اهتزاز التقشف الرأسمالي والإسلام الرجعي: مخاض عسير لولادة جديدة لليسار الإفتراضي


عذري مازغ
2012 / 3 / 4 - 19:14     

أصدرت الحكومة الإسبانية مرسوما بمثابة ظهير يتعلق بقانون الشغل، من خلال نظرة اولية يبدو قانونا مدنيا مفعما بالغايات المحفزة لانطلاقة جديدة، انتعاش ما للإقتصاد، عودة ضوئية لقانون العهود البائدة في صياغة مدنية جديدة، إطلاق جموح الرغبات الرأسمالية لاكتساح كل شيء، فالمشكلة الأساسية للجمود الكاسح، للبطالة المرتفعة بشكل خارق، هي تدليل هذه الطبقات السمينة بشكل خارق، أن تزيد سمنتها حتى الشلل الكلي لا أن تتقلص، في اللغة السياسية الحداثية يعتبر إصلاح قانون الشغل انتعاشا للإقتصاد الإسباني، هو قانون يعيد الإعتبار للرأسمال القومي المصاب بجنون البحث عن فرص الإستثمار خارج إسبانيا، وبعبارة التقشف الإقتصادي القومي كما يحلو للماسكين بأمور السياسة ، تحفيز الإقتصاد القومي ليكون قادرا على المنافسة، تحفيز الجديان العمالية المصابة بجنون الرفاه الأوربي، أن تكون قومية أكثر وتكون وطنية أكثر، أن لا تدع ثيران الإقتصاد القومي تجفل وتتشيع عبر مسار العولمة بحثا عن حوافز المرونة في اقتحام المنافسة الدولية، ردة رائعة لما تبجح في الإقتصاد السياسي من التهليل الرائع للعولمة تهليلا يعكس الوجه الآخر للمتعة الفاحشة للرأسمال، هذا فقط هو الوجه القومي للمشكلة وهو جزء من بنية تناقضية كونية تتشفع بما هو قومي، لكن الحقيقة البادية للعيان أيضا هي انها بنية شرطية في إطار هيمنة قوى الرأسمال المتعدد الجنسيات، هي شروط البنك المركزي الأوربي وصندوق النقد الدولي، ولا تناقض في أن تظهر الأمور بمظهر تحفيز الإقتصاد القومي، بل إن الامور تسير وفق فوضى تشيع الرأسمال الكوني، فالحوافز القومية التي يتيحها قانون الشغل الجديد هي في الوقت ذاته حوافز الإستثمار الأجنبي، فسياق الإستثمار لا يعترف بالمزايا القومية، بل يعترف فقط بتركيع القوى العاملة: أن يستثمر الرأسمالي بأوربا، بإسبانيا حتى، يجب أن تتوفر شروط المرونة التي هي متاحة في دول الهامش، أن يتهيأ الوعي القومي ليكون فعالا، أن تبادر النقابات العمالية الأوربية بمبادرة قومية رائعة من قبيل أن تطالب بتخفيض الأجور العمالية لأجل المصلحة القومية أو ان تكون، في أحسن الحالات، مادام العمال يتمتعون بحس الرفاه المجيد،صامتة تجاه التغيير الردي(من الردة)، وهذا ما نلمسه حقيقة من خلال الذرائع الذاتية ذات اللغة القومية، كأن تحتكم لواقع هيكلتها وأرقام انخراط العمال فيها ومسطرة برامجها التي لم تأخذ بعين الإعتبار التغيرات، أو هي كانت تعمل وفق توجسات الإنهيار الإقتصادي كقدر غيبي، أزمة عالمية هكذا بالتعميم الكاسح، ويا للمصادفة العجيبة أن تنهل احزاب اليسار الأوربي ونقاباته، ولأول مرة في التاريخ، من حكمة الصمت لدى نظيرتها في "العالم العربي" وتترك الأمور لحكمة الشارع، بعد أن كنا نحن من يقتبس منهم قوة العزيمة في تحقيق مكاسب جديدة، في إسبانيا أيضا تنتظر النقابات العمالية، (الكبيرة بالتعبير المحلي) ردة فعل الشارع امام ماكسبته الشغيلة على مدى قرن، بمعنى أن مرسوم قانون الشغل الذي هو بمثابة ظهير يشرعن "قومية الإصلاح"، في ردته الضوئية قرنا إلى الوراء حيث تستعيد الباطرونة زهوها الحالم الذي كان لها في القرن 19، قانون يحظى بقبول ضمني من طرف النقابات العمالية التي باتت نضالاتها اليومية مشتتة على قضايا عمالية آنية تافهة كالمتابعة القضائية لحالة طرد تعسفي او موضوع تعسف أو تحرش جنسي هنا وهناك، أو مسألة أسرية محضة كاشتغال العمال بهموم الأسرة: إصال زوجته للعمل، إيصال طفل إلى المدرسة، بعبارة أشياء تعبر عن التشبث بالرفاه حتى وإن فقد حسب مرسوم الشغل "الجديد" كل مقوماته.
تقول المعارضة بأن الحزب الشعبي الحاكم في إسبانيا لا يملك برنامجا حقيقيا لإنقاذ البلاد، يرد راخوي الحاكم بأنه يملك برنامج الحل الوحيد: الطريق الوحيد لإخراج البلاد من نكستها هو طريق الحزب الشعبي، في إطار اللعبة السياسية القائمة، كان الحزب الإشتراكي نفسه لا يملك برنامجا بديلا، فبرنامج سباتيرو في مجمله كان مستنجدا بلغة تبريرية أكثر من اللازم، بل كان هو المبادر الحقيقي لتغيير قانون الشغل ليتمه خلفه، كانت مهمة الإشتراكيون في أوربا عامة هي دفع بعض "الصدقات" من فائض الربح العام بشكل مرح يظهر جدوة الكرم التي لا تخرج عن نطاق كرامات أغسطس الروماني كيما يتبوا مكانة إمبراطور بدون منازع بفارق كبير طبعا هو ان اغسطس كان يملك القوة السياسية لفرض هيمنته من حيث أنه كان يستند إلى قوة الجيش اساسا وتدليل القوى الشعبية الفقيرة في روما بالتحديد التي كانت تمثل في عهده مركز العالم، بينما إصلاحات سباتيرو ومن بعده راخوي، هي لا تغدو أن تكون إصلاحات قائم أعمال للإمبراطورية في محيط محدد، قد ينجح فيها بقدر موافقة الإمبراطور المركزي، هذه العلاقة التناقضية بالتحديد بين وضع القائم بالأعمال ووضع الإمبراطور هي ما دفعت سباتيرو بشكل مهذب إلى الإستقالة، بحدس اشتراكي لا ننكره عليه، وضع إسبانيا أمام الامر الواقع: إما الحزب الإشتراكي ذي الكرامات الإجتماعية وإما الحزب الشعبي ذي الفاشية القومية؟ لكن سباتيرو أيضا كان أمام محق حقيقي يتجلى في السؤال التالي: إلى متى هذه الكرامات؟ بتقديري العجيب أيضا، تحظى كرامات الإشتراكيون الاوربيون بتقدير جميل هو نفسه تقدير الشعوب السوفياتية لكرامات بريجنيف أيام الحرب الباردة، أي بالضبط هذا التأسيس الحميد لانهيار منظومة كاملة. أي تأسيس بنيوي لاغتراب آخر يستخلصه المواطن البسيط في عبارة بسيطة: "لا ثقة في الأحزاب كلها” ومن ثمة وتبعا لذلك، فإن الأمر يعني أيضا نقضا ضمنيا للنظام السياسي برمته،لا ثقة في نمط سياسي مهيكل بشكل تتحكم فيه الدوائر الرأسمالية بشكل عام، فأي حزب يصعد إلى الحكم من خلال الإنتخابات، هو مجبر بشكل اساسي في أن يتعامل وفقا لضغوط وإكراهات النظام السياسي الذي تمثله على الأرض دكتاتورية المؤسسات المالية والشركات العالمية، فتجربة الأحزاب السياسية في الديموقراطية الأوربية تثبت في كل يوم، أن مايتغير من خلال تداول الحكم هو فقط قشة اللون السياسي التي يحملها الحزب الفائز إلى الحكم، بينما الفاعلون الحقيقيون أو لنقل للدقة، إن الحاكمون الحقيقيون هم أصحاب رؤوس الأموال. وهذا بالتحديد مايزيح كل ثقة بالحزب السياسي مهما كان معارضا، فشرعية الأحزاب السياسية نفسها تقوم على احترامها للمباديء الأساسية التي تؤسس بنية النظام الذي تشكل هي نفسها واجهته الأساسية وهو مايفرز وعيا تراكم منذ فترة طويلة ليظهر للعيان كحقيقة تاريخية تشبه في وضعها وضع الأحزاب في النظام السياسي الكولونيالي حيث الحكم المطلق فيها لفرد مستبد محاط بهالة من قدسية المصالح التي يمثلها والتي هي مصالح الدول الإمبريالية نفسها. تتمثل في الفكر السياسي على أنها وجه الله وقدره من خلال أسلمة الدولة عندنا، بشكل يضعنا الواقع الميؤوس الذي تفرضه هذه الدولة، ولأجل مجابهتها، تشكل عندنا نعيق تحرري جديد هو التحرر الإسلامي المعارض لإسلام الإستبداد، في لغة ارتدادية تتوق ان تفتح افقا ديموقراطيا ملهما وحقوقا جديدة ملهمة أيضا كحق الأذان في قبة البرلمان، الذي تغرد له بشكل أساسي القوى الإسلامية المتجلية في قوى الإسلام المعارض لإسلام الدولة الذي يتمثل وجه الله فيه بوجه هذه الحشرات الإمبريالية نفسها. هذه الطحالب الإسلامية بالتحديد، التي فاقت وجاهتها القا كاريكاتوريا يتمثل بواقع مناقض تماما لا يلامس لا من قريب ولا من بعيد بنية النظام العالمي باستنطاق ادوات تمدده وهيمنته بقدر ما يكرسها في شكل خطابه المتفهم لمصالح القوى الإمبريالية، كالتي بشرنا بها إخوان التاتار والهمجية بليبيا. ليس الإسلام نمطا من الإنتاج ولا يمكن ان نتبين فيه، في مساره التاريخي، في إلهامه الخرافي، شيئا من نمطية الحياة، فهو يمثل قفزة نحو المجهول متدرعا بمدينته الفاضلة فيما وراء الحياة، وفي استقراء أسسه المادية ينحاز إلى ماهو غير مادي باثر إيديولوجي وهمي ورجعي، ينحاز إلى الخرافة في ارقى تجلياتها، حتى وإن حمل في طياته عبارات التغيير المجيدة التي يتبناها على مستوى الخطاب السياسي حين يتبنى شذرات من الفكر التحرري ذي التوجه اللبرالي كدعاية واستقطاب إيديولوجية ليظهر للوعي اليومي اسلاما متفتحا ذي مزايا لا تتناقض وموجة التيار الجارف للرأسمالية المعولمة. ثمت فرق شاسع بين من يتبنى موقف كسر علاقة الإستغلال بتحرير الإقتصاد الوطني من هيمنة القوى الرأسمالية الكبيرة، وبين من يتفهم مصالح هذه القوى كتمطية لاستقرار سياسي أساسه قيام دولة إسلامية في اعتى استبدادها بدعوى الإسلام هو الحل، لكنه هو حل في ماذا؟؟
هو حل في نمط لا يشكل بنية واقع موضوعي، بقدر ما يشكل اغترابا آخر روحي هو الهروب من تعقد ملامسة فوضى الإستثمار والإحتكارات القوية في الإقتصاد السياسي من طرف الشركات المتعددة الجنسية في علاقتها الازمية بالشركات التابعة لحكم الإستبداد في الدول عندنا والمعروفة باحتكارها لكل مرافق الحياة (شركة أمونيوم شمال إفريقيا مثلا بالمغرب). وإذا كان يفترض أن يكون نمطا، وأن يكون بنية نمطية في واقع معين، فعليه أن يجيب على تمرحله التاريخي في سياق خاص مخالف لنمط الإنتاج الرأسمال، نمط ما خاص به يمكن تمييزه أنه نمط الإنتاج الإسلامي، يجيب فيه على تساؤلات المرحلة بشكل يضع حلولا للمعضلات الإجتماعية والسياسية باستثمار الموارد البشرية والإقتصادية الذاتية، من خلال تحريرها من هيمنة "تفهم المصالح الدولية" بطرح بديل لعلاقات توزيع العمل وكذا توزيع الثروات الوطنية توزيعا عادلا او توزيعا اسلاميا على مقاس مدينته الفاضلة التي تمثلها الجنة، بمعنى ان يلجأ إلى خلقها بدل انتظارها فيما بعد الحساب وهنا ستجد الكثير من القضايا المؤرقة للإسلاميين حلها كوضع الحجاب ووضع المحرم بشكل عام دنيويا في علاقته بما يحلله اخرويا، أي بعبارة أخرى طرح إشكالية الحرام والحلال في سياق تاريخي بين وضع الشيء موضع المحرم دنيويا ووضعه نفسه في سياق آخر حين يصبح شيئا محللا اخرويا، أي تحقيق هذه القفزة بين الوضعين للشيء نفسه من حيث هذه القفزة هي انتقال من وضع تحريمه إلى وضع تحلاله بتحقيق البنية الشرطية، التي هي في الدنيا وضع آلية ملموسة لتحقيقها بدل وضعها في السماء من خلال كبت الذات من الشيء الذي يتجلى في تحريمه في انتظار الجزاء في الجنة الذي هو تحلاله، بإحقاق شروط تحلاله في إطار الإرادة القوية التي تمثل المدينة الفاضلة (الجنة) غاية تحقيقها من حيث هي تفجير المكبوتات في سياق تحلالها، هل تسير التيارات الإسلامية وفق هذا الطموح حقا؟ أقصد ان تنتقل من وضع التحريم إلى وضع التحلال كما يبدوا متفجر في غاية المسلم التي هي نقطة وصوله الأخيرة؟ أقول مالذي يمنع التيارات الإسلامية ان تسير في سبيل تحقيق غايتها دنيويا عوض انتظارها مابعد الموت؟ أليست الجنة في تدفق عطاياها هي غاية المسلم؟ ولماذا إذا هذا التناقض غير المبرر بين كبتها دنيويا مادامت ستصير حلالا في الآخرة؟ أم أن المسألة تبدوا مسابقة رياضية لإثارة المتعة الفرجوية لله وملائكته؟ أي بعبارة اخرى يصبح الأمر بين الدنيا والآخرة عبثا إلهيا.
في الوضع الدنيوي تنتقل الحياة تلقائيا في سيرورة تحقيق غاياتها، تسير في اتجاه الإستفادة مما كان في البدء محرما، تسير في اتجاه مزيد من التفتح، مزيد من الحرية والإنعتاق، مزيدا من الكسب والسيطرة على الطبيعة، مزيدا من التسامح (لقد وصل الوعي الإنساني إلى إلغاء عقوبة الإعدام التي هي انتهاك لحق الحياة) ثم تاتي القوى الرجعية لتعيدنا إلى بدإ تحكمها في كل شيء، تاتي مدونة التقشف الأوروأمريكية الرأسمالية لتعيد إنتاج شروط الإستغلال إلى بداياتها الأولى مطلع الفجر الرأسمالي ويأتي الإسلاميون ليعيدونا نحن إلى الشروط البدائية التي تؤسس لنمط الإنتاج الإستبدادي، ويبدو المسرح كاريكاتوريا إلى حد ما في مزايدة هذه القوى حول الرجعية، يقول الإسلاميون: إذا عدتم قرنا إلى الوراء فنحن سنعود قرونا وليس قرنا واحدا. بينما القوى اليساريةالتي يعول عليها بقيت مصابة بالشلل،ليخرج جنينيا يسار الفضاء الإجتماعي المفترض الذي هو في انطلاقته الكاسحة لا زال يتلملم بين هذه القوى السياسية نفسها من حيث تتنازعه، لكن تبقى ميزته الآساسية هي نزوعه نحو الحياد الإجابي الذي يفرز وضعا لا زالت معالمه السياسية لم تتوضح بعد بفعل هذه العملية من التنازع للقوى السياسية المؤسسة، لكن، ومع ذلك يمكن تمييزه على انه يشكل الأرضية المشتركة لكل القوى السياسية التي تتوخى التغيير من جهة، والقوى السياسية الغير مهيكلة من جهة ثانية، وهو يطرح أرضية حرة لتفاعل الرأي والرأي المخالف، يخترق حدود التابوهات السياسية، لا يقصي احدا من حيث لا تهم هوية الفاعلين فيه بحيث يتحصن من خلال تبلوره كذات مفترضة،

إن التنظيمات الهيكلية للأحزاب، كانت يسارية ماركسية او لبرالية، هي في جوهرها تنظيمات ارستقراطية، تعبر في منظومتها عن عبودية من نوع خاص، نوع قديم وليس جديد بالمرة، تعبر عن تبعية خاصة منشأها الكاريزما الخلاقة للأسر الأبيسية، تبعية أعضاء الحزب للقيادة الحكيمة، ويأتي دور الفضاءات المفترضة والذي يبرهن كل مرة على بلاغة همته السياسية في الوصول إلى صنع الفعل السياسي دون التقيد بحكمة الحاكمين من اهل السياسة، بشكل يعزل هذه القيادات التي تروضت على الإلتزام الخلاق تجاه نمط اللعبة السياسية، إن الجماهير الشعبية هي القوة التي يلجأ إليها الساسة ليستمدوا وجودهم السياسي، وكانوا يتوجهون إليها عبر آليات ممأسسة تقيد الفعل السياسي وفق الشروط النظامية، بينما الفضاءات المفترضة تختزل هذه الآلية بشكل رائع في شكل وصول صوتها السياسي دون قيود او شروط صانعة بذلك شكلا مخالفا للممارسة الديموقراطية السائدة ليتجلى في شكله الآني شكلا من أشكال الديموقراطية الشعبية حيث رأي الأفراد لا يخضع لتصنيف خاص، بل يخضع للمماحصة والتدويل ليصبح في شروط خاصة (شروط الإقناع والإقتناع) رأيا عاما فاعلا يتبناه العموم او رأيا خاصا لا يمكن تفعيله.
في هذا الشكل من الممارسة الديموقراطي الشعبية، يتنافى الشكل الهرمي للأحزاب او المنظمات النقابية وتتساوى أهمية الأفراد من حيث إبداعاتها السياسية
في المظاهرات الأخيرة بإسبانيا، ولأول مرة يتخلخل شكل الهرم هذا، هناك أحزاب ونقابات وجمعيات شاركت في التظاهرة التي دعت إليها الكونفدرالية الأوربية للنقابات، لكن ثمت شكل مخالف للمألوف في التظاهرات، فإذا كان من العادة أن النقابات التي دعت إلى التظاهر هي من يختم حفل التظاهر بقراءة بياناتها، فإن تظاهرات امس بدأت موحدة في التظاهر لتتشكل نهايتها على شكل رؤوس هيدرا مختلفة تماما سواء على مستوى ألوانها أو على مستوى شعاراتها وبياناتها، وهو شكل يعبر بأسف شديد على مسؤولية النقابات الكبيرة في الوضع القائم، فهي كانت معنية بالحوار الإجتماعي الذي تعقده الحكومات، وهي لعبت فيه دورا أساسيا في تمرير هذه الإصلاحات من خلال عجزها بالقيام بأي رد فعل إلا حين انتصب الشارع

يقترح قانون الشغل الإسباني الجديد الذي هو بمثابة مرسوم مايلي:
خفض التعويض عن الطرد التعسفي من العمل من 45 يوم على كل سنة، إلى 33 مع تحديد سقف محدد في 24 شهر، في حالة ما إذا كانت الشركة في استقرار أو انتعاش اقتصادي، وإلى 20 يوم في حالة ما إذا كانت الشركة تعرف نزولا في أرباحها حيث يكفي وضع تبرير لذلك من خلال بيان يظهر نزول مبيعاتها او انتاجها خلال الأشهر التسع الأخيرة،.
إعادة تفعيل دور الوكالات المستقلة للتشغيل المؤقت، وهذا عمليا في ارتباطه بقانون الطرد، إيجاد آلية الطرد بالوكالة من خلال آلية التشغيل المؤقت (تعاقد لأجل إنجاز عمل معين وفقط ينتهي التعاقد بمجرد انتهاء الخدمة) وهو تكريس لمفهوم القطاع الخدماتي مقابل القطاع العمالي، هدم وتشتيت الطبقة العاملة وضرب لوضع وكالة التشغيل العامة التي تقوم بها الدولة، إضافة إلى هذا تم وضع آلية أخرى لتبخيس العمل وتركيع العامل من خلال رفع مدة الإختبار في التعاقد من 15 يوم إلى سنة تستطيع فيه الشركة طرد العامل أي وقت شاءت خلال السنة دون أي تعويض وهو مايعتبره الشارع العمالي ب”إصلاح قانون الطرد لمصلحة الباطرونا” او “ مدونة الطرد”.
لقد أوضحت أن هذا التراجع جاء في سياق تشجيع الرأسمال الوطني أو القومي، لكنه بالمقابل لا يستثني، وفقا لمعطيات العولمة أي شراكة دولية، بل يعني في المطاف الأخير تدليل انتعاش الشغل وفق معطيات العولمة: أن تكون المنافسة مرنة معناه أن تكون حقا مواجهة لمنافسة منتوجات المحيط (العالم الثالث التي هي في الحقيقة أيضا في جانب منها وهو المهيمن منتوجات الشركات الرأسمالية العابرة)، وهو عمليا أن تكون تكاليف الإنتاج كونية في كل مكان ومشابهة لتكاليف الإنتاج فيما يسمى بالدول النامية أو الفقيرة، الإحالة الموضوعية هي أن يكون عمال المركز في مستوى عمال الهامش، لا أحد يقول بهذا بالصراحة المطلوبة لكن يعبر عنها مجازا بما يسمونه بتأهيل الإقتصاد القومي او الوطني، لكن الأمر يجد مدلوله الرائد، في الإيديولوجيا: إعادة الإعتبار للإقتصاد القومي الذي هو تسليس قيم المنافسة بأن يكون المنتوج القومي قادرا على المنافسة بتخفيض أجر العامل المحلي من خلال تهميش مكتسباته التي راكمها عبر التاريخ بإعادة وضعه إلى ماقبل تحققه لها التي تجد تحققها الآني في وضع الطبقة العاملة في البلدان الفقيرة.
بقي موضوع آخر بخصوص إصلاح قانون الشغل الإسباني وهو أيضا مرتبط في فصاحته بجانب هام من تبخيس اجور العمال، فبالإضافة إلى ماكينة الطرد التعسفي يبقى أيضا وضع التعويض عن البطالة يميل إلى شبيهه في الدول النامية، أي أن العامل الذي يتلقى هذا التعويض عليه أيضا ان يقوم مقابل ذلك بأعمال لصالح المؤسسات العامة.