اوجه متعددة للشيوعية


وليد يوسف عطو
2012 / 3 / 24 - 13:48     

في سلسلة مقالات سابقة لي بينت انني مع المنهج الماركسي ولست مع النظرية الماركسية ( العلمية ) . لان النظرية في جانب منها قائم على نظرية الاحتمالات وجزء اخر قائم على الوهم . والنظرية لايمكن التعويل عليها الا اذا تحققت على ارض الواقع . والتجارب الاشتراكية السابقة فشلت كلها في تحقيق النموذج والوصول الى الاشتراكية فالشيوعية , وهذا معناه ان النظرية هي الفاشلة . والشيوعية ليست فقط شيوعية ماركس . فالشيوعية موجودة في فلسفات وديانات واتباع فرق صوفية مثل حركة يسوع , المعلم والمسيح الجليلي , ويوحنا المعمدان ( يحيى ) والنبي ماني وفيثاغورس والقرامطة والتصوف بانواعه ومنه التصوف الاسلامي . هذا النمط من شيوعية الاحرار قائم على الاختيار والحرية الشخصية والارادة وتكون الحرية مرتبطة برابط المحبة للجماعة . والحرية والمحبة تكونان غير مشروطتين ولا متناهيتين . كما يرتبط جزء من الشيوعية بالتصوف بمعناه الثقافي والمعرفي والفلسفي , القائم على وحدة الوجود وعلى خدمة الفقراء , وعلى القبول بالاختلاف والتعددية واحترام الاخرين .
في شيوعية الاحرار يكون الشيوعي سيد نفسه وهو يمثل المعبد ورب المعبد معا . بينما في الشيوعية المعلبة ( شيوعية العبيد ) يكون الشيوعي من سدنة المعبد . هو مجرد خادم ينفذ الاوامر ويطيع ولاحول ولا قوة له :
ايها الشيوعيون امنوا بالذي انزل اليكم , انه حميد مجيد .. امين .
الشيوعية المعلبة والمترجمة والمؤدلجة والمستوردة سوفيتيا فهي قائمة على القمع والجبر وعلى النظام الهرمي الهيكلي المعروف بالبناء اللينيني , وهو بناء ستاليني بامتياز , قائم على قاعدة المركزية الديمقراطية . انظر الى التعارض بين الكلمتين , مركزية و ديمقراطية !!!
الشيوعية المعلبة , شيوعية العبيد ليس فيها حرية انها قائمة على التحريمات ( التابوات ) , لايستطيع الشيوعي الخلاص منها .
بينما في شيوعية الاحرار والحرية تكون قائمة على الحرية , حرية الفرد وحريته في ابداء رايه وفي معارضته لافكار وسياسة الحزب وقياداته لغرض تقويمها . اذ ليس مسموحا في الاحزاب الشيوعية سياسة تعدد المنابر . في شيوعية الاحرار تكون الاموال مشاعا مشتركا . بينما في الشيوعية المعلبة لاتعرف فيها مصادر الحزب المالية ولا كيف تصرف الاموال . تقوم شيوعية الحرية والاحرار على معارضة السلطة , بينما في الشيوعية المعلبة ( شيوعية العبيد ) تقوم على اللهاث خلف السلطة والمال والركض خلف مكسب خسيس بسيط .
في شيوعية الحرية والاحرار تكون المراة مساوية للرجل
في شيوعية العبيد تكون المراة مجرد خادم للرجل .
ترتبط الشيوعية كذلك بالتصوف حيث المال والسلطة يعتبران مظنة فساد , اي شبهة فساد وبالتالي الصوفي يختار بارادته التنازل عن المال والسلطة لكي يستطيع تحقيق العدالة وبالتالي يكون الصوفي الشخص الانسب لادارة الدولة والحكم لانه زاهد فيهما .
كما عرضت في مقال سابق ارتباط الشيوعية بلاهوت التحرير ( التحرر )
في كنائس اميركا اللاتينية . وهو لاهوت طبقي واجتماعي ورسالة لتحرير الانسان وللشعوب تستند الى تعاليم المسيح حسب الانجيل , وخصوصا الموعظة على الجبل كما كما وردت عند متى في الاصحاحات 5 و 6 و 7 من الانجيل , وكما وردت عند لوقا وخصوصا في برنامجه الثوري لتحرير الانسان في الاصحاح الرابع من الانجيل . ان لاهوت التحرير ( التحرر ) يعمل ضد التمييز العنصري وضد انتهاك المراة واستغلالها , ويدعو الى حفظ كرامتها ومساواتها بالرجل .
ظهر لاهوت التحرير ( التحرر ) لاول مرة في عام 1965 حيث شهدت دول اميركا الجنوبية ( اللاتينية ) بروز الحركات الثورية والشيوعية وانتصار الثورة الكوبية .
لقد مارس لاهوت التحرير (التحرر ) ثلاث شبكات تحليلية :
التحليل الاجتماعي العلمي , ثم التفسير اللاهوتي , واخيرا الموقف الرعوي . لقد اختار لاهوت التحرير ( التحرر ) لتحليل الوضع الاجتماعي , مدرسة التحليل الماركسي , اي التحليل الديالكتيكي ( المادية التاريخية ) وعلم النفس الاجتماعي مع الاهتمام بالثقافة العامة والثقافة الدينية .
ثم حاول فهم نتائج العلوم على ضوء الايمان . وبحث لاهوت التحرير ( التحرر ) عن طرق رعوية لتحقيق تحرير المظلومين , حسب المباديء الكبرى : الايمان , الاحترام الانجيلي للانسان , تجديد المجتمع باتجاه الاشتراكية .
وقد امتدح البابا بنيديكت الخامس عشر ماركس ومهارته في التحليل :
مقال بعنوان
0 (هل كان ماركس على حق ؟ ) تاليف تيري انغليتون , ترجمة ابتسام عبدالله , جريدة المدى العراقية , العدد 2160 , الثلاثاء 14 حزيران 2011
وشهدت الكنائس المتمسكة بلاهوت التحرير ( التحرر ) تصادما مع السلطات الحاكمة في بلادها , حيث اغتالت السلطات في السلفادور الشهيد المطران اوسكار روميرو , رئيس اساقفة السلفادور للكنيسة الكاثوليكية . كما اطلقت الحكومة على رجال الكنيسة من الرافضين لسياستها لقب
( الكهنة الحمر ) . فزجتهم في السجون وعذبتهم . وقد صدر بيان عن الحكومة جاء فيه ( كن محبا لوطنك واقتل كاهنا ) .
من هنا تبرز المشتركات بين الشيوعية الماركسية والشيوعيات الاخرى . والفرق شاسع بين نظرية جامدة لاتعترف الا بالصراع الطبقي وبدور الاقتصاد وبين منهج ماركسي يضم في داخله وبين دفتيه كل العلوم والثقافات , من علم الاجتماع والانثروبولوجي الى علم النفس الى الموروثات التقدمية والدينية للشعوب , ليتم تطويعها في منهج جدلي ماركسي . وهكذا يمكن ان تمتزج الماركسية بالحرية والتصوف وبالتاو الصيني وبتعاليم انجيلية وبوذية وهندوسية او اسلامية .تعمل كلها في خدمة الانسان في سبيل الوصول الى مجتمع شيوعي يستعمل احدث منجزات العلم , مجتمع غير قائم على استغلال الانسان للانسان وغير قائم على القمع والعبودية والخنوع بل قائم على المساواة والحرية واحترام كرامة الانسان وفكره وعقائده .
يرجى الرجوع الى مقالاتي في موقعي الفرعي والتي تخص نفس الموضوع :
- بين شيوعية الاحرار وشيوعية العبيد 25 – 5 – 2011
- العلاقة الجدلية بين شيوعية الاحرار والتصوف 5 – 6 – 2011
- لاهوت التحرير والشيوعية 15- 6 – 2011
الشيوعية امل الشعوب في مجتمع خال من الاستغلال
على المودة نلتقيكم ...