين دول فيها مواطني ألدرجة ألأولى ومواطني ألدرجة ألثانية. وإشتدت فيها ظاهرة ألاضطهاد وألتمييز سواء في ألدولة ألحديثة ألنشوء أو في ما تبقى من ألدولة ألتاريخية ألأم. كما أنه من غير ألممكن، في عالم أليوم، ألتفكير بانشاء دول "نقية" أحادية ألقومية، تخلو من ألأقليات. لذا فاننا لا ريب أمام خيارين، إما ألايمان ألمطلق بحق ألشعوب بألانفصال عن دولها ألتاريخية وإنشاء دولها ألمستقلة وبألتالي إشاعة ألتمزق وألتشتت وألفوضى وألمزيد من أنهار ألدماء ومظاهر ألانعزال وألكراهية، أو أن نكافح معآ من أجل دولة لا يكون ألقانون فيها بيد ألسلطة بل أن يكون ألقانون، هو ألأساس ألمحدد لهذه ألسلطة في ألتكوين وفي ألممارسة. ومن أجل قانون واحد للجميع، للسلطة وللمواطن. لم أعثر في ألتاريخ سوى على حالتين للانفصال لم تؤدي إلى مآسي إجتماعية ودماء إنسانية غزيرة، وهما في تجربة إنفصال ألنرويج عن ألسويد وكذلك ألانفصال ألجيكي وألسلوفاكيا عن جيكوسلوفاكيا. إنها إستثناءات تثبت ألقاعدة.

منظمة ألأمم ألمتحدة تعتبر مبدأ حق ألأمم في تقرير مصيرها بألانفصال وتشكيل دولها ألمستقلة واحد من ألمبادئ ألأساسية ألتي تقوم عليها ألمنظومة ألدولية، وهي في نفس ألوقت تعتبر مبدأ عدم ألمساس بوحدة أراضي ألدول في إطار حدودها ألمعترف بها دوليآ، كذلك من ألمبادئ ألأساسية للنظام ألدولي ألمعاصر(!!!). ألتناقض واضح ما بين ألمبدئين وإلا فكيف يمكن أن تنفصل دولة جديدة دون تغيير في جغرافية وحدود ألدولة ألأم ألتي تنفصل عنها!!!ألمتخصصون في هذا ألشأن يضعون تفسيرات واهية تفرق ما بين متطلبات ألانفصال ألناشئة من داخل ألدول وبين ألتغيير في حدود ألدول نتيجة للتدخل أو ألعدوان ألخارجي. وألقارئ يعلم تمامآ بان أي نظام في ألعالم لا يتورع عن ألربط بين أي تحرك إنفصالي في بلاده وألتدخل ألخارجي، فلم إذأ تعتمد هذه ألمنظمة ألدولية ألتي تؤثر أليوم في كل منظومة ألعلاقات بين ألدول وألشعوب، مبادئ لم ترسم حدودها ألقانونية ألواضحة وغير ألقابلة للتأويلات ألذاتية ألمختلفة؟؟؟ وغير ذلك فأن ألقانون ألدولي لم يحدد مواصفات ألقومية أو ألتكوين ألاثني ألذي تنطبق عليه شرعية تقرير ألمصيربألانفصال وإنشاء ألدولة ألمستقلة. فهناك في واحدة من ألجمهوريات ألروسية قومية لا يزيد عدد أفرادها عن ألألفين شخص، فهل يحق لها وفقآ للقانون ألدولي ألانفصال عن روسيا وتشكيل دولتها ألمستقلة؟؟؟

لا أريد إدخال ألقارئ في متاهات ألقانون ألدولي، فهي متاهات سياسية مقصودة، ليسهل إستخدامها من قبل ألدول وألمحاور ألمتنفذة في مجلس ألأمن لتنفيذ وقائع على ألأرض تخدم مخططات ألأقوى وألمنتصر وتشرعن أحيانآ لسياسة ألعقاب وتصفية ألحسابات. هذا ما كان تمامآ بعد خروج ألمنظومة ألاشتراكية خاسرة في حربها ألباردة مع ألنظام ألرأسمالي ألغربي.

ألماركسيون ألأوائل بما فيهم بلاشفة أيضآ، كانوا يؤكدون على ضرورة إيجاد صيغ للعلاقة بين ألقوميات وألتجمعات ألسكانية ألمختلفة بحيث تضمن حريتها في ممارسة عاداتها وتقاليدها وحقها في تطوير ثقافتها وخصوصياتها ألأخرى مع ألحفاظ على وحدة ألدولة ألتاريخية. من هؤلاء من دخل في سجال عنيف مع لينين في هذا ألشأن مثل أ. دافيد و ك.كونوف و و.باير و ك. رينر وألاشتراكية أليسارية ألمعروفة روزا لوكسمبورغ وغيرهم من ألاشتراكيين ألديمقراطيين ألروس. فألدول ألتي يتنوع فيها ألنسيج ألاجتماعي وتتمازج فيها ألثقافات وتتفاعل فيها ألمشتركات تملك بألتأكيد آليات تطور أكثر كفائة وحيوية من تلك ألتي تنغلق على حضارة وثقافة من لون واحد. ألاولى هي دول " تقدمية " ، حسب توصيف ماركس وأنجلز، وبألتالي فان ألثانية دول " رجعية ".

أساس كل دولة هو ألانسان-ألمواطن، فما ألذي يحتاجه هذا ألانسان في أي بقعة من بقاع ألعالم؟ إنه بألتأكيد يريد أن تحترم إنسانيته وأن يعامل على قدم ألمساواة مع ألاخرين. أن يملك ألحق في أن ينتمي لأية ديانة أو مذهب يؤمن بهما أو أن لا ينتمي لأية ديانة كانت. أن يتحدث أو يقرأ أو أن يكتب بأللغة ألتي يجيدها. وفي نهاية ألمطاف فان هناك مقاييس دولية للحقوق وألقوانين أصبحت تتغلغل بقوة في ألمجتمعات وألدول وتكنس من أمامها ألموقف ألانتهازي ألذي ينادي بخصوصية ونسبية ألقوانين.