ألبرت ملتز , من كتاب الحجج ضد الأناركية و معها


مازن كم الماز
2012 / 3 / 5 - 19:48     

ألبرت ملتز
من كتاب الحجج ضد الأناركية و معها
ترجمة مازن كم الماز


ما الذي يشكل المجتمع السلطوي ؟

الاستغلال – الخداع – القمع . تتألف أجهزة القمع من أسلحة متعددة للدولة :
جهاز الحكومة : التشريع , القضاء , الملكية ( النظام الملكي ) , الخدمة المدنية , القوات المسلحة , الشرطة , الخ
جهاز الإقناع : نظام التعليم , الإعلام , بما في ذلك التلفزيون , الراديو و الصحافة , الكنيسة , و كل أشكال المعارضة الظاهرية التي تدفعنا في الواقع للقبول بالنظام القائم – المعارضة البرلمانية هي أكثرها وضوحا , لكن أيضا هناك الكثير من البدائل الأخرى للنظام القائم , مثلا الثورة التي تقدم على أنها ثورة فقط في نمط الحياة أو الذوق الموسيقي , التعليم الأكاديمي للماركسية اللينينية الخ
جهاز الاستغلال : النظام المالي , الهيمنة النقدية , البنوك , سوق الأسهم , أرباب العمل الفرديون , الجماعيون و الدولتيون ( نسبة للدولة ) , ملكية الأرض . في ظل الراسمالية لا يوجد أي مهرب من هذا الجهاز .
يريد معظم المصلحين السياسيين الاحتفاظ بجزء ما من النظام غير الحر الذين يريدون إلغاءه . سيلغي الجمهوريون النظام الملكي , يريد العلمانيون إلغاء أو عزل الكنيسة , يريد الاشتراكيون ( أو أنهم اعتادوا أن يريدوا ) إلغاء جهاز الاستغلال , يريد أنصار السلام إلغاء الجيش . الأناركية متفردة في أنها تريد إلغاء كل ذلك سوية . التعريف الحقيقي الوحيد للأناركي هو الشخص الذي يعتقد بأنه من المطلوب ( المرغوب ) إلغائها جميعا , و من يعتقد أنه من الممكن إلغائها جميعا , و أنه كلما كان ذلك أقرب كلما كان أفضل , و هو أيضا الذي يعمل لإنجاز هذا الإلغاء .
هناك الكثيرون , عادة من اليسار , يعتقدون أن هذا مطلوب ( مرغوب ) لكنه غير ممكن , و هناك الكثيرون من اليمين يعتقدون أن هذا ممكن جدا لكنه غير مطلوب . هناك آخرون قد يتعاطفون مع الأناركية بأنها مطلوبة و ممكنة لكنهم يمتنعون عن العمل في اتجاهها . و نستعير هنا تعبير من الطرف الآخر من الغابة , هؤلاء قد يكونون فقط أنصار مؤقتين ( زملاء سفر أو طريق ) للأناركية .
الشرطة هي حجر الزاوية في الدولة ( رغم أنه في حالات استثنائية تحتاج الحكومات الراهنة إلى استخدام القوى المسلحة عوضا أو إلى جانب الشرطة – أدى هذا في بعض البلدان إلى استبدال الحكومة بالجيش أو خضوعها لسيطرته طالما بقي الضباط يمتلكون السيطرة الصارمة ) .
فقط الأناركية تؤمن بإلغاء الشرطة , و هذا هو أكثر النقاشات ( الاعتراضات ) سخونة عن الأناركية . مع ذلك فإن قوى البوليس أو الشرطة هي ظاهرة حديثة نسبيا , و قد واجهت مقاومة شديدة عند ظهورها لأسباب ثبت منذ ذلك اليوم أنها صحيحة جدا , مثل قدرة البوليس أو الشرطة على فرض أو دعم ديكتاتورية ما المعروفة بالفعل على أنها دولة بوليسية . من دون سيطرة الشرطة ستصبح النقاشات في ويستمنستر ( مقر الحكومة البريطانية ) خالية من اية نتائج مثل النقاشات في جمعية نقاش ويست كينسينغتون ( و ربما أقل إثارة ) .

هل يمكننا أن نعيش من دون الدولة ؟

يبدو أنه مقبول عامة أنه يمكننا أن نعيش من دون أجهزة معينة في الدولة : لكن هل يمكننا أن نعيش من دونها جميعها ؟ بعضها في الحقيقة عديم الفائدة , بعضها الآخر مجرد ديكور , و لبعضها أهدف غير ممكنة التحقيق , و بعضها ضروري لحكم طبقة ما , لكن بعضها قد يكون مفيدا و تقوم بوظائف ضرورية لأي مجتمع .
لا يمكن لأحدها أن يقوم بعمل الأخرى . إذا لم يكن عند الملك جيشا فلا يمكنه عندها أن يحميك من الغزو الخارجي أكثر مما يمكن للشرطة أن تدخلك إلى الجنة إذا لم تكن هناك كنيسة ! لكن أي تحديد للسلوك قائم على المنطق السليم سيكون أفضل بكثير من ركام القوانين التي نملكها اليوم , التي تشغل كلا من المحامين و السياسيين , حيث يقوم الأولون بتفسير الرغبات الظاهرة للأخيرين .
صحيح أنه يمكن للحكومة أن تقوم أحيانا بوظائف اجتماعية ضرورية معينة , كما لأي جهاز من أجهزة الدولة مهما كان قمعيا . لم تكن السكك الحديدية تدار دائما من قبل الدولة بل كانت مملوكة للرأسماليين , و يمكن بنفس الشكل أن تكون مملوكة للعمال في مجتمع المستقبل . سيكون من الغبي القول بأنه إذا كانت المناجم مملوكة من قبل الدولة فهذا يثبت أن الدولة ضرورية أو أننا لن نجد أي فحم من دونها . يعطى الجيش غالبا وظائف ضرورية اجتماعيا مثل الإغاثة في حالة الطوفان أو الزلازل , و يستخدم أحيانا كقوة عاملة احتياطية , كما في الإضرابات , و يستخدم أحيانا كقوة شرطة . هذا لأن الدولة لا تريد انهيار المجتمع الذي يساندها .
حتى الشرطة تقوم أحيانا ببعض الوظائف الضرورية – يذهب المرء إلى قسم الشرطة ليستعيد كلبه المفقود ببساطة لأنه تصادف وجودهم هناك و بالتالي تولوا القيام بهذه المهمة . لا ينتج عن هذا أننا لن نتمكن من استعادة كلابنا المفقودة إذا لم تكن هناك شرطة , و أنه علينا أن نتحمل الضربات على رؤوسنا في أوقات الاضطراب الاجتماعي كيلا تفقد السيدات المسنات كلابهن . لأغراض تتعلق بالتأمين يبلغ كل أصحاب السيارات المفقودة او المسروقة في أقسام الشرطة , لكن هذا لا يعني أن قوة الشرطة لا يمكن الاستغناء عنها .
تماما كما يمكن لشركات التأمين أن تجد طريقة ما كيلا تدفع مقابل مزاعم مزيفة . إذا لم تكن هناك قوة شرطة , فسيقوم المجتمع بوظيفتها و سيحمي نفسه . لسوء الحظ فقد أدى وجود قوة شرطة عندنا إلى تراجع ( ضمور ) قدرة المجتمع على الدفاع عن نفسه . فقد الناس كل معنى للتنظيم و السلطة المجتمعية . و أصبح من الممكن تخويفهم فقط بسبب عبث بعض الفتية مهما كانوا صغارا . ردة الفعل الوحيدة في هذه الحالة ستكون الركض نحو الشرطة , بينما لا يمكن للشرطة أن تفعل شيئا في الأغلب .
كانت هناك خرافة قديمة أن الكنيسة إذا قامت بطرد بلد منها فإنه سيصاب بكارثة مريعة . لا يمكن للمرء أن يتزوج , يدفن , أن يترك إرثا , و أن يمارس العمل بشكل آمن , أن يتعلم , أن يحصل على العطف إذا مرض , في بلد جرى طرده من الكنيسة . إذا طرد بلد من مجموعة المؤمنين , ستغلق المستشفيات ( التي تديرها الكنيسة ) , لن تبقى هناك أية ثقة بالأعمال ( يشرف رجال الدين على أداء القسم و من دونهم لن يلتزم أحد بأي قسم ) , لا تعليم ( إنهم يديرون المدارس ) , طبعا سيبقى من الممكن إنجاب الأطفال ( لا يمكن للكنيسة منع ذلك بأية طريقة ! ) لكن لا يمكن تعميدهم , و لذلك سيبقون خارج مجموعة المؤمنين و سيكونون تحت خطر اللعنة الأبدية كما اعتقدوا , بينما لا يمكن للآباء غير المتزوجين أن يتركوا إرثهم لأولادهم "غير الشرعيين" . لم تكن هناك ضرورة للوجود الحقيقي للجحيم لجعل الطرد من الكنيسة مؤثرا . نحن أكثر حكمة اليوم . لكن جرى استبدال خرافة بأخرى . لقد تحولت الخرافة إلى الاعتقاد بالدولة . لو أننا رفضنا الحكومة فلن يكون هناك تعليم ( لأن الحكومة , وطنية أو محلية , تسيطر على المدارس – مع استثناءات معروفة ) , ولا مستشفيات ( لنفس السبب ) , لا يمكن لأحد ان يعمل لأن الحكومة تنظم ممارسة الأعمال , و ما إلى ذلك . الحقيقة أنه في كل الأوقات لم تكن الكنيسة و لا الدولة بل نحن البشر من عمل للحصول على كل شيء نملكه اليوم , و لو أننا لم نعمل لما تمكنت الكنيسة و لا الدولة من توفيرها لنا . حتى المحظوظين أصحاب الامتيازات جرى الحفاظ على امتيازاتهم بواسطتنا فقط .

نقلا عن http://theanarchistlibrary.org/print/Albert_Meltzer__Anarchism__Arguments_for_and_against.html