المعادلة


يعقوب ابراهامي
2012 / 2 / 25 - 19:39     

ملاحظة من الكاتب الى كل من أقلقه (أو أسعده) تأخر ظهور هذا المقال: التأخير نبع من أسبابٍ موضوعية (كما اعتدنا مرّةً أن نقول كلما أردنا أن نبرر حماقاتنا وفشلاتنا وأخطاءنا). وعلى رأس الأسباب هذه المرّة هو سلاح كل متقاعسٍ يحترم نفسه: الكومبيوتر. لا تنسوا أيضاً أن الكاتب كان بحاجة الى راحةٍ تامة بعد "الهجوم الكاسح".

تعريف البلشفية:
"حزب ثوري لا جمعية خيرية" - خمس كلماتٍ فقط، مذهلة بصراحتها، كانت كافية للأمين العام للحزب الشيوعي العربي في اسرائيل لتعريف كلمة "البلشفية" بصورةٍ لا تترك مجالاً للشك.
مسألة محيرة أخرى هي كيف تفتق ذهن محمد نفاع على هذا التعريف اللاذع للبلشفية وهو لم يعودنا يوماً على إبداعاتٍ فكرية ذات قيمة.

في البدأ كان انتهاك الماركسية:
لم تكد تمر ثلاثة أشهرٍ على "عشرة الأيام التي هزت العالم" حتى أصدر فلاديمير إليج لينين ("مطوّر" الماركسية ومؤسس البلشفية) أوامره بإطلاق النارعلى متظاهرين عزل فأوقع منهم أكثر من عشرين قتيلاً. (هل كان كارل ماركس، في أسوأ كوابيسه، يحلم أن يوماً سيأتي وشيوعيون لا ينتمون إلى "جمعية خيرية" يطلقون باسمه النار على متظاهرين عزل يطلبون حقهم الديمقراطي في التمثيل الحر؟ هذا ما يحدث عندما تتحول الماركسية إلى بلشفية)
وقع ذلك في 5 يناير 1918. هذا اليوم الأسود (الأول من سلسلة أيامٍ سود ستأتي في المستقبل القريب) أعاد إلى ذاكرة الكثيرين آنذاك يوماً أسوداً آخر هو يوم الأحد الدامي عام 1905. حينذاك أطلقت الشرطة القيصرية النار على عمالٍ عزل تظاهروا من أجل لقمة الخبز. هذه المرة شرطة لينين (التي كما قلنا لم تنتم الى "جمعية خيرية") أطلقت النار على مواطنين لبوا نداء "تجمع الدفاع عن الجمعية التأسيسة" (الذي ضم تيارات سياسية مختلفة، من بينهم أعضاء في سوفييت بتروغراد، نقاباتٍ عمالية وأحزاب اشتراكية) للمطالبة بعقد "الجمعية التأسيسية" التي كان لينين نفسه، قبل انتفاضة أكتوبر، من أشد الداعين الى عقدها، ولكنه تراجع عن موقفه ونكس بوعده عندما رأى إن حزبه لم يحصل إلاّ على 24% من المقاعد في حين حصل الحزب الإشتراكي الثوري على 37% من المقاعد. في هذه الحالة لم يبق أمام لينين إلاّ خيارٌ واحد هو أن "يطوّر" الماركسية، وهذا هو بالضبط ما فعل: "دكتاتورية البروليتاريا هي مؤسسة ديمقراطية أرقى بكثير من الجمعية التأسيسية" - أفتى وأصدر أوامره الى "الشبيحة" بحل الجمعية التأسيسية المنتخبة.
مكسيم غوركي الذي لعب الشطرنج مع لينين في جزيرة كابري الإيطالية قبل الثورة، والذي لم يكن قد أدرك بعد إن "عنصراً" غريباً عن الماركسية بدء يتسلل الى "المعادلة"، زعزعه أطلاق النار على متظاهرين عزل، وتساءل (تنبأ) في صحيفته غداة اليوم الدامي: "هل يفهم القوميساريون الجدد ما هم فاعلون؟ هل هم يدركون إن أعمالهم ستقودهم حتماً الى خنق الديمقراطية الروسية برمتها وألى القضاء على كل إنجازات الثورة؟"
نحن حزب ثوري لا جمعية خيرية - أجابه، على ما يبدو، لينين ثم أسرع في أرسال الجنرال توخاشفسكي لسحق تمرد الجنود في القاعدة البحرية كرونشتاد، التي كانت العمود الفقري لثورة اكتوبر، (لا يعرف عدد القتلى)، ولإغراق تمرد الفلاحين في إقليم تامبوف في بحرٍ من الدماء. (في عام 1935 تقلد توخاشفسكي درجة مارشال وفي عام 1937 نفذ فيه حكم الإعدام رمياً بالرصاص بتهمة التجسس، مما يؤكد مرةً أخرى إن "العدالة الإلهية"، بخلاف "العدالة البلشفية"، تلاحق الجاني وتدركه لا محالة إن عاجلاً أو آجلاً).
هذه كانت البداية. بعد لينين كانت الطريق "البلشفية" ممهدة أمام خريج معهد اللاهوت لإقامة امبراطورية الرعب والكذب والخوف على جماجم اكثر من 25 مليون إنسان.
"هذا الجنكيز خان سوف يقتلنا جميعاً" - تنبأ بوخارين عام 1928.
نحن حزب ثوري لا جمعية خيرية - أجابه ستالين وهو يرسل الى المشنقة كل رفاقه في قيادة الحزب والدولة.
نحن حزب ثوري لا جمعية خيرية - قال ماوتسي تونغ وهو يشعل "ثورة ثقافية" تنزل الخراب والدمار في المجتمع الصيني.
نحن حزب ثوري لا جمعية خيرية - قال بول فوت في كمبوديا وهو يعد جماجم الموتى ويحول شعبه الى عبيد.
نحن حزب ثوري لا جمعية خيرية - قال كيم آل (الأب، الإبن أو الروح القدس) في كوريا الشمالية لشعبه الجائع.
نحن حزب ثوري لا جمعية خيرية - نفخ محمد نفاع في أوداجه وهو يلطم على صدام حسين.

المعادلة:
عندما كتبت للزميل جاسم الزيرجاوي في تعليقٍ عابر أنني توصلت الى المعادلة التالية: البلشفية = ماركسية + فاشية (ثم أضفت: لست مقتنعاً تماماً أن "المعادلة" صحيحة بصورة مطلقة) لم أتوقع أن أجد نفسي سريعاً في موقع من يعيبون عليه أن أخته زانية وعليه أن يثبت أنه ليس له أختٌ أساساً.
سيدة فاضلة قررت عدم مواصلة الحوار معي لأنني قلت أن لينين فاشي (عبثاً حاولت إقناعها أن اسم لينين لم يرد في "المعادلة").
جاهلٌ آخر توصل إلى أن عدم التكافؤ بين طرفي "المعادلة": إثنان (ماركسية+فاشية) مقابل واحد (بلشفية)، يشهد على صاحب المعادلة أنه جبانٌ رعديد (كل محاولاتي لإقناعه بالتخلي عن الرعديد على الأقل باءت بالفشل).
وهناك طبعاً علاء الصفار الذي فضل الطريقة المجربة: صهيوني! ولمن لم تكفيه الإشارة أضاف: صهيوني موتور! (إزاء هذه الحجة الدامغة تنازل المتهم عن حق الدفاع ، طلب الرحمة من المحكمة ولاذ بالفرار).

على أن أهم الإعتراضات جاءت من جانب أتباع ما يمكن أن يسمى ب"مدرسة ما بعد الرياضيات". أنصار هذه المدرسة البيتاغورسية قاموا بجهودٍ جبّارة لبناء رياضيات بديلة تحل محل الرياضيات التقليدية. في هذه الرياضيات البديلة يمكنك أن تحذف جزءً لا يساوي صفراً (شكراً رعد) من أحد أطراف المعادلة ومع ذلك تبقى علامة المساواة قائمة بين طرفي المعادلة. وهكذا توصل أتباع هذه المدرسة الى النتيجة المذهلة: "البلشفية = فاشية". (الصديق رعد الحافظ كان طبعاً أول من لفت الأنظار ألى أن من يقول ان المعادلة: "البلشفية = ماركسية + فاشية" معناها: "البلشفية = فاشية" يشهد على نفسه أنه لا يقيم وزناً للماركسية)

"البلشفية" المطبقة على أرض الواقع:
أنا أول من يعرف أن كلمة "البلشفية"، في ذهن كل من عمل يوماً في الحركة الشيوعية، ترتبط بمبادئ إنسانية سامية. أنا أنتمي ألى جيلٍ خيرة أبنائه وأشرفهم عملوا وناضلوا وماتوا من أجل "البلشفية".
لا عن هذه "البلشفية" أتحدث. أنا لا أتحدث هنا عن "بلشفية" خيالية. أنا أتحدث عن البلشفية الحقيقية التي طبقت على أرض الواقع.
عندما يتحول الحلم الى سراب، وعندما يظهر الإله على حقيقته المخزية والعارية، مجنونٌ فقط لا يعيد النظر في الماضي ولا يستخلص العبر من الجرائم التي ارتكبت باسمه.
من منّا لم يرتعش من أعماق نفسه عندما قرأ كلمات ستالين في رثاء لينين: "نحن البلاشفة أناسٌ جبلوا من طينة خاصة". اليوم أنا أعرف إن هذه هي دعوة فاشية. اليوم، بعد تجارب قاسية، أنا أخاف من أناسٍ جبلوا من طينة خاصة. أنا أريد أناساً عاديين، من لحمٍ ودم. أريد أناساً لا يعرفون الحقيقة المطلقة ولا يريدون أن "يهندسوا" المجتمع البشري (ويشطفوا دماغي) وفقاً لهذه الحقيقة المطلقة.

"إن المؤرخ ليقف مذهولاً عندما يرى كيف ينقلب الحلم بالخلاص الى عبودية مطلقة، وكيف تتحول الجنة على الأرض الى جحيم لا يطاق" - يقول المورخ الراحل يعقوب تالمون في كتابه "عهد العنف" (The Age of Violence).

دكتاتوريتان متشابهتان - أديولوجيتان مختلفتان:
في كتابه الضخم والقيم "الدكتاتوريون" (The Dictators) يروي المؤرخ والباحث الأنكليزي ريشارد أوفيري (Richard Overy) قصة موظف سوفييتي وصل إلى برلين لأول مرة عام 1940 ضمن البعثة السوفييتية التي أرسلت للإشراف على إرسال التقنيات الألمانية الى الإتحاد السوفييتي بموجب الإتفاقية التجارية المبرمة بين الدكتاتوريتين.
يقول ريشارد أوفيري إن أشد ما أدهش فالينتين بيريزكوف عندما وصل الى برلين للعمل كمترجم هو أنه لم يشعر بالغربة في مكانه الجديد: "نفس التأليه ل"القائد"، نفس الإستعراضات والمهرجانات الجماهيرية ونفس المباني الهائلة والضخمة. الفن يتناول نفس المواضيع البطولية التي تعالجها الواقعية الإشتراكية عندنا. . .وعمليات شطف الدماغ الأديولوجية تجري على قدمٍ وساق كما تجري عندنا".
وعندما شاهد بيريزكوف نظرات التبجيل والإجلال التي كان ينظر بها الألمان الى هتلر وهو يخطب فيهم خيل له أنه يرى ستالين يعتلي المنصة فوق ضريح لينين ويلوح بيديه لصفوف الشيوعيين المتحمسين الذين يسيرون أمامه في صفوفٍ متراصة.
ومع ذلك - يقول المؤرخ الأنكليزي أوفيري - كان من الصعب لفالينتين بيريزكوف أنذاك أن يقوم بهذه المقارنة بين الدكتاتوريتين لأنه كان يدرك الهوة العميقة التي تفصل بين نظامٍ يهدف الى أقامة مجتمعٍ اشتراكي يعيش فيه أبناء البشر بحرية ومساواة، ونظامٍ يسعى الى أقامة امبراطورية عنصرية يستعبد فيه العنصر الآري باقي أبناء البشر.

البلشفية والفاشية:
هذا المقال هو ليس بحثاً أكاديمياً في نشأة الفاشية والبلشفية. وهو كذلك ليس بحثاً علمياً في تاريخ الأفكار. ليست لدي المؤهلات اللازمة لذلك.
هذا المقال هو ملاحظات "صحفية" سطحية مبنية على القراءة في الكتب، التنقيب في غوغول (عدنا الى غوغول) وعلى تجربة حياة. هذه ليست دراسة علمية وتنقصها الدقة العلمية، لذلك عندما كتبت عن معادلة ("البلشفية = ماركسية + فاشية") أضفت جملة ثانية شاء الكثيرون تجاهلها وهي: أنا لست متأكداً أن المعادلة صحيحة بصورة مطلقة. لم أقل ذلك، عزيزي مثنى (شكراً على الدعوة)، من أجل التهرب أو المراوغة بل للتأكيد على حقيقة.

سأحاول أن أشير فيما يلي، بصورة رؤوس أقلامٍ فقط، الى أوجه التشابه في نظري بين الأفكار وصورة الحكم الدكتاتوري التي ميزت الأنطمة الفاشية في أيطاليا وألمانيا في النصف الأول من القرن الماضي، وبين الأفكار (الغريبة عن الماركسية) التي أدخلها لينين الى الماركسية وصورة الحكم الدكتاتوري الذي أسسه ثم بلغ ذروته الفضيعة (والمنطقية) في عهد ستالين.
أريد أن أؤكد من البداية ان المقارنة بين البلشفية والفاشية ليس معناها ان البلشفية = فاشية. الأساس الأديولوجي للبلشفية هو الماركسية، أحدى ذروات الفكر البشري والإيمان المطلق بحرية الإنسان والمساواة بين البشر. أما أساس الفاشية فهو العنصرية والظلامية والتعصب القومي وانحطاط الفكر البشري الى الحضيض.

1. مبدأ الزعيم (فيهرر باللغة الألمانية، الدوتشة باللغة الإيطالية، فوزود باللغة الروسية):
الفقرة التالية لم نقتبسها من مقالٍ لفؤاد النمري كما قد يتبادر للذهن للوهلة الأولى:
"ليس هناك في كوكبنا إسم يشبه اسم ستالين. اسم ستالين يلمع كمشعل مزدهر للحرية ، يخفق كعلم في معركة ملايين الكادحين في أرجاء العالم، يهدر كالرعد وينذر الطبقات الزائلة من أسياد العبيد والمستغلين . . . ستالين هو لينين اليوم! ستالين هو دماغ حزبنا وقلبه! ستالين هو راية الملايين في كفاحها من أجل مستقبلٍ أفضل."
هذا التزلف المخجل نشر في جريدة "برافدا" الروسية، في 19 سبتمبر 1939، بمناسبة يوم ميلاد ستالين الستين.

قارنوا الفقرة السابقة بالفقرة التالية التي نشرت في جريدة "داس شوارتس كوربس" الألمانية، في أبريل 1939، بمناسبة يوم ميلاد هتلر الخمسين:
"زعيمي! ها أنذا أقف اليوم أمام صورتك. يا لها من صورةٍ جبارة، قوية، جميلة ورفيعة! ما أبسطها وأرقها وأروعها! أنت الأب، الأم والأخ. أنت كل ذلك بل أكثر من ذلك . . . أنت الزعيم (فيهرر) . . . أنت القانون، أنت الحب، أنت القوة".

هل لاحظتم التشابه في محتوى الفقرتين؟ هذا هو "مبدأ الزعيم" في الفكر الفاشي الذي بدونه لا تقوم لحركة فاشية قائمة.
يجب أن لا نخلط بين "مبدأ الزعيم" و"عبادة الفرد" رغم العلاقة الكبيرة بينهما. "مبدأ الزعيم" في الفكر الفاشي (والبولشفي) يقوم على أساس أن العلاقة بين المواطن والحاكم هي ليست علاقة بين مواطنين أحرار متساوين في الحقوق، وأن المواطن هو الذي انتخب الحاكم ليخدمه، بل هي علاقة أشبه بعلاقة الكلب بسيده: سيد الكلب يحب كلبه ويعرف ما هي مصلحته والكلب يخلص لسيده ويطيعه.
لينين، الذي يشهد الجميع أنه كان ينفر من كل مظاهر "عبادة الفرد"، وضع الأساس النظري ل"مبدأ الزعيم" في "البلشفية".
"ليس هناك على الإطلاق أي تناقض مبدئي بين الديمقراطية السوفييتية وبين قيام أفرادٍ معدودين بممارسة سلطةٍ دكتاتورية" - كتب لينين عام 1918.

2. الحزب (الواحد) يقف فوق الدولة:
"الحزب والدولة هما ليسا شيئاً واحداً، إذ أن لكل منهما مهمات مختلفة. الحزب يحكم الدولة لكنه ليس الدولة. الحزب يمارس القيادة السياسية والدولة تهتم بالأمور الإدارية". - أوتو ديتريخ، سبتمبر 1936. (أوتو ديتريخ، زعيم أديولوجي نازي، أتهم في محاكم نورنبرغ بعد الحرب العالمية الثانية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وحكم عليه بالسجن).

"الحزب يمارس دكتاتورية البروليتاريا . . . هذا يعني ان الحزب يستولي على السلطة، الحزب هو الذي يحكم البلاد . . . هذا لا يعني ان الحزب والسوفييتات هما شيئاً واحداً، أو ان الحزب والدولة هما نفس الشيئ. الحزب هو لبّ سلطة الدولة لكنه ليس سلطة الدولة." - يوسف ستالين، يناير 1926

ماذا يعني كل ذلك؟ هذا يعني أن الحزب (الفاشي، النازي، البولشفي، أو البعثي) أولاً والدولة ثانياً.

3. دولة الرعب (حرب بلا هوادة ضد "أعداء الشعب"):
" من أهم واجبات الحركة (النازية) هو إعلان حربٍ لا هوادة فيها على المخربين الذين ينسفون مناعة الشعب وقدرته على المقاومة، وعلينا أن نخوض هذه المعركة حتى تتم إبادتهم أو إخصاعهم." - أدولف هيتلر، 1933

"يجب أن نذكر ولا ننسى أبداً أنه ما دام التطويق الرأسمالي قائماً سيكون هناك دائماً مخربون ومحرضون وجواسيس وإرهابيون، يرسلهم العدو من وراء حدود الإتحاد السوفييتي . . . لا الأساليب القديمة، اساليب النقاش، هي التي يجب استخدامها، بل اساليب جديدة، اساليب سحق هذه العناصر واجتثاثها من جذورها."

4. الغاية تبرر الواسطة. قواعد الأخلاق (Ethics) في خدمة النظام:
البولشفي الحقيقي (مثل الفاشي الحقيقي) لا يعترف بمشاعر أنسانية مطلقة عامة، وبقواعد أخلاق (Ethics) تسري على جميع البشر ولا تنحصر في عرقٍ أو جنسٍ أو طبقة معينة. غني عن البيان أن البولشفي الحقيقي (مثله مثل الفاشي الحقيقي) لا يعرف معنى الشفقة والرحمة. لا تنسوا أنه لا ينتمي الى جمعيةٍ خيرية.

"أنا أحرركم من غول الضمير" - قال هتلر
"أخلاقنا هي أداة لتحطيم عالم الإستغلال القديم. إن أساس الأخلاق الشيوعية هو النضال من أجل تعزيز وتحقيق الشيوعية" - لينين، المؤلفات الكاملة، المجلد 24.
"نحن لا نؤمن بوجود قواعد أخلاقية أبدية. ونحن نفضح الخرافات الكاذبة حول الأخلاق." - لينين في كلمة أمام الشبيبة الشيوعية عام 1919.

الغاية تبرر الوسيلة. لم ينتبه "البلاشفة" الى مسألة تافهة واحدة وهي: ان الوسائل التي استخدموها في أقبية لوبيانكا للوصول الى الغاية المنشودة قد لطخت "الغاية" نفسها بالعار.

5. هندسة الروح البشرية. ((Brain Washing. شطف الدماغ:
راجع سلسلة مقالات تحت عنوان "نحتاج الى شطف دماغنا" نشرت في "الحوار المتمدن".

6. العنف كسلاحٍ سياسي:
"لن نتردد في قتل الآلاف رمياً بالرصاص" - قال لينين، في 2 يناير 1920، لممثلي "المعارضة النقابية الشيوعية" داخل الحزب.
من الجدير بالذكر هنا أن موسوليني، مؤسس الفاشية الأيطالية والذي أعتاد قبل استيلائه على الحكم أن يقذف بخصومه السياسيين من قاعة البرلمان، كان معجباً بلينين.
وفي كلمة أمام وفدٍ من الإشتراكيين الإيطاليين في موسكو بعد أن قام موسوليني بزحفه على روما عام 1922 قال لينين:"من الموسف أننا فقدنا موسوليني. أنه أنسانٌ من الدرجة الأولى وكان بمقدوره أن يوصل حزبنا إلى السلطة".

7. تسخير الجهاز القضائي في خدمة الحزب والنظام الدكتاتوري:
من شاهد الفيلم الأمريكي الرائع حول محاكمات مجرمي الحرب الألمان في نورمبرغ (رأيته عشرات المرات) يتذكر دون شك القاضي النازي الذي حكمت عليه المحكمة بالإعدام (وبئس المصير) لأنه أخضع أحكامه القضائية لاعتباراتٍ سياسية في خدمة الحزب الحاكم.
قضاة المحاكم الهزلية التي أجراها النظام "البولشفي" الستاليني ضد "أعداء الشعب" (مجموعة غريبة عجيبة من الجواسيس والمخربين والمنحرفين ومن "الكلاب السائبة"- فيشينسكي) لا يختلفون من حيث المبدأ عن ذلك القاضي النازي الذي نالته يد العدالة الدولية.
(نسجل فقط أن "العدالة الإلهية" فعلت فعلتها هنا أيضاً، وكثير من حكام ستالين الذين أصدروا أحكام الإعدام على المتهمين وجدوا أنفسهم في اليوم التالي في قفص الإتهام يواجهون نفس أحكام الإعدام، وهلم جرا).

دفاعاً عن لينين نقول أنه لم يحتاج حتى ألى هذه المحاكم الصورية.
فانيا كابلان قتلت في كراج للسيارات دون محاكمة.
والعائلة القيصرية (الأب، الأم، الأبناء، البنات، الطبيب المرافق وكل الحاشية بما فيهم الطباخ) لقوا حتفهم وفقاً لكل أصول العدالة "البولشفية".

إليكم كيف يصف أحد المشاركين في هذه المذبحة ما حدث:
"بتاريخ 16 يوليو 1918، في الساعة الثانية بعد الظهر جاء الرفيق "فيليف" وأخبرنا أن اللجنة التنفيذية المحلية قد أعطت الأوامر بتنفيذ حكم الموت في نيقولاي. . .
"في الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل دخلت الى الغرفة، أيقظت دكتور بوتكين (طبيب العائلة الملكية) وقلت له أن عليهم الإسراع بارتداء ملابسهم لأننا نريد نقلهم ألى مكانٍ آمن.
"في الساعة الثانية بعد منتصف الليل رافقتهم الى الطابق الأسفل من البيت. طلبت منهم أن ينتظموا بصورة معينة. نيقولاي كان يحمل أليكسي (الأبن الصغير - ي.أ.) على ذراعيه. ألآخرون حملوا مخدات أو أشياء أخرى ونزلوا الى السرداب. أليكسندرا فيدوروفنا (الأم - ي.أ.) جلست. أليكسي أيضاً جلس. أمرتهم بالوقوف. كلهم وقفوا ألى جانب الحائط . . . أعلنت لهم أن اللجنة التنفيذية لسوفييت ممثلي العمال والفلاحين والجنود قد أمرت بتنفيذ حكم الإعدام فيهم. نيقولاي نظر أليّ بدهشة. وعندها أصدرت الأمر: إطلاق نار!
"نيقولاي أخذ يتمتم: "يا إلاهي! يا إلاهي! ما الذي يجري هنا؟". أطلقت الطلقة الأولى وقتلت نيقولاي في الحال. سمعت النساء يصرخن: "آه! يا إلاهي!". سمعت الدكتور بوتكين يسأل بصوتٍ خافت: "ألا تريد أخذنا إلى مكانٍ آمن؟" استمر أطلاق النار زمناً طويلاً . . . وعندما حاولت وقف إطلاق النار لاحظت أن بعضهم لا زال حياً. دكتور بوتكين مثلاً كان مستلقياً معتمداً على مرفقه وكأنه يريد أن يرتاح. قضيت عليه بطلقة مسدس. أليكسي، تاتيانا، أناستاسيا وأولغا كانوا لا يزالون أحياءً. وكذلك ديميدوفا. الرفيق ييرماكوف أقترح أن ننهي الأمر معهم بواسطة السلاح الأبيض. لكننا لم نستطع ذلك. وقد اكتشفنا فيما بعد أن السبب في أننا لم نستطع قتلهم بالسلاح الأبيض هو أن البنات كن يرتدين قمصاناً مغطات باللآلئ. كان عليّ أن أطلق النار على كل واحدةٍ منهن على حدة. لسوء الحظ رأى أفراد الجيش الأحمر اللآلئ وقرروا أن يأخدوها."

معذرة من القراء على طول المقال:
بليز باسكال، الفيزيائي الرياضي والفيلسوف الفرنسي (1623-1662 )، إعتذر مرةً على طول رسالة بعثها الى صديقه بقوله: "ليس لدي الوقت الكافي لكتابة رسالة قصيرة".
هذا يصدق أيضاً على هذا المقال

مصادر:
Lenin A New Biography by Dmitri Volkogonov
The Dictators by Richard Overy
Mussolini by Denis Mack Smith
The Age of Violence by J.L.Talmon
The Age of Social Catastrophe by Robert Gellately

كيف وشى "الثنائي اليهودي" بأسرار ثورة أكتوبر للشرطة السرية:
وعدت "صاحب التحديات" أن أقص له كيف وشى "الثنائي اليهودي"، زينوفييف وكامينيف، بأسرار ثورة اكتوبر للشرطة الروسية السرية. لكن "حفار القبور" سبقني إلى ذلك.
ومع هذا في مقالٍ قادم سأكشف بعض التفاصيل التي أخفاها "حفار القبور" وسأروي ل"صاحب التحديات" ما هو بالضبط السر الذي أوشى به "الثنائي اليهودي" ومن صدق أنذاك: لينين أم كامينيف وزينوفييف؟